تنقل هذه الأيام الصحافة الغربية باهتمام كبير تفاصيل القضية أو الفضيحة التي اختارت لها من الأسماء " الفاتيليكس " في إحالة إلى موقع "الويكيلكس " لدانيال أسونج وكان هذا الموقع قد أحدث ضجة عندما نشر الكوابل السرية أي المراسلات بين الإدارة الأمريكية وقنواتها الدبلوماسية في العالم وهي من المفروض مراسلات محميّة عن عيون الفضوليين. وللتذكير فإن موقع "الويكليكس" كان قد خصّ بلادنا بنسبة من هذه الكوابل السرية التي وحسب إصرار دانيال أسونج بنفسه وحسب عدد مهم من الملاحظين ساهمت بدور كبير في التهيئة للانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس المخلوع بن علي. و"الفاتيليكس" له علاقة مباشرة بأصغر دولة في العالم دولة الفاتيكان وتحديدا البابا "بينوا غزافيي" الذي شاء القدر أن يخرق في عهده قانون الصمت الذي تواصل حسب المعلقين والمهتمين بتاريخ الفاتيكان أكثر من ألف سنة. المعلومات التي سرّبها حسب ما يبدو مساعد البابا الموقوف حاليا "باولو غابريالي" والذي كان يلازمه مثل ظله من الصباح إلى حين يلتحق بفراشه معلومات ما كان لها أن تقع بيد الفضولييّن فهي تتعلّق بمراسلات خاصة للبابا مع عدد من معاونيه ومخاطبيه حول عدد مهم من القضايا. تسبّب نشر هذه المراسلات على العلن في اندلاع فضيحة مدويّة ذلك أن المسألة لها علاقة بالمال والأخلاق. لقد استفاق الناس على أنّ سياسة حكومة الفاتيكان الماليّة ليست على تلك الدرجة من الطّهر الذي كانوا يتوقعونه من دولة دينية تحمل رمزية كبيرة فهي الضامن لوحدة المسيحيين وحارسة القيم الروحية والأخلاقية في الدول الغربية ذات الأصول المسيحية والمتنفس لأبناء هذه الحضارة المادية بامتياز. لقد سقط الرّمز وأحدثت هذه الفضيحة ارتباكا في دولة الفاتيكان وتعرّت حقيقة الكاردينالات ( جمع كاردينال وهي من المراتب العليا التي يحظى بها رجال الدين بالفاتيكان ) وظهر نفاقهم للناس وهم الذين من المفروض أنهم "تبرعوا " بأنفسهم لخدمة الله وعباده فإذا بهم ضعفاء أمام المال ويحذقون جيدا فن الصراع من أجل السلطة. الفاتيكان اليوم وبعد أن تفجرت هذه الفضيحة مشغول بإعادة ترتيب البيت ( وقعت إقالة مدير البنك فهذه الدويلة لها بنك خاص ولها أمنها الخاص ولها حكومة مصغرة ) ولكن لا يبدو أن متاعب البابا ستنتهي قريبا فالموقوف الرئيسي لا يتوقع أن يكون المذنب الوحيد أو بالأحرى المتهم الوحيد بل يراهن المعلقون على أن تكون هناك شبكة من المتنصّتين داخل قلعة الفاتيكان في حد ذاتها وشبكة من محترفي التقاط الأخبار وبيعها بثمن غال ناشطة داخل أسوار هذا الهيكل الذي فقد بريقه فجأة. فضيحة "لفاتيليكس " جاءت عن طريق كاتب صحفي إيطالي نشر المعلومات في كتاب ضمنه أسرار المال وكذلك أشياء خاصة جدا لا يمكن أن تصدر إلا عن جماعات من داخل الكنيسة. ولئن أثبتت الفضيحة أن الكنيسة تعيش لحظات صعبة وأن صراع المصالح وكذلك الأخلاق السائدة بها والتي لا تعكس أحيانا العفة والطهارة المتوقعة من رجال الدّين وخاصة من رجال الكنيسة الذين يلتزمون في الظاهر بقوانين صارمة تهدّدها بفقد إشعاعها وقداستها أمام الناس فإنّها تترك عند الملاحظ شعورا بالمرارة. المسألة لا تقف عند أسوار الفاتيكان وإنما تهم جانبا كبيرا من رجال الدين بالشرق والغرب ممن لا تجارة لهم سوى بيع الكلمات. لقد تم لقرون استبلاه الناس الذين نفخت بطونهم بكلام عن الخلاص وعن الزهد وعن القناعة وعن الرحمة وعن الشفقة وعن الإيثار ثم تبين أنه كلام في كلام يسوقونه للناس دون أن يجدوا حرجا في عدم التقيّد به ويجنون عليه الأجر الكبير. أي عالم نحن باتجاهه سائرون؟