ارتأى فتحي الهداوي مدير مهرجان الحمامات هذه الصائفة ضرورة تشريك أكثر عدد ممكن من الأعمال المسرحية التونسية الحديثة نظرا لأهميّة مضامينها وإيمانا منه بقيمة العروض التي تطرح الكثير من المسائل الهامة المتعلقة باللحظة الراهنة ودورها في توعية الجماهير. فكان لا بدّ إذن من برمجة مسرحيّة "خلوة" لتوفيق الجبالي حيث عرضت بمسرح الحمامات ليلة أول أمس وسط جمهور غفير،المسرحية الحدث التي تناولت لحظة الانتظار لتحولها إلى فرجة تتهكم على فكرة خلوة التصويت في الانتخابات وتعرفنا على جميع شرائح المجتمع ومختلف الأشخاص والرتب والأوضاع الاجتماعية. الطريف في هذا العمل المنتمي إلى "التياترو" أحد معاقل المسرح الطليعي منذ عقدين أنه يجسد عملية الاختلاء ولكن بمفهومها المطلق لا المتعلق بعملية الانتخابات فحسب، ذلك أن "الخلوة" تمثل البعد التأملي وهو ليس وحده السبيل إلى الوقوف عند لحظة الحقيقة أو لحظة الفرار النهائي انتخابي أو غيره- بل قد تتجاوزها إلى مناطق أخرى تتداخل فيها المحظورات والممنوعات. تأليف العمل جماعي والتصور العام لتوفيق الجبالي والإخراج لنوفل عزارة ومعز القديري وتوفيق الجبالي.تنفيذ السينوغرافيا لياسين دويرة والإضاءة والإشراف العام لصبري العتروس أما التوظيب الفني فهو لوليد حصير. أسئلة التونسي في مرحلة حاسمة من تاريخه مسرحية توفيق الجبالي "خلوة" فيها إشارة واضحة إلى أن الخلوة يمكن أن تكون صوفية ويمكن أن تكون بين الإنسان ونفسه باحثا عن ذاته ويمكن أن تكون بين كائنين..أما الرسالة الهامة لهذا العمل المستلهم من الحدث السياسي الهام وهو عملية الانتخابات في بلادنا فتحيل إلى أنه آن الأوان لكل تونسي أن يختلي بنفسه ويحدد قراراته واتجاهاته دون مراقبة أو قيود.وهو أمر يتعلق بكل الشرائح الاجتماعية. كوميديا هادفة أصحاب نص "الخلوة" أصبغوا على العمل طابعا كوميديا هادفا يشير إلى نشاط الأحزاب السياسية في الفترة الراهنة وآفاقها المستقبلية في ظل واقع تكتنفه الضبابية والغموض والحال أن البلاد تستعد إلى مرحلة تاريخية جديدة. التجريب الفني وتوظيف الرمز والاستعارة من حيث اللغة واللعب على أوتار الخيال كانت كلها أدوات حاضرة في "خلوة" استطاع الممثلون من خلالها تجاوز عالم الانتظار الممل وصولا إلى الكشف عن خطاب مباشر للتيارات الفكرية والسياسية والعقائدية.. أدوات جسدت جميع شرائح المجتمع التونسي وتجلت من خلال الرقص والتعبير الحركي والضوء وارتباطه بالحركة والملامح. من جهة أخرى تبين"خلوة" أننا نعيش نقلة نوعية بعد حالة الكبت والاضطهاد.نعيش مسار التحول الديمقراطي وكأننا غير واعين بما يحصل. تجدر الإشارة إلى أن الملاحظة التي أبداها توفيق الجبالي في أول عرض بالتياترو لمسرحية "خلوة" قبل الانتخابات الرئاسية الأولى بأسلوبه الفكاهي المعهود وهي "مافاماش علاه باش تكون المسرحية كاملة على خاطر البلاد مازالت ماكملتش" ستبقى سارية المفعول نظرا للضبابية التي لا تزال تعيشها بلادنا، بل ستكون حافزا لإثراء المسرحية في مراحل متقدمة.