يزداد إقبال معظم التونسيين خلال فصل الصيف على الحلويات وتحديدا على «الحلو العربي» الحاضر في كلّ الأفراح والمناسبات، ونظرا إلى الأيام القليلة التي تفصلنا عن شهر رمضان الذي يسجّل أعلى نسبة استهلاك حلويات مقارنة ببقية أشهر السنة، ارتأت «الصباح الأسبوعي» الخروج في جولة مراقبة مع فريق إدارة حفظ الصحة والمحيط التابعة لوزارة الصحة لرصد مدى مطابقة محلات الحلويات للشروط الصحية. وجهتنا كانت نحو أحد أرقى مصانع الحلو العربي بولاية أريانة والمعروف كذلك في بعض الدول الأجنبية، فمنتوج هذا المصنع يعرض للبيع في المطارات ويعتبر من أفضل الهدايا التي يقدّمها السوّاح لأقاربهم عند الوصول إلى مسقط رأسهم. وبمجرّد دخولنا قاعة استقبال هذا المصنع رفقة فريق المراقبة، استقبلنا العون بحفاوة وابتسامة تعلو محياه والتي إن دلت على شيء فهي تدلّ على تأكده من استجابة المصنع للشروط الصحيّة. وبدخولنا مكان صنع الحلو العربي، وجدنا نسوة منكبات على صنع «كعك الورقة»، وقد احترمت هذه النسوة شروط العمل الصحيّة فكلّ واحدة منهنّ ترتدي ميدعة بيضاء وتضع غطاء أبيض على شعرها. وبتجوّلنا، لاحظنا وجود قدر من الزبدة التي تذوب على نار هادئة وهو ما يعتبر أمرا عاديا لكنّ الأمر غير العادي هو وجود كيس بلاستيكي وسط القدر تقوم صانعة المرطبات بإخراجه بيديها العاريتين وعصره بين الفينة والأخرى. وانطلاقا من ملاحظة ممثل وزارة الصحة، تبين أنها ليست المرة الأولى التي تتبع فيها صانعة المرطبات ذلك التمشي خلال ذوبان الزبدة، حيث خاطبتها المراقبة، قائلة: «لقد أوصيتك خلال آخر زيارة مراقبة بأن لا تضعي كيس البلاستيك في قدر الزبدة، ولكن أراك تكرّرين نفس الصنيع». غياب الشروط الصحية صحيح أنّ المناخ العام للمحلّ يوحي لك بأنه يستجيب للشروط الصحية خاصة إذا ما قارناه ببقية المصانع أو محلات صنع المرطبات المتواضعة، لكن ما إن تمعن النظر حتى تلاحظ وجود بعض التجاوزات فبعد أن غادرنا غرفة صنع المرطبات نحو المخزن، لاحظنا تنظيما محكما للسلع واستجابة واضحة لشروط الخزن الصحية، وهو ما ثمنه فريق المراقبة الذي سرعان ما استدرك لوجود فواكه جافة وسط أكياس بلاستيكية سوداء. فقد اعتبر فريق المراقبة استعمال الأكياس البلاستيكية السوداء مخالف للشروط الصحية خاصة أنّ وزارة الصحة منعت منذ سنوات استعمال هذه الأكياس نظرا إلى خطورتها وزيادتها من فرص الإصابة بمرض السرطان، كما أنّ ارتفاع درجة الحرارة بغرفة الخزن التي لا تحتوي مكيفا هوائيا من شأنها أن تتسبّب في فساد الفواكه والمنتوجات بالإضافة إلى إمكانية تسرب مواد خطرة من الأكياس البلاستيكية نحو الفواكه. وردا على ملاحظة فريق المراقبة، قال صاحب المحل: «أنتم على حق وأنا مدرك لهذه المخالفة، ولكن الفواكه التي ترونها موجودة في الأكياس البلاستيكية السوداء جلبناها مساء أمس ولم نفرغها بعد». صحيح أنّ صاحب المحل برّر سبب وجود الفواكه في أكياس بلاستيكية لكن من يؤكّد صحة قوله؟ مخالفات دون إنذارات وبعد جولة في المخزن ومكان صنع المرطبات، انتقلنا إلى محلّ صنع المأكولات المالحة (Salé) حيث وجدنا أمام الباب عددا هائلا من الذباب وهو ما لم ينل رضى فريق المراقبة نظرا إلى إمكانية امتزاجه مع الحلويات أو المأكولات خلال عملية الصنع أو كذلك إمكانية انتشاره على العجين. وأمام تنديد فريق المراقبة بالانتشار غير العادي للذباب، صرح صاحب المحلّ بأنه يسعى إلى فعل ما بوسعه للتخلص من ذلك الذباب بمفرده في ظلّ غياب تام لدور البلدية التي لا تقوم بعملها، وهو ما دفع فريق المراقبة إلى مطالبته بوجوب إيجاد حلّ للتخلص من ذلك الذباب، «فليس من المنطقي والصحي أن يتذوّق الذباب من المنتوج خاصة أنه يحط الرحال على الفضلات وعدّة مواد سامة، مما يجعله يمثل خطرا على صحّة المستهلك». والأمر الإيجابي في هذه الجولة أنّ صاحب المحلّ كان مقتنعا بجلّ ملاحظات فريق المراقبة الذي أكد استجابته وسعيه للامتثال لجميع الملاحظات. وبتجاوزنا باب محلّ صنع المأكولات المالحة نحو الداخل، وجدنا بعض العملة الذين لا يرتدون قفازات طبخ، في حين لم يستجب جميعهم لأحد الشروط الصحية المتمثل في تغطية الرأس برداء أبيض مما دفع فريق المراقبة إلى توجيه ملاحظات حول هذا الموضوع. والمثير للاشمئزاز في هذا المحلّ الضيق هو الأوساخ الموجودة على الجدران الناتجة عن استعمال مكثف للدهون، وحول هذه الملاحظة طالب فريق المراقبة صاحب المحلّ بوجوب غسل الجدران من فترة إلى أخرى. هي ملاحظات عديدة وجهها فريق المراقبة إلى صاحب أفضل محلات صنع الحلويات في كامل تراب الجمهورية والذي أبدى استعدادا واضحا في الاستجابة إلى تلك الملاحظات التي لم يدونها فريق المراقبة في ورقة تقدم بصفة رسمية إلى صاحب المحل لتكون بذلك حجة رسمية عليه في صورة تبين عدم استجابته لتلك الملاحظات خلال جولة مراقبة أخرى. وحول عدم تقديم إنذار في الغرض لصاحب المحل، قال أحد المسؤولين بإدارة حفظ الصحة والمحيط ل»الصباح الأسبوعي»: «تجنبا للمشاكل أصبحنا نسعى بعد الثورة إلى تقديم ملاحظات بصفة شفوية محاولين تحسيس المعني بالأمر بمدى مخالفته للشروط الصحية، فاعتماد اللين أصبح اليوم الحلّ الأفضل مع البعض لكنّ ذلك لا يعني أننا لا نقدّم إنذارات أو نرفع طلبا لغلق المحل». وعلمت «الصباح الأسبوعي» أنّ وزارة الصحة قامت بزيارة 3958 محلّ صنع مرطبات وحلويات لم تقدّم خلالها سوى 183 إنذارا كتابيا. مجهودات فرق المراقبة لا يمكننا نفيها لأنها تمثل العين الساهرة على صحة المواطن وعلى صحّتها بالأساس، ولضمان ذلك يجدر تطبيق القانون على الجميع دون استثناء ودون اعتماد لمبدإ العاطفة. وتبقى ثقة العديد من التونسيين قائمة في فرق المراقبة الصحية، وما دمنا وجدنا هذه التجاوزات في أحد أرقى وأفضل مصانع صنع الحلويات في تونس، فأيّ التجاوزات التي يمكن أن نجدها في المحلات الموجودة في الأحياء الشعبية.