سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الوثائق العمومية في خطر ولا نملك مخطط طوارئ لحمايتها اثناء الكوارث السيدة مريم الهويدي المختصة في التصرف في الوثائق الإدارية والأرشيف:
إثارة دعوى عمومية حول الانتهاكات التي طالت الوثائق الإدارية
منذ 14 جانفي 2011 وعلى غرار القطاعات التي شهدت فوضى وعدم وضوح في التسيير فضلا عن ارتجالية في القرارات والاجراءات عرف قطاع التصرف في الوثائق الادارية والارشيف بعض الفلتان الملحوظ الذي جعل الوثائق العمومية موزعة بين أيدي الافراد والهياكل وتستعمل استعمالا لا يراعي أبسط قواعد المسك والحفظ لأنها تجرى بعيدا عن خبرة المختصين، والأرشيف بما هو ذاكرة وطن كان من المفروض ان يحظى بأعلى درجات الرعاية التي تضمن من خلالها حقوق الافراد والمجموعات وتحفظ من خلالها السيادة الوطنية. ولمزيد فهم الدور الحيوي للمشتغلين بالارشيف الاداري في هذه الفترة وسبل حمايته كان هذا اللقاء مع الاستاذة مريم الهويدي المتصرف المستشار في التصرف في الوثائق الادارية والارشيف وعضو الجمعية التونسية للمتصرفين في الارشيف. ❊ ما هو الأرشيف وماذا يحدث له بعد 14 جانفي 2011؟ الارشيف العام حسب القانون عدد 95 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988 المتعلق بالأرشيف هو جميع الوثائق التي تنتجها او تحصل عليها: الدولة والجماعات العمومية والمحلية. المؤسسات العمومية بجميع اصنافها. الهيئات الخاصة المكلفة بتسيير مرفق عام. المؤجّرون العموميون. وهذا مهما كان تاريخها ووعاؤها وشكلها (الكتروني، رقمي أو ورقي... صورة، مخطط، رسم بياني). أما الارشيف الخاص فهو الوثائق المنتجة من قبل اي جهة لم تذكر أعلاه مثل الاحزاب، الجمعيات، الشخصيات الأدبية... هذا مع الاشارة الى ان قانون الارشيف لم يستثن وثائق رئاسة الجمهورية ولا غيرها من الجهات الاخرى وعليه فكل هذه الوثائق هي أرشيف عام وملك للدولة لا يمكن التفويت فيها ولا سقوط الحق فيها بموجب التقادم، إذن هي وثائق عمومية تدرج ضمن البرنامج الوطني للتصرف في الوثائق العمومية. ولهذا فإن ما اقترف في حق الوثائق التي تمّ حرقها وتمزيقها ورفعها واتلافها خلافا للصيغ القانونية يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون وكان من باب أولى وأحرى على مؤسسة الارشيف الوطني كونها المؤسسة العمومية التي تشرف علي حسن تطبيق اجراءات التصرف في الوثائق والارشيف بجميع المرافق ان تحرّك دعوى عمومية في هذا الاتجاه على غرار ما حدث من عمليات إتلاف لوثائق الوكالة التونسية للاتصال الخارجي وأرشيف الرئاسة الذي استغل مؤخرا لانتاج وتقديم حصة تلفزية تم خلالها الكشف عن تورط الرئيس المخلوع في جرائم عدّة منها تواطؤه مع الموساد مثلا، هذا وتجدر الاشارة الى اننا كمتصرفين في الوثائق الادارية والارشيف لسنا ضد الكشف عن الحقائق ومعاقبة الفاسدين بل نطالب ان يكون كل ذلك في اطار احترام الاجراءات القانونية للتصرف في هذه الوثائق التي تخضع الى شروط وآجال اطلاع محددة الى جانب ضرورة التصرف فيها ومعالجتها من قبل المختصين دون غيرهم هؤلاء الذين من واجبهم اعدادها لتكون متاحة بشكل قانوني للعموم وهذا دون استثناءات حتى لأهل الاعلام الذين رأينا أنهم قد اطلعوا على وثائق رئاسة الجمهورية مثلا في خرق واضح للقانون لذلك تعمل الجمعية التونسية للمتصرفين في الارشيف على اثارة دعوى عمومية حول الانتهاكات التي حصلت خلال هذه الحصة. ❊ ألا ترين أن مثل هذا القانون الذي يمنع الإعلاميين والإعلاميات من الاطلاع على وثائق قد تنير بعض الحقائق للرأي العام قانون لا يخدم حرية الاعلام؟ بالنظر الى طول فترة حفظ الوثائق لدى الجهات المنشئة قد تصل الى عقود.كلامك صحيح ،ولكن هناك أولويات في توزيع الادوار اذ يسبق دورالمختص في الوثائق والارشيف دور الاعلامي لمعالجة هذه الوثائق واعدادها حتى تكون جاهزة للاطلاع من قبل العموم وفقا للقانون، اضافة الى ضرورة احترام قواعد حفظ الوثائق التي تقتضي إبقاء هذه الوثائق لدى الجهات المنتجة لمدة معينة تُراعَى فيها جميع النصوص القانونية المتعلقة بتلك الوثائق (حماية المعطيات الشخصية، حق التقادم، اجراءات التقاضي وآجال الطعن...). ❊ يكتسي دوركم باعتباركم مختصين في الأرشيف في هذه المرحلة أهمية كبرى فما هي خطتكم لمواجهة التحديات الطارئة؟ بالتأكيد دور الارشيف مهم باعتباره المؤهل قانونا للحفاظ على سلامة الوثائق الادارية في جميع مراحلها العمرية (الفترة النشطة والفترة شبه النشطة والمصير النهائي) ونحن نعرف انه لا يمكن الكشف عن الحقائق ولا اثبات إدانة المفسدين ولا براءة المتهمين الا بمقتضى وثائق اصلية من المفترض ان تكون منذ نشأتها تحت تصرف المختص والحال ان المختصين في هذه المرحلة وجدوا أنفسهم مكبلين امام ممارسة واجبهم القانوني اذ ان الوثائق الادارية النشطة (ما زالت في فترة الاستعمال الاداري اليومي) تبقى على ذمة الجهة المنتجة دون أدنى تدخل من قبل المختص وهو ما لا يستقيم مع التصرف العلمي في الوثائق ومع مبدأ الشفافية الادارية التي نصبو الى تحقيقها اثر الثورة. ❊ ما هي الآليات التي يمكن أن تحمي الوثائق في مثل هذه الظروف؟ من المؤسف جدا ان مؤسسة الأرشيف الوطني باعتبارها المسؤول الاول عن حماية الوثائق لا تمتلك مخطط طوارئ لحماية الوثائق اثناء الكوارث وخاصة منها الوثائق الحيوية التي يصعب اعادة إنتاجها وتكون أساسية لاثبات حقوق والتزامات الافراد والجماعات ولو كانت لدينا مثل هذه الخطة لتمكنت الفرق المختصة التدخل العاجل على مدار الساعة لحماية الوثائق العمومية من كل خطر يهدّدها. ❊ أمام غياب مثل هذه العناصر المهمة في النظام الوطني للتصرف في الوثائق العمومية والأرشيف، كيف يمكن أن تقيّم الوضع العام للأرشيف في تونس اليوم؟ في البداية تجدر الاشارة الى أننا خطونا خطى ثابتة في هذا القطاع منذ حوالي العقدين حيث تم سنّ ترسانة تشريعية مهمة لتنظيم القطاع وتكوين الاطارات المختصة وتشييد مبنى الأرشيف الوطني وفق المواصفات العالمية واحداث الهياكل المختصة على مستوى المؤسسات العمومية... مما جعل تونس تتبوأ مكانة مرموقة على المستوى الدولي في هذا القطاع جعلها تتفوق حتى على بلدان سبقتنا في الاهتمام بمجال التصرف في الوثائق والارشيف (فرنسا مثلا) وكان من المفروض ان تتحرك مؤسسة الارشيف الوطني بالسرعة الضرورية لحماية الوثائق العمومية خاصة أنها تمتلك جميع الآليات والوسائل القانونية والمادية الكفيلة بذلك، اذ كان من المفروض جلب وثائق كل الهياكل المنحلة في الدولة وحفظها في مخازنها المجهزة لهذا ووفق المواصفات ومعالجتها ثم اتاحتها للعموم خاصة للباحثين من اجل توثيق هذه الثورة بطريقة علمية تؤثث تاريخ تونس المعاصر، وفي صورة الحاجة الى هذه الوثائق وسيلةَ إثباتٍ امام القضاء يمكن لكل من له مصلحة في ذلك الحصول على نسخة مطابقة للأصل تتمتع بحجيّة الاصل في الاثبات القانوني وهو ما ينص عليه القانون عدد 95 المتعلق بالارشيف، بما يضمن الحفاظ على الحالة المادية لهذه الوثائق التي تمثل ذاكرة الوطن. لكن للأسف لاحظنا تقهقرا حيث خسرنا عناصر كثيرة كانت من المفروض ان تضيف الى هذا القطاع وتجعله يحتل المكانة التي يستحقها وهذا مثل المجلس الأعلى للأرشيف الذي لم ينعقد منذ سنة 2007 كما لم يصدر اي نص يلغيه اضافة الى اللجنة الوطنية للوثائق الالكترونية التي يترأسها المدير العام للأرشيف الوطني ولم تنعقد هي كذلك والمنظومة الوطنية للتصرف في الوثائق الادارية »نظام« التي اصبحت من أنظار المركز الوطني للاعلامية. ولكننا سنعمل باعتبارنا مختصين على استعادة الدور الحيوي لقطاعنا من اجل حماية ذاكرة الأجيال وضمان الحقوق الفردية والعامة ومن اجل الذود عن حرمة هذا الوطن.