رفض مسألة دسترة الفنون على اعتبار أنها تحنيط للفنان وبتر للإبداع والدعوة إلى ترك مهمة إصلاح قطاع الفنون التشكيلية وغيره من الميادين الفنية إلى أهل القطاع دون سواهم وعدم تسييس الفنون أو التلاعب بالشعب باسم المقدس وغيرها شكلت أبرز مطالب ومواقف المشاركين في المائدة المستديرة التي نظمها اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين صباح أمس بالمكتبة الوطنية بالعاصمة بعنوان «حول «شرعية الناقد في الفنون التشكيلية». تعدّ هذه المناسبة بادرة عمليّة من اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين ومحاولة من أسرته الموسعة لتطويق الأزمة التي عاشها مؤخرا قطاع الفنون التشكيلية بشكل خاص والميدان الثقافي والفني في بلادنا بشكل عام. وشارك في طرح عديد القضايا المتفرعة عنها فنانون ومبدعون ونقاد وغيرهم من أهل الفكر والثقافة والفنون في بلادنا. وتأتي هذه البادرة مثلما أفاد بذلك منجي معتوق رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بمثابة استجابة فعلية وجدية من الاتحاد على خلفية ما عرف بحادثة العبدلية وما نجم عنها من تداعيات سياسية واجتماعية خلفت أضرارا مادية ومعنوية في عديد الجهات من البلاد التونسية وصلت إلى حد سقوط ضحايا بشرية ببعض المناطق بسبب ما زعم وروج له البعض من أن معرض «ربيع الفنون» بالمرسى في دورته السنوية الأخيرة التي احتضنها فضاء العبدلية بالمدينة تضمن أعمالا فنية فيها إساءة للمقدسات. كما اعتبر رئيس الاتحاد هذه المناسبة دعوة صريحة لأهل القطاع للجلوس والحوار من أجل التباحث حول سبل تنظيمه بقطع النظر عن الاختلافات وبعيدا عن أي توجه أو غطاء سياسي أو من منطلق دائرة المصلحة الضيقة على اعتبار أن الفنان والمثقف هو المعني بدرجة أولى بمسؤولية إصلاح البلاد وتأسيس منظومة الدولة الحديثة وقيادة الشعوب وإنارة أذهانها وتوجيه أفكارها نحو الأفضل إثر الثورات أكثر من أي طرف آخر. الإفتاء» في مجال الفنون لذلك اعتبر الفنان عبد العزيز كريد الذي ترأس المائدة أن الخوض في مشروعية الناقد تتطلب بالضرورة التطرق إلى مسائل أساسية من قبيل التأويل والنقد والممارسة الفنية لأنها آليات الفنان التي لا يتقنها إلا الفنانين وخاصة الأكاديميين منهم. كما شدد على هذا العنصر عفيف البوني الباحث في تاريخ الأفكار في مداخلته خلال نفس المناسبة. إذ اعتبر أن الشرعية هي بالضرورة وليدة الانتاج الانشائي المتواصل لأهل الاختصاص في مجالات فكرية وثقافية وعلمية واقتصادية وغيرها. وأكد أنه يميل إلى الشق الداعي إلى ضرورة ترك أمر إصلاح أي ميدان إلى أهل الاختصاص دون سواهم. من جهة أخرى انتقد عفيف البوني ما ذهب إليه البعض خاصة في المجلس الوطني التأسيسي أو في أوساط حزبية ضيقة إلى التجريم تحت تسمية المس بالمقدسات في المجالات الفنية واعتبر في ذلك خطورة كبيرة على الفنون والفاعلين فيها على حد السواء. ونفى ان يكون لرجل الدين أو السياسة أية علاقة بالنقد الفني وبالتالي بالتأويلات والقراءات الصائبة حيث قال: «ليس من مشمولات أيّ كان أن يدلي بفتواه في الفنون أو أن يحدد قيمها لأن الفنانين والعلماء هم وحدهم من يصنعون الثورات ويبنون الدول». من جهة أخرى دعا الباحث التونسي إلى إيجاد مبادرات في إطار تجسيد هذا المنحى مقترحا تنظيم يوم وطني للفنون بمتحف قرطاج يشارك في تنظيمه الفنانون من مختلف القطاعات والمجالات الابداعية يكون تحت اسم «يوم للثورة يوم للحرية» يكون إما بسعر رمزي تخصص مداخيله لعلاج أو مساعدة جرحى الثورة الذين عجزت الدولة على ايجاد حلول لأغلبهم. كما دعا أهل الفنون إلى الاتفاق حول مشروع فني شامل وضخم يقدم للشعب حتى لا يكون هذا الأخير محل تضليل وتلاعب أهل الساسة تحت دواع إيديولوجية مجانبة في أغلبها للصواب. رفض تحنيط الفنون فيما دعا الأكاديمي والفنان التشكيلي سامي بن عامر الجميع إلى ضرورة رفض أي عملية لدسترة الفنون أو ربطها بما هو ديني سياسي لأنه يرى أن أهل القطاع مدعوون للالتزام بأخلاقيات المهنة والمجال الابداعي في كنف الحرفية. كما علل رفضه لما يدعو إليه عدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بوضع قانون للفنون خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالمقدسات بأن في ذلك تحنيط للفنون وفخ لا يمكن أن يخرج منه الفنانون بسهولة. وبين سامي بن عامر من ناحية أخرى أن القضية المفتعلة والتأويل المبيّت لمعرض قصر العبدلية الأخير خضع لتداخلات سياسية داخلية وخارجية كان الفنان التونسي الخاسر الأكبر فيها في ظل غياب دعم وزارة الثقافة. فيما حمل الفنان ثامر معتوق الأكاديميين والفنانين التونسيين مسؤولية الوضع المتردي الذي يعيشه القطاع وعدم التوصل إلى حلول عملية تنظيمية من شأنها أن ترتقي بمستوى الفنان وإبداعه على مستويين وطني ودولي. ودعا من جهة أخرى الاتحاد إلى ضرورة استعادة مكانته في الدفاع عن أهل القطاع وتنظيمه بما في ذلك ما يتعلق بالقرارات النقدية والتأويلات وتنظيم الممارسة الفنية والمعارض والسوق وغيرها. فثامر معتوق يعتبر الفنّان التشكيلي أقوى من أي جهة في إلمامه بواقع مجتمعه وقضاياه الفكرية والثقافية وغيرها وحثهم على عدم الاكتفاء بمطلبية حرية الرأي والتعبير بل إلى المطالبة بضرورة فرض اللمسة الفنية التونسية في مختلف مشاريع الدولة. من جهته عبر معز سفطة عن رفضه لمسألة تسييس الفنون والتحكم في ذائقة الرأي العام من خلال توظيف الشعب والتلاعب به من قبل أهل السياسة من أجل خدمة أجندات سياسية كثيرا ما تغيب فيها مصلحة المواطن والوطن مثلما بين ذلك الفنان التونسي.