بين الحكومة المؤقتة والاتحاد العام التونسي للشغل أزمة علنية في وقت اعتقد المراقبون أن حكومة حمادي الجبالي تلتزم بهدنة في ما يتعلق بالأزمات وهي أزمات تثيرها أو تقتنصها بتعمد إخراج أسبابها من سياقاتها الأصلية وتوظيفها، أولا لإحداث جلبة وضجيج على الساحة، وثانيا لإلهاء الجميع وصرف النظر عن ملفات وقضايا أكثر خطورة وأهمية. ولا أحد يدرك جيدا ما أعدّته الحكومة للدفاع عن اقتراحها بأن تكون سنة 2012 سنة بيضاء بلا زيادات في الأجور، وهو الذي كان وراء الأزمة الحالية وتحديدا بعد رفض الاتحاد المقترح، أولا على لسان أمينه العام حسين العباسي، ثم في بيان للمكتب التنفيذي الموسع للمنظمة الشغيلة المنعقد يوم 17 ماي الجاري. واللافت للنظر أن بيان الاتحاد المتضمن تجديده رفض السنة البيضاء وردت فيه نقاط أخرى، فيها تقييم ضمني لعمل الحكومة لكنها جاءت في معظمها منتقدة أداءها ومعبرة عن جملة من المطالب. ويبدو أن الهدنة الضمنية بين الاتحاد والحكومة قد انتهت على وقع المقترح الخاص بتجميد الزيادة في الأجور، وذلك بعد خمسة أشهر من انتخاب مكتب جديد لاتحاد الشغل، وهي فترة تخللتها محاولات من قبل الحكومة للعب على وتر التعددية النقابية قصد الحدّ من قوة الاتحاد وإحداث انقسام في الطبقة الشغيلة. ولعل وضوح موقف المكتب التنفيذي الموسع حول السنة البيضاء، وشن أنصار الحكومة حملة مضادة تحت شعار « لا أريد زيادة في أجرتي لكن أريد تشغيل المعطلين عن العمل» ، يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أن الطرفين -وفي حالة عدم التوصل إلى حل وسط- مقبلان على تصعيد سيكون مبكرا جدا في حالة وضعه في سياق الانتخابات المقبلة التي تهمّ بالأساس الترويكا الحاكمة . ومهما كانت تبريرات موقف الحكومة لمقترحها فإن الوضع الاقتصادي في البلاد لم يطرأ عليه جديد، أولا لعوامل داخلية أهمها الاعتصامات، وإغلاق مؤسسات أجنبية أبوابها، وعدم إظهار الحكومة أي دليل على جديتها في إصلاح الأوضاع الاقتصادية.. وثانيا عدم اهتمام الشريك الأوروبي بما فيه الكفاية لتقديم مساعدات تحتاجها البلاد، وكذلك الشأن بالنسبة للخليجيين الذين كانت تحركاتهم أبطأ من وعودهم. ولسائل أن يسأل: هل يعني أن 2011 كان أفضل من 2012؟ لا يبدو هناك فرق كبير بالنظر إلى المؤشرات الاقتصادية فحتى نسبة النمو )3,5 في المائة( مازالت لم تتضح معالمها بعد مرور خمسة أشهر من عام 2012، وبالتالي كانت هناك زيادات في الأجور في العام الماضي في ظرف اقتصادي صعب، ويفترض أن تكون هناك مفاوضات حول الزيادة في الأجور في القطاعين العام والخاص هذه السنة. وحينما تقترح الحكومة سنة بيضاء فإنها تجانب الصواب لأنها على دراية تامة بأن المواطن التونسي يرزح منذ الثورة تحت وطأة ارتفاع جهنمي للأسعار -وخصوصا المواد الغذائية- بل حاولت الحكومة مواجهة موجة الغلاء لكنها لم تنجح رغم الإجراءات والوعود. ويبدو أن اتحاد الشغل بصدد تشديد الضغط على الحكومة لأنه -إضافة إلى مطالبه الاجتماعية سواء في ما يتعلق بالمفاوضات حول الأجور أو تعدد الإضرابات في قطاعات مختلفة- دخل على الخط مطالبا « بخارطة طريق لإنهاء المرحلة الانتقالية الثانية، والتعجيل بصياغة الدستور، وتشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وسن القانون الانتخابي بما يكفل الإعداد الجيد فنيا وماديا لانتخابات ديمقراطية نزيهة شفافة في الآجال المعقولة » . إن مجرّد نشوب أزمة حادّة وعميقة بين الحكومة المؤقتة والاتحاد العام التونسي للشغل سيتضرر منها الطرف الأول لأن أداءه هش على أصعدة مختلفة وما حققته الحكومة يبقى دون آمال وتطلعات المواطن التونسي في ما يتعلق بكرامته من شغل وظروف عيش. يخشى أن يكون اقتراح الحكومة المؤقتة بأن تكون سنة 2012 سنة بيضاء دون زيادات في الأجور، ترجمة لسنة بيضاء للحكومة على صعيد الأداء والحصيلة، أي على صعيد تجسيم الوعود.