لم يكن قرار تسليم البغدادي المحمودي رئيس وزراء نظام معمّر القذافي إلى الحكومة الليبية الحالية مجرّد قرار سياسي وسيادي سعى من خلاله الليبيون إلى استرجاع من يعتقدون أنه أجرم في حقهم وساهم بطريقة أو بأخرى في ما حلّ بالدولة الشقيقة من خراب وفوضى ودمار بل كان قرار تسليمه من الجانب التونسي والذي «بشّر» به نورالدين البحيري أشقاءنا,قرارا مثيرا للجدل طرح أسئلة مؤّرقة واستفهامات «خطيرة» ناهيك وأن القرار أستفزّ الهيئات والمنظمات الحقوقية محليا ودوليا وقد وصفته هيئة الدفاع التونسية عن البغدادي المحمودي بالمهزلة ووصمة العار التي ستطبع على جبيننا حكومة وشعبا. ويبدو أن الحديث عن سيناريو المحاكمة العادلة ما بعد تسليم المحمودي هو «نفاق سياسي» وقصور «متعمّد» في البصيرة السياسية لأن جميع المنظمات وعلى رأسها الأممالمتحدة تعلم أن ليبيا تعيش وضعا معقّدا من فوضى عارمة وأن المجلس الوطني عاجز بشهادة مراقبين على تسيير الأزمة والتحكّم في الفراغ السياسي والاجتماعي وبالتالي الحديث عن ضمانات للمحاكمة العادلة يتعهّد بها الجانب الليبي كلام فضفاض ومن قبيل التبريرات الواهية وذرّ الرماد في العيون.. وان كنّا من حيث المبدأ لا نجادل في حق الشعب الليبي في محاسبة من يعتقد أنه أجرم في حقه إلا أن رغبات الشعوب قد تحول دونها الأعراف الدولية..فالأطراف الحقوقية استنكرت قرار التسليم، ليس بدعوى حرمان الشعب من حقه في المحاسبة ولكن لأن المحمودي وبقطع النظر عمّا يقدّم من وعود لن يحظى مطلقا بمحاكمة عادلة، طبق المعايير القانونية الدولية.. وقد أساء قرار التسليم قبل تجسيده فعليا دون وضع ضمانات حقيقية للمحاكمة إلى صورة تونس الحقوقية في أوساط المنظمات الدولية ناهيك وأن منظمة العفو الدولية شجبت القرار بشدة لاسيما وأنها ترفض وتمنع تسليم السياسيين إلى دول تمارس عقوبة الإعدام.. ولم تقف قضية تسليم المحمودي عند تداعياتها الحقوقية بل على ما يبدو سنشهد الأخطر في قادم الأيام فعملية التسليم تهدّد «بتفجير» العلاقة بين الحكومة ورئاسة الجمهورية،حيث كان الردّ عاصفا من الرئيس المرزوقي الذي رفض التوقيع على قرار التسليم كما رفض نظيره سابقا المبزّع التوقيع ،كما اعتبر ناطقه الرسمي أنه لن يقع التسليم إذا لم يوفّر الجانب الليبي الضمانات العادلة وكان القرار الحكومي «العازل» لأحقية الرئاسة في البت في القرار باعتبار أن القانون المنظّم للسلطة وإذا كان لم يعد يقتضي صدور أوامر من رئاسة الجمهورية للمصادقة على قوانين التسليم فانه يحرص على أن تدار السياسة الخارجية للبلاد وفق سنة التشاور بين الحكومة والرئاسة وهو على ما يبدو لم يحدث في قضية البغدادي وكان قرارا أحاديا من المؤكّد أن الحكومة ستتحمّل تبعاته خاصّة وأن بعض الألسنة انطلقت من عقالها مؤكدة أن هذا القرار كان مجرّد «صفقة» بين الكيب والجبالي. خاصّة وأن المحمودي من سجنه بالمرناقية اعتبر أن قرار الحكومة التونسية هو إمضاء غير مباشر على وثيقة إعدامه.. وقد استفزّ هذا القرار الرأي العام الذي شعر بالأسى وهو يرى باقي الشعوب المحرّرة تجاهد لاسترجاع أموالها المنهوبة والمورّطين من ساستها في انتهاكات ضدّ الشعب في حين أنّنا نغضّ الطرف عن المجرمين ونرضخ لأوامر الدول الخليجية التي تأويهم في أن المسألة لم تعد مطروحة حتى للنقاش كما أن أموال الشعب غادرت دون عودة على ما يبدو رغم الهاوية الاقتصادية التي نتردّى فيها بسرعة البرق. ونعتقد أن هذا التوتّر سيشهد تصاعدا مع بداية التعيينات الدبلوماسية في الخارج والتي ما زالت تتأرّجح بين الولاء والكفاءة.. كلّ هذا يدفعنا للقول أن تسليم البغدادي المحمودي «وحلة» لأكثر من طرف حاكم..وقد يؤدي الى توتر العلاقة بين الحكومة والرئاسة إما بسبب معركة إثبات الوجود أو بسبب المراهنة السياسية على الانتخابات القادمة وهو «وحلة» للشعب «الواحل» بطبعه اجتماعيا واقتصاديا.