يشهد الأرشيف منذ القدم اهتماما كبيرا في جلّ المجتمعات سواء تعلق الأمر بأرشيف عامّ أو أرشيف خاصّ ونظرا لأهمّيته فقد عمدت الكثير من الدول إلى تطوير أرشيفها وذلك بالبحث عن الآليات والأدوات الأكثر نجاعة لحفظ الوثائق وجعلها المرجع الأحسن والأجدى عند الحاجة والضرورة. وقد تابعت الدولة التونسية مسار التطوّر في مجال الأرشيف و يذكر في هذا السياق إحداث مؤسسة الأرشيف الوطني؛ هذا الفضاء الذي يعتبر أحسن موضع لخزن الوثائق الممثّلة لأرشيف الدولة؛ بيد انّه وإن كان هذا السعي محمودا لجهة الاهتمام بالأرشيف و البحث عن سبل تطويره فإنّ الأرشيف لا يزال يشهد نقائص في مستوى التنظيم و الهيكلة خاصّة مع انبثاق وتولّد الأزمات . الأرشيف وضرورة ترشيد آليات الحفظ إنّ الحديث عن الأرشيف يجرّنا إلى البحث في كلّ وثيقة تهمّ الماضي سواء تعلّق الأمر بالفرد أو المجموعة فهي توثيق أو بالأحرى خزن للماضي على ورق. وفي كلمة هو تاريخ لحياة الأفراد وكذلك للجماعات في فترة ما . إنّها مهمّة الأرشيف لكن يلاحظ أنّ هذا الأرشيف يشهد معضلة على مستوى الحفظ ذلك انّه في استقرائنا لبعض النصوص القانونية المتعلقة بالأرشيف يتبيّن أنّ مدة الحفظ للوثائق لا يتجاوز مدة عشرة سنوات وبانقضاء هذه المدة يقع إعدام كلّ هذه الوثائق دون مراعاة لعدّة وضعيات كالمتعلّقة بالأشخاص الجاهلين بحقوقهم أي الذين ينتبهون بعد فترة ما إلى أنهم أصحاب حقّ فيتّخذون الإجراءات اللازمة لاسترجاع حقوقهم ليصطدموا بأنّ حقّهم ضاع وتلاشى وانتهى أمره بمفعول إعدام الأرشيف الذي جاء كنتيجة لانقضاء المدة المحدّدة قانونيا . إنّ الأمر يبدو في غاية من الخطورة خاصّة مع عرض وضعيات أخرى كتلك المتعلّقة بالأزمات أو بما يسمّى بالأمر الطارئ وهو الحادث الذي لم يتوقّع حصوله في صورة الحال يكون مآل الأرشيف التلاشي والاضمحلال لذا لا بدّ من التفكير في سبل ترشيد آليات الحفظ لمجابهة مثل هذه الوضعيات ك الاستئناس بالقوانين والتشريعات الأجنبيّة كالقانون البلجيكي الذي وضع آليات لتنظيم الأرشيف بمقتضى القانون المؤرّخ في 24 جوان 1955والذي جاء في فصله الأوّل أنّ كلّ الوثائق المحفوظة في محاكم مجلس الدولة والمؤسسات العمومية والتي مضى على حفظها مدّة ثلاثين سنة يقع تحويلها إلى الأرشيف الوطني البلجيكي؛ كما جاء في الفصل الثاني من القانون المذكور أنّ الأرشيف الذي يهمّ الذوات الخاصّة وكذلك الشركات وجمعيات القانون الخاصّ يمكن تحويله أيضا إلى الأرشيف الوطني بطلب من المعنيين بالأمر؛ كما ورد في نفس القانون أنّ كلّ هذه الوثائق الممثّلة للأرشيف لا يمكن اعتمادها إلاّ بموافقة السلطات المعنيّة أو الذّوات الخاصّة أو الشركات وكذلك التي تنتمي إلى القانون الخاصّ. هكذا يتبيّن من خلال القراءة لهذا القانون الضمانات التي وفّرها القانون في مستوى حفظ الوثائق سواء تعلّق الأمر بالذوات المعنوية أو بالذوات الخاصّة وهذا ما يدعونا إلى وجوب إعادة النظر في وضع الأرشيف في بلادنا والبحث في الضمانات مثلما فعل القانون البلجيكي وذلك بوضع منظومة محكمة يصبح من خلالها الأرشيف موضع توثيق بامتياز للذوات المعنويّة وكذلك الخاصّة. بقلم: الأستاذة إكرام الميعادي*