أحدثت الدورة الثانية عشرة لمهرجان ربيع سبيطلة الدولي منعرجا ثقافيا حاسما في مسار التظاهرة ونلمس ذلك بالأساس من خلال الصبغة السياسية والاجتماعية التي طبعت مختلف الأنشطة والبرامج الخاصة بهذه الدورة التي انتظمت بعيدا عن أي جهة أو حزب سياسي في تونس مثلما أكد ذلك مدير المهرجان عدنان الهلالي. إضافة إلى ما حملته التظاهرة من رمزية تمثلت في الانفتاح على جهات دولية دعمت المهرجان والجهة على وجه الخصوص دون شرط على غرار سفارتي فلسطينوبلجيكا ومنظمات دولية لها اهتمام بالشأن الإنساني كالمجلس الدانماركي للاجئين الذي يتولى رعاية الفنانين الأجانب المقيمين بمخيم الشوشة للاجئين بالجنوب التونسي والأمم المتحدة. والجديد في الدورة الحالية هو الاتفاق مع الجانب الفلسطيني على وضع أسس توأمة بين عشرة مدن فلسطينية ومثلها من المدن التونسية وذلك بمناسبة انتخاب فلسطين عضوا في اليونسكو ليكون مشروع المهرجان التأسيس لتبادل الزيارات والأنشطة بين مدن مختلفة من البلدين. ولئن انطلق جسر التواصل هذا منذ بداية المهرجان بمشاركة فرقة لطلبة فلسطينبتونس ومشاركتهم في إحياء عروض بكل من سبيطلة وفوسانة وسبيبة بولاية القصرين وصولا إلى تونس العاصمة أين احتضن فضاء صديقة كسكاس بقمرت مساء أول أمس سهرة خاصة في ذات الإطار ليتواصل مسار مشروع التعاون والتواصل الذي أعلن عنه عدنان الهلالي خلال هذه السهرة بزيارة مدن أخرى خلال الأيام القادمة على غرار قربة ونابل والحامة وغيرها من المدن الأخرى من داخل الجمهورية. كما تم خلال نفس المناسبة تكريم أبناء الجهة من الموسيقيين الذين شاركوا في السهرة. تميز وخصوصية وقد شهدت هذه السهرة حضور عدد كبير من الأسماء البارزة من مختلف الميادين الفنية وممثلين عن الجهات الداعمة على غرار الأساتذة هشام مصطفى ومحمود عباس من سفارة فلسطين ودانيال سوال قائم بأعمال بسفارة بلجيكا إضافة إلى عديد الوجوه الثقافية والفنية التي أبدت تحمسها لمبادرة المهرجان في دعم أبناء الجهة خاصة فيما يتعلق بالأنشطة الفنية والثقافية وتشجيع الناشئة على الانخراط فيها من خلال جمع الآلات الموسيقية وتوزيعها على المولعين بالموسيقى وغيرها من الحركات التي تهدف إلى تعميم الفعل الثقافي والفني على الجهات التي تفتقد لحركة ثقافية نشيطة ومتواصلة. لكن الاستثناء في هذه السهرة كان مصدره موسيقيون ينحدرون من الجهات التابعة لعاصمة السباسب لم شملهم عدنان الهلالي لأول مرة في العاصمة بعد سنين طوال من النشاط في الميدان داخل جهتهم. فأبوا ألا يفوتوا أول فرصة تتاح لهم للعزف والغناء أمام شريحة مختلفة من الجمهور وفي مكان عادة ما تسلط عليه الأضواء وذلك رغم ما واجهوه من صعوبات ومشاق في رحلتهم إلى العاصمة بسبب الإعتصامات وعمليات قطع الطرقات التي تشهدها بعض الجهات بولايتي القصرين والقيروان. وهو ما عبر عنه كل من اللاّفي الخشناوي العازف على آلة الكمنجة والمولدي العلاقي على العود ورشيد بن جوهر في العزف على الناي وكمال الهلالي وعمار الصالحي. قدم خلال السهرة الثلاثي الأول معزوفات وأغاني تونسية وشرقية لكل من علي الرياحي والشاذلي أنور وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهم. وقد شد مولدي علاقي الحاضرين بنوعية الأغاني التي أداها والتي أعادت الحاضرين إلى زمن الإبداع والذائقة الراقية في الكلمات والألحان بأداء رائعة أم كلثوم «كله ده كان فين» وغيرها من أغاني السيد مكاوي وغيرهم وذلك على طريقته فعزف وغنى أغاني الستينات بروح ومظهر تلك السنوات حتى أن الحاضرين تناسوا أن الشيخ علاقي لم يتأثر بوقع السنين في نبرات صوته وروحه التواقة للحب والحياة والانتصار للقضايا الإنسانية. من جهته قدم عدنان الهلالي وصلة من الأغاني الجبلية التي تتغنى بفلسطين وقضية شعب شاءت الإرادة السياسية الدولية أن تشرده تفاعل معها الحاضرون. واختار الشاعر فتحي النصراوي أن تكون مداخلاته الشعرية موجهة لخدمة مضمون التظاهرة وأهداف الجهة. فالقصائد التي قدمها خلال السهرة من قبيل «خيوط الشمس» وغيرها صورت المشهد في فلسطين وفي تونس بعد الثورة والقصرين وأحلام أبناء هذه الجهات وتوقهم إلى حياة أفضل. فيما كان للإيقاع واللون الغنائي التراثي الذي عرفت به الجهة نصيب في هذه السهرة التي كان الفضاء عاملا للانتشاء فيها. إذا قدم الثنائي كمال الهلالي في الغناء وعمار صالحي في العزف وصلة من الأغاني التراثية التي تتغنى بالجمال والحب والمرأة والإنسان برهنت مجدّدا على ثراء الموروث التراثي بالجهة وخصوصيته.