ركن وزارة تحت المجهر أردنا من خلاله تسليط الضوء على العمل الوزاري عن قرب من خلال تناول الملفات الأكثر أهمية والتي تشغل الرأي العام للوزارة المعنية والاقتراب من مشاغل منظوريها والهياكل المتدخلة والتي لها علاقة بعمل الوزارة.. وسنحاول كل أسبوع الاقتراب من عمل وزارة معينة ورصد الانطباعات حولها وكذلك رصد إنجازاتها وما تنوي إنجازه في المستقبل وقد اخترنا في هذا العدد وزارة العدل. إعداد: منية العرفاوي 3 مشاريع مقترحة لهيئة القضاء العدلي: فهل تستجيب لمطامح القضاة؟ خرج مطلب استقلالية القضاء كاستحقاق شعبي وثوري من البيت القضائي المضيّق ليصبح محطّ اهتمام الشارع التونسي والرأي العام الوطني.. وتستبسل الهياكل الممثلة للقضاة كجمعية ونقابة القضاة في الدفاع عن استقلالية القضاة وحقوقهم وحيادهم ومدى استجابتهم لمعايير السلطة، وإذا كان القضاء تحرّر من الاملاءات السياسية خاصّة ومن تطويعه مباشرة لمنظومة الفساد التي كانت مستشرية فانه مازال يطمح للتحرّر النهائي وليكون في مستوى انتظارات المواطن ومنصفا للحقوق وكافلا للحريات وفارضا للواجبات بقوة القانون، وقد عوّل القضاة على مشروع الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي لتكون حجر الأساس الفعلي في بناء الاستقلالية الحقيقية لكن الرياح هبت عكس ما يشتهيه القضاة ليتفق أغلب القضاة على أن مقترح الهيئة الذي تقدمت به وزارة العدل مقترح مخيّب لآمالهم ولا يلبي طموحاتهم وما زاد الطين بلة قرار الإعفاء الذي اتخذته الوزارة في حق بعض القضاة وهو ما دفع الاحتقان إلى أشدّه بين الوزارة والقضاة.. اليوم حان دور المجلس التأسيسي لنزع فتيل الاحتقان وتمتيع القضاة باستقلاليتهم باعتباره سلطة شرعية تعلو في المرحلة الانتقالية على باقي السلط الأخرى وهو اليوم مطالب بالنظر بتمعّن -إذا كان ينوي تأسيس مسار ديمقراطي حقيقي- في المشاريع الثلاثة التي تقدّمت بها كل من الوزارة والجمعية والنقابة حول إحداث هيئة عليا مستقلة للإشراف على القضاء العدلي ومعرفة الأصلح لتأسيس سلطة قضائية فعلية. احتجاجا على الوزارة والمجلس التأسيسي: جمعية القضاة تقر الاضراب لمدة ثلاثة أيام انعقد اول امس المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين حضره اعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء الهيئة الادارية للجمعية الممثلين لمختلف المحاكم واستأثرت مسألة مفاوضات المكتب التنفيذي للجمعية مع وزارة العدل في خصوص الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والوثيقة التي تضمنت نقاط التحاور باهتمام القضاة الذين أبدوا تمسكهم بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية والإدارية لهذه الهيئة وهي نقطة الخلاف بين الجمعية والوزارة. ومن جهة اخرى اعلنوا تنفيذ اضراب عام حضوري عن العمل مدته ثلاثة ايام بداية من يوم الاربعاء 13 جوان 2012عدا المسائل شديدة التأكد وذلك احتجاجا على تأخر المجلس الوطني التأسيسي في سن قانون الهيئة الوقتية التي ستشرف على القضاء العدلي وتواصل عمل القضاة في غياب ادنى ضمانات الاستقلالية. خليل لحفاوي أحمد الرحموني : «القضاء المستقل.. يخيف كل السياسيين» إلى أي مدى تحرص السلطة التنفيذية على إرساء آليات الاستقلالية لسلطة موازية وهامة هي السلطة القضائية؟ سؤال يحرج صنّاع القرار من السياسيين ويجعلهم أمام خيارين أحلاهما مرّ.. لكن ما رأي رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء ورئيس جمعية القضاة سابقا أحمد الرحموني؟ والذي استهلّ حديثه بتقييم أداء سلطة الأشراف قائلا: «بالنسبة لهذه الوزارة ودون تشخيص كنّا ننتظر أكثر مما تحقق فكل الملفات فتحت لكن إلى الآن لم يغلق أي ملف في رأيي، ممكن المدة تكون كافية للحكم على الانجازات لكن غير كافية للحكم على التوجهات والاستراتيجيات لإصلاح القضاء وتنفيذ وعود المجلس التأسيسي بالعمل على استقلالية السلطة القضائية.. أبواب عطلة قضائية والوزارة لم تبت بعد في أزمة الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي باعتبارها مسؤولة في جانب عدم تشجعيها على إقرار الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بالصيغة التي يرتضيها القضاة.. فالحركة القضائية على الأبواب ولكن لا ندري كيف سنعالج هذا الفراغ بعد تعطيل عمل المجلس الأعلى للقضاء وكذلك أمام رفض مقترح الحكومة ومشروعها لهيئة القضاء العدلي. المجلس التأسيسي أخلف وعده.. تبدو مسؤولية المجلس التأسيسي في ضمان استقلالية المرفق العدلي مسؤولية تاريخية، وفي هذا السياق يقول أحمد الرحموني «استقلال المرفق القضائي مازال حاضرا في الشارع التونسي أكثر مما هو حاضرا في ذهن المجلس التأسيسي أو ضمن خيارات وتوجهات الحكومة.. فالمجلس التأسيسي وعد بإنشاء هياكل تضمن هذه الاستقلالية لكنه لم يفِ بوعوده ولم يضع إلى اليوم تصوّرات للاصلاح أو للاستقلالية.. وإذا كنّا سنحسن الظن بالمجلس سنقول أن ضيق الوقت والضغوطات الكبيرة التي يشهدها هذا المجلس لصياغة القوانين المنظمة للحياة العامة كصياغة الدستور وغيرها من المهام العاجلة يقف وراء البطء الذي نعيشه لسنّ القوانين المنظمة لهذه الاستقلالية.. لكن لا يجب أن نغفل أمرا هاما وهو أن القضاء المستقل يخيف السياسيين لكن رغم ذلك ولضمان مناخ ديمقراطية سليم، وسلط غير مستبدّة يجب الحرص وكل الحرص على ضمان استقلالية القضاء..» أحمد الصواب (رئيس سابق لاتحاد القضاة الإداريين): الوزير وديوانه لم يلتزما الحياد.. كغيرهم من القضاة العدليين، فان للقضاة الإداريين مشاكلهم المهنية والتقنية والتي يتطلعون لحسمها مع وزارة الإشراف.. اتصلنا بالقاضي أحمد الصواب، رئيس سابق لاتحاد القضاة الإداريين الذي كانت له وجهة نظر سنسوقها فيما يلي حول أداء وزارة العدل وعلاقتها بالمحكمة الادارية.. في مستهل حديثه معنا يقول أحمد الصواب «إن كنت لا أشكّك في حسن النية والكفاءة لكن على ما يبدو فان الخبرة تعوزهم، بالإضافة إلى أن الوزارة فتحت كل الملفات على أهميتها وتشعّبها صبرة واحدة ولم تجدول الملفات حسب الأولويات ومدى استعجالية الملفات المطروحة.. ورغم أن فتح الملفات على هذه الشاكلة ينمّ عن الطموح غير أن الطموح لوحده لا يكفي لتحقيق الأهداف.. فقانون الهيئة العليا أعتبره شخصيا كارثة على القضاة، فالأعضاء غير القضاة بهيئة القضاء أكثر من القضاة.. وبالنسبة لقرار الإعفاء الخاطئ فلم تجن منه الوزارة إلا تقارب الجمعية مع النقابة، كما وأنها أحرجت وزارة العدل ودفعت بها إلى ضرورة مراجعة قرارها وعموما فان أي سلطة سياسية ترغب وتعمل على توظيف القضاء سياسيا بما في ذلك حركة النهضة.. وما يعاب حقيقة على وزارة العدل أو وزير العدل وديوانه أنهما لم يلتزما بالحياد فيما يتعلّق بالأزمة الخانقة التي تمرّ بها المحكمة الإدارية في حين أن هذه المحكمة تقتضي إيجاد حل جذري لها بعد أن بات الوضع أكثر من متعفّن وأن لا يقتصر الأمر على مجاملة الرئيسة الأولى للمحكمة وحاشيتها».
محمد علي العمدوني (نقابة العدلية): كيف ننهض بالقضاء وهناك محاكم مازالت تعتمد على «الدكتيلو» وعملة الحظائر !؟ تمسّك أعوان العدلية منذ الثورة بمطالبهم الاجتماعية والاقتصادية واعتبر سلك كتبة المحاكم أنهم يعشون أوضاعا مزرية رغم دورهم الرئيسي والمحوري في عمل المرفق القضائي والعدلي..حول علاقتهم بسلطة الإشراف اتصلنا بمحمد علي العمدوني كاتب عام نقابة العدلية الذي وافانا بالتصريح التالي : «في اعتقادي أنه اليوم ولتكريس مبدأ العدالة الناجزة والنزيهة والمستقلة وإرساء مرفق عدلي يسدي خدمات قضائية يتطلّب أوّلا وبالأساس النهوض بالعنصر البشري ماديا ومعنويا ومنها خاصّة سلك كتبة المحاكم والذي يرتكز عليها العمل القضائي في غالبيته وهذا السلك يجب أن يحتاج لضمانات قانونية وحوافز مادية ليؤدي دوره على أكمل وجه وعموما إصلاح القضاء وتحقيق قضاء مستقل هو من أبرز استحقاقات الثورة ومطالب الشعب يحتاج إرادة فذّة وحقيقية فكل العائلة القضائية الموسعة ما زالت تنتظر إصلاحات جدية لاستقلال القضاء ومنها الخطوة المحورية في ذلك وهي فصل النيابة العمومية عن سلطة الإشراف دون المسّ بحقوق المتقاضين لكن كخطوة للاستقلالية والإصلاح كما أن صيانة المرفق القضائي ودعمه بشريا وماديا خطوة نحو الإصلاحات ناهيك وأن عددا من المحاكم مازالت تشتغل «بالدكتيلو» والعمل التقني في المحاكم خاصّة داخل تراب الجمهورية يقوم به عملة الحضائر في خرق للأعراف المهنية وحتى للقانون باعتبار أن الأعمال القضائية لا يقوم بها إلا كتبة المحاكم التي تتوفر فيهم شروط تقنية دقيقة.. حسين السعيدي (نقابة أعوان السجون والإصلاح) : عاقبتنا الوزارة لأننا لا نتفق معها في الأجندة !! توترت الأجواء في الأسابيع الماضية بين وزارة العدل ونقابة السجون والإصلاح، والتي اتهمت الوزارة بأنها استهدفت أعضاءها وافتكت مقرّ النقابة وقد كان بعض النقابيين عرضة للتأديب والتتبّع.. وفي اتصال جمعنا بالكاتب العام للنقابة حسين السعيدي أكّد أن النقابة اشتغلت على كشف بؤر الفساد وإرساء منظومة سجنية تستجيب للمعايير الدولية ولمنظومة حقوق الإنسان.. ويضيف «قد نكون بالغنا في طرح الملفات لغياب الخبرة ونقص الدربة لكن نقطة الاختلاف التي بيننا وبين الوزارة هو أن الوزارة تنظر في الأمور بمنطق سياسي وأكثر شمولية، لكن نحن نتحدّث بمنطق نقابي صرف.. ويضيف محدّثنا رغم الاعتراف القانوني بنا كنقابة إلا أنه تتمّ معاقبتنا بافتكاك المقر وإحالة بعض الأعضاء على التأديب والتتبّع، ربما لأنه ليس لدينا نفس الأجندة مع وزارة العدل».