قاطع نواب كتلة حركة النهضة صباح أمس جلسة لجنة القضاء العدلي والمالي والاداري بعد جدل ساخن صاحبه بعض التشنج بين النائب رابح الخرايفي عن الكتلة الديمقراطية والنائبة عائشة الذوادي عن كتلة حركة النهضة (وهي غير منتمية للجنة) وكان ذلك أثناء مناقشة مسألة الاستقلالية الادارية والمالية للمجلس الأعلى للقضاء وتمتعه بالشخصية المعنوية.. وبعد جهود مضنية في الصلح بين الطرفين، استأنفت الأشغال ولوحظ بروز بون شاسع في وجهات النظر بين نواب كتلة حركة النهضة ونواب بقية الكتل حول هذه المسألة، وذلك رغم انهاء هذه اللجنة أشغالها الأسبوع الماضي في إطار التوافق وفق تأكيد رئيسها الفاضل موسى، ورغم ما أبداه أعضاءها من رغبة في استغلال فرصة تأخير العطلة النيابية بتنظيم جلسة أمس قصد تهذيب النص الأخير قبل إعداد المسودة التي سترفع للهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة. وعند نقاش الفصل 11 الذي ينص على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية الادارية والمالية والاستماع إلى مقترحات نواب حركة النهضة، أطلق بعض نواب بقية الكتل صرخة فزع بسبب ما لاحظوه من نية مبيتة لنواب هذه الكتلة للإبقاء على القضاء كما كان عليه قبل الثورة وجعله في يد السلطة التنفيذية والأمر الذي فنده نواب هذه الكتلة مؤكدين أنهم مع استقلالية القضاء. وفسرت النائبة فطوم لسود (حركة النهضة) أنه "من غير المقبول الحديث عن سلطة قضائية غير مستقلة، لكن الأمر مختلف مع المجلس الأعلى للقضاء إذ يجب أن تكون استقلاليته في اطار ميزانية الدولة." ولاحظ النائب الطاهر الاهي ان الاستقلالية الوظيفية لا يمكن ان تتحقق دون استقلالية ادارية ومالية ودون تمتع بالشخصية المعنوية. كما أن إرساء ثقافة الاستقلالية يتطلب تكوين القضاة في هذا المجال. ولاحظ النائب سليم بن عبد السلام وجود عدم تفاهم حول استقلالية القضاء وأكد أنه يدافع عن الاستقلالية الإدارية والمالية والشخصية المعنوية للمجلس الأعلى للقضاء. وأكد النائب آزاد بادي أن هناك نية لكي لا يكون القضاء مستقلا والا يتمتع المجلس الاعلى للقضاء باستقلالية مالية وادارية. وفي محاولة لتفسير معنى الاستقلالية وأهميتها بيّن النائب فاضل موسى ل"الصباح أن "هناك من يقول ان الحديث عن استقلالية القضاء لا تعني استقلالية الجهاز أي المجلس الاعلى للقضاء فاجيبهم ان الاستقلالية لها معنيين ان يكون القاضي مستقلا عن السلطة التنفيذية والتشريعية والصحافة والاجوار وغيرهم لكن اذا لا تكون هذه الاستقلالية محاطة باستقلالية الهياكل فانه بالإمكان أن يضعف ذلك استقلالية القاضي وبالتالي فان منح المجلس الاعلى للقضاء الاستقلالية والصبغة التقريرية ضروري لكي يكون القاضي مستقلا." سلطة خاوية وفي حديث مع بعض نواب بقية الكتل أكدوا ل "الصباح" أنه من غير المقبول بعد الثورة ارساء سلطة قضائية خاوية حتى وان تم التنصيص على أنها سلطة مستقلة إذ يجب ان يكون المجلس الاعلى للقضاء أيضا مستقلا لضمان استقلالية فعلية للقضاة. وفي هذا السياق بين النائب محمد قحبيش أن الفصل الذي أثار الجدل ينص على أن المجلس الاعلى للسلطة القضائية يتمتع بالشخصية المعنية والاستقلالية الادارية والمالية وأكد أن المس بشرط الاستقلالية للمجلس يعني بالضرورة مسا من استقلالية السلطة القضائية ولاحظ أن النقاش حول هذا الموضوع هو استمرار لنقاش مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث هيئة وقتية تشرف على القضاء العدلي.. حيث عارض نواب كتلة حركة النهضة الاستقلالية المادية والادارية للهيئة كما يعارضون اليوم الاستقلالية المادية والادارية والتمتع بالشخصية المعنوية للمجلس الأعلى للقضاء. وذكر النائب الجديدي السبوعي أن عدوى ما حدث في النقاش خلال الجلسة العامة حول الهيئة الوقتية للقضاء العدلي انتقلت إلى اللجنة التأسيسية وقال:"كنا نعتقد أن رفض استقلالية القضاء اداريا وماليا مقتصر على الهيئة الوقتية للقضاء لكن تجاوزه إلى الرغبة في التنصيص عليه في الدستور وهذا خطر كبير خاصة إذا صدر المقترح عن أناس عانوا الويلات من قضاء موجه ومسيس وخاضع للسلطة التنفيذية التي دفعته إلى إصدار أحكام غير قانونية". وأضاف أن الوضع بعد الثورة يقتضي التأسيس لقضاء مستقل ماليا وإداريا وله شخصية معنوية ويتمتع بجميع ضمانات الحياد بعيدا عن الاملاءات.. وبما أن هذا الدستور سيمثل كافة الشعب التونسي من الأفضل التوصل إلى حل توافقي قولا وفعلا وليس شعارات تقال ولا تطبق على أرض الواقع لأن المجلس التأسيسي بصدد تأسيس لسلطة قضائية فعلية وليس لهيئة تابعة لوزير العدل وبما أنها سلطة فلا بد أن تتمتع بمقومات السلطة. وذكر النائب رابح الخرايفي الذي ثار على نواب حركة النهضة المعارضين لاستقلالية المجلس الاعلى للقضاء اداريا وماليا ولتمتعه بالشخصية المعنوية أن النقاشات التي تمت صلب اللجنة حول استقلالية المجلس الاعلى للقضاء كارثة وليس اختلافا ونتيجته عرض استقلالية القضاء على التصويت وهو أمر غير مقبول وأضاف :" إنني لا أعرف إلى حد الآن لماذا يخاف نواب حركة النهضة من استقلالية القضاء.. فالحديث عن قضاء مستقل دون أن تكون له شخصية معنوية واستقلالية ادارية ومالية لا معنى له.. نحن نريد الابتعاد عن ارتكاب هذه المصيبة فهم يرغبون في حذف الاستقلالية من الدستور وجاؤوا متجندين لهذا السبب ومدعمين بنواب من غير نواب اللجنة.. ونحن نؤكد للرأي العام أن حذف شرط الاستقلالية من المجلس الاعلى للقضاء يعني وضعه تحت وصاية وزارة العدل ويعني أنه لن يتغير أي شيء وإذا كانوا يتعللون بأن القضاء فاسد ولا يمكن منحه الاستقلالية فنحن نقول أن الدستور هو للأجيال القادمة وليس لعدد من القضاة الفاسدين الآن ومن غير المقبول عدم التنصيص على الاستقلالية".
مفاجأة غير مريحة
وفي نفس السياق بين النائب أحمد الخصخوصي أن موضوع الخلاف مطروح خارج اللجنة ووجد له انعكاسات داخل اللجنة وهذا مخالف لما جرت عليه العادة في هذه اللجنة التي تعتبر مثالية لا في سلوك اعضائها فحسب بل في إدارتها الحكيمة الرصينة التي تبعث على الافتخار.. وأضاف الخصخوصي:" لقد اتفقنا على أن مجال القضاء لا يتناول بصفته مرفقا ولا باعتباره هيئة بل باعتباره سلطة كاملة الاستقلالية وذلك بالاستناد على مبدأ التفريق بين السلط الذي على ضوئه لا يمكن بأي حال من الأحوال للسلطة القضائية أن تكون تابعة لأي سلطة أخرى سواء كانت تنفيذية أو تشريعية". وبين أن مقترحات نواب حركة النهضة تعتبر مفاجأة غير مريحة لأنه اذا ما أريد بناء ديمقراطية حقيقية فعلا فإن الأساس هو التفريق بين السلط بهدف ضمان التداول السلمي على السلطة عبر انتخابات دورية حرة وشفافة ونزيهة ولا يمكن لها أن تتم إلا بتحمل القضاء مسؤولية باعتباره سلطة كاملة الصلاحيات مستقلة تمام الاستقلال وخلاف ذلك يعتبر مسألة غير طبيعية وغير ايجابية.