صراعات سياسية متدثرة بغطاء سجال قانوني --- المؤسسة العسكرية تتظاهر بالحياد ولا تريد الظهور كطرف أثار قرار الرئيس المصري القاضي بإلغاء حكم حل البرلمان واجتماع هذا الأخير أمس رغم تأكيد المحكمة الدستورية العليا على إلزامية الأحكام الصادرة عنها لغطا كبيرا في الوسط السياسي المصري.
وللتعمق في خفايا وجوانب هذا الجدل السياسي كان لنا حوار مع مدير تحرير صحيفة "المصري اليوم" إيهاب الزلاقي حول طبيعة وتوقيت هذا القرار الرئاسي وتداعياته على الوضع الحالي، وهل هو جدل قانوني بحت أم صراع نفوذ سياسي بين الجيش من جهة و"الإخوان" المسلمين من جهة أخرى؟ وماهو موقف بقية القوى السياسية وممثلي المجتمع المدني حيال ذلك؟. حوار: محمد علي العوني ** اجتمع مجلس الشعب المصري أمس رغم قرار حله من المحكمة الدستورية العليا ورغم تأكيد هذه الأخيرة في بيانها الصادر أول أمس على إلزامية القرارات الصادرة عنها، ألا ترون أن ذلك يعد تحديا من "الإخوان" للمجلس العسكري؟ - أولا لا بد من الإشارة إلى أن الاجتماع الذي عقده أول أمس مجلس الشعب المصري جاء تنفيذا للقرار الصادر عن رئيس الجمهورية محمد مرسي والذي نص على إلغاء قرار حل البرلمان، علما أن البيان الصادر عن المحكمة الدستورية مساء أول أمس لم يعلق على قرار مرسي في حدا ذاته وإنما أكد على إلزامية ما صدر عنها من قرارات فيما يخص البرلمان المصري. فكان هذا الاجتماع في حد ذاته إجرائيا وشكليا لم يستمر أكثر من 12 دقيقة واقتصرت المناقشة فيه على كيفية تنفيذ حكم المحكمة، حيث أوكلت مهمة بحث آليات تطبيق الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا للجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالبرلمان. أما بالنسبة إلى القول أن هذه الخطوة تعد تحديا للمجلس العسكري أم لا، فتجدر الاشارة إلى أنه سواء تعلق الأمر بقرار حل البرلمان من قبل المحكمة الدستورية العليا أو بالقرار الصادر عن مرسي بإلغاء الحكم الأول، فهي قرارات سياسية بالأساس متدثرة بثوب قانوني تعبر في باطنها عن صراعات نفوذ ومحاولة للإستئثار بالصلاحيات الممكنة بين "الإخوان المسلمين" من جهة، والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، وتقف كطرف ثالث في هذا الصراع بقية القوى السياسية من أحزاب ليبرالية وعلمانية وقومية وكذلك القوى الثورية التي لا ترغب، لا في دولة تخضع للمؤسسة العسكرية متدثرة بثوب مدني، ولا في دولة إسلامية تسيطر فيها الجماعة على كامل مفاصل الدولة. ** ألا تشاطرون رأي من يقول أن قرار مرسي عودة مجلس الشعب المصري إلى سالف نشاطه قد جاء متسرعا نوعا ما وفي غير الوقت المناسب؟ - بالتأكيد... فالكثيرون يرون هذا تماما بمن فيهم مؤيدو قرار مرسي نظرا لما أثاره من لغط كبير كان الوسط السياسي المصري في غنى عنه وقد أخذ طريقه نحو الاستقرار والتحسن شيئا فشيئا بعد العاصفة السياسية الهوجاء التي كادت أن تهدم المعبد على من فيه قبيل اعلان نتائج مرحلة الحسم من انتخابات الرئاسة المصرية. فبعد التقدم الملحوظ الذي رأيناه على مستوى العلاقات في ما بين "الإخوان المسلمين" والمؤسسة العسكرية عقب فوز مرسي بسدة الرئاسة أصبحت تلك العلاقات مهددة اليوم على خلفية قرار مرسي المتسرع والذي جاء كتحد للمؤسسة العسكرية، وسيكون لهذا التصدع تداعيات وخيمة على المشهد السياسي المصري بصفة عامة وعلى الانتقال الديمقراطي. وأريد أن أشير في هذا السياق إلى أن هذا القرار جاء كتوطئة أو يمكن اعتباره بمثابة جس نبض لإلغاء الاعلان الدستوري المكمل الذي منح المؤسسة العسكرية السيطرة على أهم وزارات السيادة، ولكن بعد ردة الفعل هذه لا أظن أن مرسي سيواصل في هذا الاتجاه. لقد كان الأجدر بمحمد مرسي كرئيس للجمهورية المصرية أن يصدر مجموعة من القرارات الهامة الأخرى، لعل من بينها العفو التشريعي العام ليضرب عصفورين بحجر واحد: يحد من صلاحيات الجيش ويكرس إرساء الدولة المدنية من جهة، ويبعث برسائل طمأنة للقوميين والليبراليين والعلمانيين ليحشد المزيد من المؤيدين له من جهة أخرى. ** بعد ما أثاره قرار عودة مجلس الشعب إلى سالف نشاطه من لغط كبير في الأوساط المصرية وفتح باب الجدل القانوني على مصرعيه، كيف سيتعامل حسب رأيكم مرسي مع ذلك لرأب الصدع واعادة كسب ثقة أكبر قدر ممكن من المصريين؟ - أرى أنه على الرئيس محمد مرسي الآن وتفاديا لخسارة المزيد من الوقت أن يتخذ مجموعة من القرارات التي كان يجب أن يمنحها أولوية قصوى نظرا لأهميتها في تجاوز مرحلة الجمود والمضي قدما في مرحلة الانتقال الديمقراطي، ولعل من بين أهم الخطوات التي يجب اتخاذها تشكيل فريق رئاسي على وجه السرعة، فهو لا يتطلب مشاورات على نطاق واسع، وكذلك تسريع الخطوات في مضمار تشكيل حكومة ائتلافية للوفاء بما تعهد به كرسائل طمانة وهو تحديدا ما ينتظره الشعب المصري وما تقتضيه المرحلة. ويكمن الخطأ الذي وقع فيه مرسي في سوء تقدير الأولويات. ** كيف ترون التزام المؤسسة العسكرية بالحياد نوعا ما حيال هذه التطورات واقتصار ردة فعلها على التأكيد في بيانها الصادر عقب اجتماعها الطارئ على الالتزام بما جاء في بيان المحكمة الدستورية العليا؟ - إن التزام الجيش بالحياد وعدم دخوله في الصراع الحالي - إن صح التعبير - يعد خطوة ذكية من مؤسسة تتمتع بالخبرة والدهاء السياسي، لأنها كانت تعلم جيدا أن القوى الثورية والأحزاب القومية والليبرالية ستقف بالمرصاد لمثل هذه القرارات ولن تبقى مكتوفة الأيدي نظرا لتعارض ذلك مع بناء دولة مدنية تعددية تقطع وجوبا مع منطق سيطرة الفصيل السياسي الواحد.. وذلك لا يعني أنها تدعم الجيش ولكن شاءت اللعبة السياسية أن تصب في مصلحة المؤسسة العسكرية. ** من خلال انقسام متظاهري ميدان التحرير بين مؤيد لقرار مرسي ورافض له، ألا يمكن الجزم بأن القوى السياسية عمدت إلى نقل الصراع كعادتها إلى الشارع المصري؟ - ربما من السهل على أي متتبع للمسار الانتقالي منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن سدة الحكم أن يلاحظ أنه كل ما شب خلاف بين الأطراف السياسية سرعان ما ينتقل إلى صدام في الشارع المصري، لأن كل طرف يعمل على حشد أكبر عدد ممكن من قواه للنزول إلى الشارع كوسيلة ضغط. ف "الإخوان" قد دعوا أول أمس إلى مليونية بميدان التحرير تأييدا ودعما لقرار مرسي، فيما تجمعت في الطرف المقابل لميدان التحرير القوى الثورية والليبراليين والعلمانيين ضد هذا القرار. ولعل جماعة "الإخوان" المسلمين كانت المستفيد الأكبر في كل مرة حصلت فيها عملية حشد في الشوارع المصرية ارتكازا على ثقلها الشعبي، ولكنها هذه المرة ستكون في تحد كبير لأنها ستقف في مواجهة جميع القوى الحزبية بمختلف تياراتها وجميع مؤسسات المجتمع المدني.