أقرت المحكمة الدستورية العليا بمصر أمس الخميس عدم دستورية قانون العزل السياسي وحل مجلس الشعب. وكان لهذا القرار تداعيات كبيرة على المشهد السياسي في مصر ما بعد ثورة 25 جانفي. وكانت المحكمة قد أصدرت أحكامها بموجب اختصاصها باعتبارها هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها للرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتعمل بموجب الدستور على تكريس الشرعية الدستورية في مختلف مجالاتها وكفالة حقوق المواطنين وحرياتهم. واعتبرت المحكمة في حيثيات حكمها أن مجلس الشعب الحالي يعد "غير قائم بقوة القانون بعد الحكم بعدم دستورية انتخابه، دون الحاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر". واستندت المحكمة خصوصا إلى إخلال القانون بمبدأ تكافؤ الفرص لسماحه للأحزاب السياسية بالترشح على المقاعد التي تم تخصيصها لنظام القوائم وتلك المخصصة للمستقلين التي جرت بنظام الدوائر الفردية. وتختص هذه المحكمة الدستورية العليا بما يلي: * الفصل دون غيرها في دستورية القوانين. * تفسير النصوص القانونية. * الفصل في طلبات وقف تنفيذ الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم المشكلة للفصل في منازعات الحكومة والقطاع العام. * الفصل في مسائل تنازع الاختصاص.
الشارع المصري هذا وتسود مصر حالة من الترقب في أعقاب الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا التي أقرت بطلان قانون العزل السياسي وعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات البرلمانية الذي انتخب على أساسه مجلس الشعب. وزادت أجواء الترقب بتزامن صدور الأحكام مع دخول فترة الصمت الانتخابي التي تحظر فيها الدعاية لمرشحي جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة المقررة بداية من يوم غد السبت بين محمد مرسي وأحمد شفيق. وردَّد المتظاهرون هتافات مناهضة للفريق شفيق ومطالبة باستبعاده من جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، وحمل عدد من المصريين على المجلس العسكري واتهموه بخيانة الأمانة والتفريط في الثورة، وقال مواطنون استطلعت الجزيرة آراءهم في القاهرة إن الثورة مستمرة وإنهم لن يقبلوا بعودة النظام السابق إلى الحكم. واتهم ناشطون الجيش بتنفيذ "انقلاب ناعم"، واعتبروا أن قرار المحكمة ببطلان مجلس الشعب سيؤدي فعليا إلى إعادة السلطات التشريعية إلى القوات المسلحة، وهي إشارة إلى أن الجيش لا يرغب في التخلي عن الحكم الذي تولاه بعد ثورة 25 جانفي 2011. وبينما دعا نشطاء جماعة الإخوان المسلمين لسحب مرشحها بعد حكمي المحكمة الدستورية العليا، أقر اجتماع لمكتب إرشاد الجماعة المضي في الانتخابات إلى نهايتها، وأكد المرشد العام للجماعة محمد بديع بعد الاجتماع أن "القرار اتخذ بدافع الحفاظ على الثورة ورفض إعادة النظام السابق".
مرسي يهدّد وكان المرشح محمد مرسي قد هدد "بثورة عارمة" ستندلع في البلاد إذا حدث تزوير في جولة الإعادة التي سيخوضها أمام أحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وأكد في مؤتمر صحفي عقد أمس بمقر حملته الانتخابية في القاهرة أن الثورة ستكون "عارمة على المجرمين.. وعلى من يحمي الإجرام". وأضاف "ستكون حياتي ثمنا لأي محاولة للتزوير"، وانتقد حكمي المحكمة الدستورية العليا قائلا إن "إرادة الشعب فوق كل القوانين وفوق الأحكام والدستور". ودعت حملة مرسي المصريين إلى الخروج في ما سمته مليونيات باتجاه صناديق الاقتراع، وذلك بهدف "العزل الشعبي" لأحمد شفيق بعد فشل مساعي عزله قانونيا. وتأتي هذه التطورات عقب حكمين من المحكمة الدستورية العليا أبطل أحدهما مجلس الشعب وسمح الآخر لشفيق بالبقاء في سباق الرئاسة من خلال الحكم بعدم دستورية تعديل قانوني وافق عليه المجلس في أفريل يحرم أحمد شفيق وآخرين عملوا مع مبارك من حقوقهم السياسية.
توقعات شفيق في المقابل أكد المرشح لرئاسة الجمهورية الفريق أحمد شفيق أنه كان يرجح الأحكام التي خرجت بها المحكمة الدستورية العليا، خاصة فيما يتعلق بقانون العزل، مشيرا إلى أنه لم ير في خدمته ما يدعو إلى عزله عن خدمة البلاد. وقال شفيق -في مقابلة مع محطة سي بي سي المصرية- إن حل البرلمان بالكامل كان شيئا غير متوقع بالنسبة له، وإنه كان يتوقع حلا جزئيا فقط، وأشار إلى أنه كان يتمنى استمرار البرلمان، وذلك انطلاقا من رغبته في العمل الصعب في ظل وجود برلمان معارض في حال انتخابه رئيسا، واعتبر أن ذلك كان أفضل بالنسبة له لأنه يأمل إذابة جبل الجليد بينه وبين البرلمان على حد قوله.
لمحة تاريخية و يذكر أنّ الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور 1923 وحتى دستور 1964 المؤقت خلت من نص ينظم مسألة الرقابة على دستورية القوانين سواء بتقريرها أو بمنعها. وكانت أول محاولة رسمية لتنظيم رقابة دستورية القوانين على المستوى التشريعي، مشروع دستور وضع عقب قيام ثورة جويلية 1952. ويعد دستور 1971 أول الدساتير المصرية التي تضمنت نصوصا تنظم رقابة دستورية القوانين وقد أوكل أمر هذه الرقابة إلى محكمة خاصة أطلق عليها اسم "المحكمة الدستورية العليا". و نظم دستور 1971 الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح في خمس مواد منه من المادة 174 وحتى المادة 178 و في 1979 صدر قانون حمل الرقم 48 نظم عمل المحكمة واختصاصاتها وسائر شؤونها. ويرأس المحكمة الدستورية العليا منذ جويلية 2009 فاروق أحمد سلطان مكي الذي تنتهي مهمته بنهاية جوان الجاري لبلوغه سن التقاعد، ويساعده 18 عضوا بينهم امرأة.
خارج البلاد كما طرح هذا القرار جملة من التساؤلات خارج البلاد فمنهم من أيّد هذا القرار ومنهم من رفضه.
رأي قانوني وأكّد أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد في اتصال هاتفي مع "الصباح نيوز" أنّ ما تناقلته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء المصرية حول عدم دستورية قانون العزل السياسي وحل مجلس الشعب لم يتمّ بعد نشره في الجريدة الرسمية للجمهورية المصرية. وبيّن أنّ المحكمة الدستورية العليا بمصر عوض أن تعزل أحمد شفيق عزلت الشعب وأبقت المرشّج الذي كان آخر وزير أوّل في عهد مبارك في سباق الرئاسة، معتبرا أنّ "العزل كان لمجلس الشعب والبقاء لشفيق في فترة الصمت الانتخابية حيث تكلّمت المحكمة وأعادت الأوضاع إلى ما قبل الانتخابات التشريعية". ورأى قيس سعيد أنّ "هذا القرار سيكون له آثار قانونية تتعلّق بمن سيتولّى ممارسة السلطة التشريعية في هذه الفترة، قائلا: "هل ستنتقل إلى مجلس الشورى أم ستحلّ الهيئة العليا للقوّات المسلّحة محلّها كما يتحدّث عن ذلك بعض الملاحظين". ومن جهة أخرى، تساءل سعيد عن قيمة مجلس الشعب بعد أن تمّ إقرار حلّ السلطة التأسيسية المنتخبة من قبله. كما بيّن أنّ عملية الاختيار هي نفسها مدعاة للتساؤل "فكيف تنشئ سلطة المؤسسة العسكرية سلطة تأسيسية أصلية". وفي سياق آخر، أبرز أنّ الرئيس القادم لمصر الذي سيتمّ انتخابه سيتولّى اختصاصاته في وضع دستوري غامض وفي غياب سلطة تشريعية. وفيما يتعلّق بالناحية السياسية لهذا القرار، تطرّق سعيد إلى تحدّث عدد من زعماء الأحزاب السياسية في مصر الإبقاء على أحمد شفيق، مضيفا أنّ "اعتبار قانون العزل غير دستوري هو بمثابة عدم الاعتراف ب 25 جانفي وكأنّ أيضا المحكمة الدستورية بقيت خارج الزمن". وبيّن كذلك أنّ المجلس العسكري هو الفاعل الحقيقي ومركز الثقل في النظام الحالي.
وجهة نظرسياسي "الصباح نيوز" اتصلت أيضا بأحد قيادي حزب سياسي حاكم بتونس رفض الإدلاء باسمه لكنه قدم لنا نظرة شاملة حول ما يمكن أن يؤول له الوضع في مصرمن وجهة نظره الخاصة التي يراها كرجل سياسة لا كقيادي حزبي ، حيث أكّد لنا أنّ ما وقع في مصر خطير جدّا ويمكن اعتباره "انقلابا"، معلّلا ذلك ب"رغبة المجلس العسكري في الاستحواذ على الثورة". كما اعتبر "قرار المحكمة الدستورية العليا بمصر فعلة لا دستورية ولو كانت بلافتة الدستور". وقال محدّثنا أنّ "ما وقع يمكن أن يفسّر باثنين سيناريوهات" يكونان كالآتي:
1- سيناريو مدلّس "سيناريو يتمثّل في تدليس الانتخابات ويأتون بشفيق، وتكون بالتالي إعادة لسيناريو 1954 مكرّر". وأضاف قائلا في ما يتعلّق بسيناريو 1954: "فى 6 مارس 1954 قرر مجلس الثورة اتخاذ الإجراءات لعقد جمعية تأسيسية تنتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر توكل لها مهمة مناقشة مشروع الدستور الجديد.. وقرر مجلس الثورة أن تلغى القوانين العرفية قبل إجراء الانتخابات للجمعية التأسيسية بشهر.. ومن المعروف طبعاً للجميع أن العلاقة بين الجيش والإخوان كانت على ما يرام، بل إن الإخوان كان لهم دور كبير فى إنجاح الثورة ودور أكبر فى إسقاط محمد نجيب، لكن تغير الوضع بعد حدوث اختلاف بين ناصر والإخوان على من يمثل الإخوان فى مجلس الوزراء، وكان ناصر يرفض أن يفرض الإخوان أسماءا في الحكم، رغم أنّهم كانوا مصرين على ذلك، وانتهى شهر العسل بين الإخوان والجيش، وانتهى الأمر بحل الجماعة بل محاكمة قياداتها.. وحذر ناصر من قوى الثورة المضادة وهم فلول النظام السابق التى حاولت جاهدة عرقلة نجاح الثورة." كما أبرز أنّ هذا السيناريو يمكن أن لا يكون بحذافره لما يشهده الوضع في الوقت الحالي في مصر ولكن من خلال أقدار كبيرة يمكن أن يحصل هذا من خلال محاصرة الجيش، ممّا يعني رغبة هذا الطرف الأخير في القيام بمحاولة فرض إرادة غير إرادية باسم الدستور. وقال محدّثنا في هذا السياق : " نحن نتحدّث عن نظام قديم يحاول أن يتأقلم مع الأوضاع الجديدة دون التنازل عن إيّ من إرادة الجيش في فرض سيطرته على الحياة السياسية في البلاد".
2- سيناريو استباقي في السيناريو الثاني للوضع الراهن في مصر، أبرز مخاطبنا أنّ الجيش عبر ما يقوم به استباق لإمكانية أن تفرز صناديق الاقتراع إذا كانت دون تزوير بانتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية لكن دون برلمان يسوده بل أمام مؤسسة الجيش وسلطتها القائمة والماثلة أمام الأعين في هذا الوقت". وأضاف قائلا: "هذا السيناريو الجديد أقلّ سوءا من السيناريو الأول وسيخلق محاولة لإيجاد حلول لإمكانية التعايش بين الجيش والإخوان كقوى رئيسية في مصر، رغم أنّ المصريين لن يقبلوا هذا التعايش". كما بيّن أنّه في هذا السيناريو "المأساة" قد يكون هناك بعض الخير لأنّه ربّما يعالج إشكال المسائل الأمنية الجيو استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط انطلاقا من مصر وجيرانها. ونتيجة لهذا السيناريو أكّد محدّثنا إمكانية أن يصبح الجيش المصري لجما للإخوان المسلمين حتى لا يذهبوا بعيدا في الصراع مع إسرائيل وموضوع فلسطين وغزّة وغيرها.
من جهة أخرى، قال القيادي في حزب سياسي بتونس: "سننتظر الحقائق على الأرض التي سينحتها الشعب المصري انطلاقا من الانتخابات التي ستحدّد رسميا مصير البلاد".
رضا بلحاج : قرار لا ثوري ومن جهته، أكّد رضا بلحاج الناطق الرسمي لحزب التحرير في اتصال هاتفي مع "الصباح نيوز" أنّ قرار المحكمة الدستورية في مصر واضح وهو لا ثوري مضاد لثورة 25 جانفي باسم القانون. وأبرز أنّ مشروعية الثورة تقتضي عدم الالتزام بالقوانين السابقة التي تمثّل جزء من العقيدة السياسية، مبيّنا أنّ الثورة المضادة تبحث عن مداخل للانقضاض على الثورة. كما قال بلحاج: "الثورة في مصر تقتضي قرار العزل السياسي لأنّ الأصل أن يكونوا في السجون لكن ضغوطات الجيش أعطت لهم الحق في السيطرة السياسية. ومن جهة أخرى، بيّن بلحاج وجود صراع بين إرادتين الأولى ثورات ترغب في تشكيل بديل إسلامي وإرادة ثانية تنازلية ، منظومة علمية لا تعيش إلاّ على الديكتاتورية وترغب في المحافظة على القديم رغم تأكّدها من أنّه أضحى مستحيلا". كما أضاف أنّ الإرادة العلمانية متوترة وتعيش حالة "غربة" لأنّ المجتمع الإسلامي غير علماني. وفي هذا السياق، أكّد قائلا: "حجم العلمانيين ضئيل جدّا ويستمدّ قوّته من الآلة القمعية كما أنّهم يلعبون ضدّ مسار التاريخ وهو ما لم يعد مقبولا في هذا الزمن، فالأمّة العربية لها قدرة كبيرة على صياغة القوانين وإرادة العلمانيين هذه وضعية اغتصاب ". وبيّن رضا بلحاج أنّه لكلّ هذه الأسباب تمّ اختيار الوضع الوسط الذي يتميّز ب "الحيل والمكر والجيش ... حيث ستعتمد الديكتاتورية باسم الديمقراطية وهذا سيكون خطرا على الأمّة".