تحصّل حزب «جبهة الإصلاح» خلال الشهر الماضي على تأشيرة أوّل حزب سلفي بالبلاد، في حين لم يتحصّل حزب التحرير -الذي تقدّم بطلب الحصول على التأشيرة يوم 14 ماي الماضي- على الموافقة إلى اليوم رغم أنّه موجود منذ السبعينات ولا يقدّم نفسه كحزب سلفي. ورغم تصريح الوزارة الأولى في بيان لها بأنّ المرسوم المنظم للأحزاب يفترض أنّ تاريخ الإعلان عن منح التأشيرة يكون في أجل أقصاه 60 يوما من تاريخ إيداع المطلب، فإنّ هذا التبرير لم يقنع أنصار حزب التحرير الذي عقد الثلاثاء الماضي ندوة صحفية أعلن خلالها أمين عام الحزب رضا بلحاج ب»أنّهم لا ينتظرون منّة من أحد وبأنّ الحزب ينشط منذ فترة وسيواصل نشاطه»، ليصبح بذلك فاعلا سياسيّا كأمر واقع. منح حزب جبهة الإصلاح السلفي التأشيرة مثّل القطرة التي أفاضت الكأس، حيث بدأت الانتقادات الموجهة نحو حكومة الترويكا أو ما يسمّيها البعض ب»حكومة النهضة» بكونها تتبع سياسة المكيالين وقامت بمنح تأشيرة لحزب جبهة الإصلاح الذي يترأسه محمد بلخوجة لتسكت السلفيّين وتكسب ودّهم وثقتهم خاصّة أنّ حزب التحرير لا يقدّم نفسه كحزب سلفي. لكنّ الأسئلة التي يمكن طرحها: كيف تسمح وزارة الداخلية لحزب التحرير بأن ينشط كغيره من الأحزاب أو أكثر من البعض منها أحيانا أخرى رغم أنّه ليس بحزب قانوني؟ كيف تسمح وزارة الداخلية لحزب التحرير بأن ينظّم خياما ويقدّم مشروع دستور الخلافة وهو لم يتحصّل على تأشيرة؟ كيف تسمح الداخلية لحزب التحرير بأن ينظّم المؤتمر النسائي العالمي بأرقى نزل بالعاصمة والذي حضرته نساء منتميات لحزب التحرير من مختلف أرجاء دول العالم رغم أنّه ليس بحزب سياسي ولا جمعية؟ كلّ هذه الأسئلة تدفعنا إلى وضع فرضيّتين: إما أنّ حزب التحرير يمثّل خطرا فعليا على المجتمع والوزارة الأولى تخشى منحه التأشيرة لكونه لا يستجيب لشروط حزب الدولة المدنية وحتى لا يتمادى في تحركاته ويعتقد أنّه الأكثر قانونيّة؟ وإما تخشى الحكومة الحالية التي يترأسها حمادي الجبالي التابع لحركة النهضة من منح حزب التحرير تأشيرة تمكّنه من الدخول إلى الانتخابات والحصول على نسبة أصوات مرتفعة خاصة أنّه يتميّز بقاعدة شعبية لا بأس بها؟ «لا يجوز للسلطة الاعتراف بخصمها» هما احتمالان طرحناهما على عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة أحمد المشرقي ورضا بلحاج الناطق باسم حزب التحرير، وقد قال رضا بلحاج ل»الأسبوعي»: «إنّ عدم الإقرار بوجود حزب التحرير لا نعتبره عدم اعتراف»، وتساءل في هذا الإطار قائلا: «من يعترف بمن؟ فلا يجوز للسلطة الاعتراف بخصمها». ورغم تجنبه الإجابة عن سؤالنا حول خوف حركة النهضة من حزب التحرير في الانتخابات القادمة، فإنّ قوله «لا يجوز للسلطة الاعتراف بخصمها»، بدا واضحا وجليّا ليكون بذلك القرار سياسيّا خاصة أنّ رضا بلحاج أشار إلى السبسي الذي صرّح بكونه من وقف وراء قرار عدم منح حزب التحرير التأشيرة، وقد وصف الناطق باسم حزب التحرير ذلك التصريح ب»الفضيحة الكبرى». كما أضاف قائلا: «هم يصرّحون بأنّه لا يمكن الاعتراف بأكثر من حزب لها نفس المرجعية ولكنها قرارات سياسية بحتة، فنحن لم نكن رقما من الأرقام وإنما كنّا وضعية متميّزة لأننا لسنا بطور الإنشاء». كما حمّل بلحاج السلطة مسؤولية عدم منحهم التأشيرة، قائلا: «إنّ قرار عدم منح حزب التحرير تأشيرة تقف خلفه دوائر غربية خاصة أننا مدركون لوجود مؤسسات غربية تقدّم نفسها كحامية للديمقراطية ولكنّها تأهّل السياسيين وتتدخل في الحياة السياسية بتونس». «النهضة لا تخشى أحدا» من جهته، قال أحمد المشرقي: «نحن مع من ينشط في إطار القانون ونحترمه، فعندما يلتزم بآليات المجتمع فلا ضرر في ذلك ونحن كحركة نهضة ندافع عن حقّ كلّ شخص يلتزم بالقانون ويحرص على حفظ السلم المدنية». وردا على الانتقادات التي تقول إنّ حركة النهضة تخشى من حزب التحرير في الانتخابات القادمة، قال المشرقي: «النهضة لا تخشى أيّ حزب ينشط داخل المجتمع والمجتمع هو الحكم في تحديد إن كان يوجد طرف سياسيّ يخيفنا أو لا». وردا على سؤالنا حول ترشح حزب التحرير للانتخابات القادمة إن وقع منحه تأشيرة خاصة أنّه صرّح خلال حديثنا معه بأنّ حزبهم لن يدخل في انتخابات ديكورية، قال بلحاج: «نحن لم نقرّر ذلك بعد فلكلّ حادث حديث وما يهمّنا في الوقت الحالي هو تأمين نظام إسلامي». انتقادات وردود ستحسم فيها ربما الأيام القادمة.