ما حدث مؤخرا بالجامع الكبير بباجة يعتبر سابقة بكل المقاييس إذ تم منع الإمام الخطيب من اعتلاء المنبر ليخطب في الناس من قبل عدد من السلفيين من أبناء المدينة ما جعل عددا من المصلين يغادرون المسجد تحسبا لأي تطور في حين شارك الباقون في تهدئة الأجواء ومنع الاشتباك داخل المسجد قبل أن يصعد إمام الخمس حمدة المغراوي في حالة ارتباك شديدة ويعتذر للناس عما حصل ويجلس ثم يدعو في الناس ويصلي ركعتين لتتم صلاة الجمعة في ظروف استثنائية جدا . وللوقوف على جميع الملابسات المحيطة بالموضوع بحثت «الصباح» على الطرف المتسبب في هذه الحادثة من الشباب السلفي والتقت بعدد منهم لتخرجهم عن صمتهم وتستمع إلى وجهة نظرهم في المسألة كما التقت أيضا إمام الجمعة حمادي الزوابي وبعض الشهود ومحمد البراهمي الواعظ الجهوي بباجة فكان التحقيق التالي: أحد الأساتذة الشبان من التيار السلفي قال «نحن نصلي في هذا المسجد ووجدنا أجدادنا يصلون فيه وبعد الثورة تم عزل الإمام السابق وصعد الإمام الحالي وسكت عنه الناس باعتباره أستاذنا وتتلمذنا على يده لكن أخطاءه تعددت وما زاد من حدة التوتر أنه صار يستنجد بجماعة النهضة ويخطب خطبا سياسية لا تمت للدين بصلة بل كانت ذات منحى سياسي وبالرغم من أنه أستاذنا جميعا فقد كنا نساعده في كتابة الخطب ونبدي رأينا فيها وخصوصا في بداية عهده بالإمامة إلا أنه سرعان ما التحق بالتيار النهضوي وحين طالبناه بالتنحي ورفعنا عريضة للسلط والتقينا المعتمد الأول والواعظ الجهوي امتثل في الأسبوع الفارط وتولى الواعظ الجهوي خطبة الجمعة بدلا عنه يوم 18 ماي الماضي وتواعدنا جميعا على أن يرجئ عودته إلى المنبر حتى تهدأ النفوس تجنبا للفتنة في المدينة لكنه أصر على العودة وتوعد بالتصعيد إن نحن منعناه وفعلا أحضر مجموعة من الغرباء عن المسجد وجنّدهم للتصدي لأيّة مبادرة منا وحين تقدم من المنبر وقفنا أمامه ودعوناه للتنحي دون أن يصدر منا أي عنف لفظي أو جسدي وطلبنا من إمام الخمس أن يخطب في الناس ويصلي بهم فكان ما كان ونحن مصرون على أن يظل المسجد مكانا للدعوة والدعوة فقط، كما نصرّ على حقنا في التواصل مع الناس وتبليغ أصواتنا لدفع الصورة المفزعة التي يساهم في ترويجها الجميع ضدنا فنحن أهل دعوة لا غير». أما سليم وهو المؤطر العام للجماعة فيقول «المنهج السلفي عندنا واحد والسلفية الجهادية والدعوية والعلمية من منظورنا مصطلحات باطلة وخاصة السلفية الجهادية لأنها تعتمد على العنف والتكفير ونحن بكل بساطة نريد أن نتقيد بالكتاب والسنة اقتداء بالسلف الصالح». كما بين محدثنا أن السلفية في باجة هي في خلاف جوهري مع ما يدعى السلفية الجهادية التكفيرية ونحن نرفض العنف ولا يجوز لنا تكفير الناس. أما أصل الخلاف بيننا وبين إمام الجمعة السيد حمادي الزوابي فيعود إلى ثلاثة أسابيع خلت حين «جرّح» في بعض العلماء ممن قدحوا في سيرة يوسف القرضاوي وشبهوه بالكلب العاوي وحين حاججناه بعد نزوله من المنبر أنكر ذلك وسبّ العلماء فاحتكمنا إلى لجنة المسجد وطلبنا منها إرجاعه إلى الجادة خصوصا ونحن الذين ساندناه منذ سنة ونصف حين صعد إلى المنبر بعد الثورة ثم رفعنا الأمر إلى السلط الجهوية واقترحنا أن يكون واحد منا إماما على أن نحكّم الناس في ذلك أو أن نتداول على المنبر معه حتى يصلح من أمره ويعود إلى الجادة، ثم أشرنا إلى أن الرجل حاد عن الطريق وصار يدعو لسياسة النهضة أكثر مما يدعو لدين الله وأن عددا من المصلين صاروا يكرهون الصلاة خلفه محذرين من إمكانية حدوث فتنة إذا ما أصر على إمامة الناس لكنه ظل يطعن في الناس ويثير جدلا ويستقوي بحركة النهضة كما ظلّت السلط الجهوية لا تتّخذ القرار الحاسم خصوصا والرجل يعمل بدون قرار من وزارة الشؤون الدينية وفي آخر لقاء بمكتب المعتمد الأول حذرناه من خطورة إصراره على مواصلة هذا المسلك فتوعدنا بأن يحضر من العباد ما يقدر على هزمنا به ثم إنه حضر يوم الجمعة متحديا بمعية عدد من الغرباء عن المسجد لكننا منعناه وطلبنا مقابلة الوزير لبسط مقترحاتنا عليه». رواية الإمام حمادي الزوابي إمام للجامع الكبير بباجة يقول: «منطلق الخلاف كان قبل 3 أسابيع من الواقعة حين خطبت في الناس وكان موضوع الخطبة فضل العلماء وأكدت على عدم سبّ أو شتم العلماء وكان السلفيون قد مرروا قبلها وثيقة بين الناس «تجرّح» يوسف القرضاوي حيث شبهوه فيها بالكلب العاوي كما سبق أن تعرضوا بالتجريح إلى الإمام مالك بقولهم الإمام الهالك ومن هذا المنطلق دعوت في خطبتي إلى عدم التعصب لأي مذهب أو أي عالم لأن لكل جماعة مذهب ولكل عالم أنصاره وإذا دخلنا لمناصرة أحد على حساب الآخر فإننا سندخل إلى الانشقاق وسنعود إلى تاريخ قد يفرق بيننا أكثر مما يجمع وذكرت بما وقع بين السنة والشيعة وفي بعض المساجد في العهد الأموي إذ صار المسجد الواحد يجمع أربع أو خمس جماعات في الصلاة الواحدة والإسلام براء من هذه الانشقاقات.. وبعدما فرغت من خطبتي اتصل بي أحدهم الملقب بالوزير وقال لي لقد كفرت في خطبتك اليوم حين ذكرت كذا وكذا.. وتطور النقاش إلى أن وصل إلى القرضاوي فقال إن شيخنا يقول فيه الكلب العاوي يوسف القرضاوي لكثرة افتاءاته الخاطئة وتقلباته المشبوهة فكذبته وذكرته بأنه ليس من أخلاق المسلم أن يسب عالما وبينت له أنه غير مؤهل للحكم على العلماء وذهب في اعتقاده أنني أذمّ جماعته من الشيوخ اليمنيين والسعوديين الذين يتبعهم وجماعته وأعلمني بأنهم هم الفرقة الناجية وهم على هدى ونحن على ضلال». وبخصوص انحياز الإمام للنهضة يقول السيد حمادي إنه دعا فعلا في بعض خطبه إلى وقفات ضدّ الذين تكلموا في الدين الإسلامي مثل الطالبي كما دعا لمناصرة القضية الفلسطينية ولم يدع لغير ذلك على المنبر بل ساهم بقسط كبير في حل الكثير من المشاكل بالمدينة ودعا إلى الالتفاف حول مصالح المدينة وتجنب الفرقة والانشقاق ونجح في ذلك بقسط كبير، وعن التعاون بينه وبين السلفيين يذكر أنهم ساندوه في اعتلاء المنبر كبقية المصلين وأنهم كانوا يبدون رأيهم في بعض المواضيع ويقترحون البعض الآخر وقد سايرهم على مدى أربع خطب تناول خلالها قضية التوحيد لكنهم كانوا يصرون على أن يكون موضوع الخطبة كلها دعويا في التوحيد والعبادات لا غير وقد ساهم تنحيه عن المنبر في إخماد فتيل الاقتتال والفتنة بالمدينة وصعد الواعظ الديني بدلا منه وذلك باتفاق الجميع لكن السلفيين عادوا ليقترحوا مبدأ التداول على المنبر بالمناصفة لكن الإمام رفض ذلك واعتبر نفسه إماما بحكم الواقع مع أنه لا يحوز على قرار في ذلك وعن رفض الناس الصلاة خلفه يقول الإمام نفسه إن أقلية يرفضون ذلك ومن ضمنهم السلفيون الذين يرفضون أن يتعرض منهجهم لأي نقد . الواعظ الجهوي بباجة يوضح محمد البراهمي الواعظ الجهوي بباجة صرّح بأن أحد الشباب من السلفيين طلب أن يناوب على الصعود على المنبر مع الإمام الحالي وقد بين له الواعظ أن الإمامة تتطلب شهادة علمية جامعية وهو لا يملكها عندها طلب منه الشاب أن يطفئ نار التوتر ويصعد على المنبر حتى تهدأ النفوس ثم يعود الإمام وفعلا خطب الواعظ في الناس ولكن السلفيين عادوا بعدها وطلبوا تأجيل عودة الإمام فرفض هذا الأخير وحدث ما حدث داخل المسجد لكن الحمد لله أنه لم تحصل صدامات، لذلك وبالاتصال بالوزارة طلب منها مدّ الإمام بالقرار القانوني ليواصل عمله بصفة جلية وقد صدر القرار فعلا يوم 29 ماي الماضي يكلف الإمام المذكور بتولي الخطابة بالجامع الكبير بداية من غرة جوان 2012 إلا أن الأطراف المعترضة وبالتنسيق مع لجنة صيانة المجلس وأطراف من حزب النهضة رأت أن تؤجل ذلك تجنبا لما سمّوه بالفتنة كما لم تنفذ الجهات المعنية هذا القرار بتعلة تجنب الاصطدامات. في المقابل تمسك الإمام بحقه في ممارسة مهمته مع عزمه على رفع قضية ضدّ السلفيين الذين منعوه من ممارسة مهمته ليبقى الجوّ مشحونا في انتظار ما ستأتي به الأيام القادمة.