مازالت الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة سيدي بوزيد تلقي بظلالها على الشارع التونسي خاصة مع اتساع رقعة مسيرات المساندة لتشمل عديد المعتمديات والولايات ليزداد الاحتقان ويتنقل التوتر ويزحف من منطقة الى أخرى في ظل غياب نجاعة حقيقية في معالجة الأوضاع الأمنية والاجتماعية وانخراط كل الأطراف في صبّ الزيت على النار بما ساهم في انتشار لهيبها أكثر. وبعيدا عن ملابسات الاحداث وحيثياتها والمتسبب فيها فان الحكومة المؤقتة لم تحسن التعاطي مع الأزمة الفجئية حيث كان بامكانها اطفاء الفتيل منذ بداية اشتعاله لكن عوض دعوتها الى التهدئة والتعقل اتبعت منهج الاتهام والتخوين ورمي سهامها في كل الاتجاهات بأسلوب متشنج واعتباطي وغير مدروس عكس ارتباكها في التعاطي مع الاحداث الساخنة. وبدا جليا ان حكومة حمادي الجبالي لم تتعظ من دروس الانظمة الاستبدادية السابقة التي تسارع في كل مرة الى الوعيد وسياسة العصا الغليظة بل ان تصريحات بعض الوزراء زادت في تسميم وتعكير الأجواء من خلال قراءات متسرعة وعبارات «عرجاء» تعكسها خاصة ماجاء في حديث وزير الخارجية رفيق عبد السلام ووزيراملاك الدولة والشؤون العقارية سليم بن حميدان اللذين خلفت تصريحاتهما موجة من الاستياء. وان كان من حق الاتحاد العام التونسي للشغل التحرك في هذا الظرف الحساس لتأكيد دوره النضالي خاصة ان الاحتجاجات التي حدثت طيلة الفترة الماضية كانت نتيجة للوضع المتردي ومعاناة متساكني الجهة بعد عقود من المعاناة فانه كان يتوجب عليه البحث عن السبل الكفيلة بتهدئة الاوضاع وامتصاص الغضب والتوتر دون اختيار منهج التصعيد. وبغض النظر عن مسؤولية الحكومة والاتحاد فان بعض الاحزاب ساهمت بصفة مباشرة أو بلا مبالاتها وسلبيتها في تأزيم الأوضاع من خلال تصيدها للفرص قصد الركوب عليها محاولة بلوغ اهدافها وتحقيق غاياتها وحساباتها السياسية وهو ما تعكسه الاتهامات المتبادلة بين اكثر من حزب سياسي. ولابد انه حان الوقت اليوم ان تشعر كل الاطراف بجسامة مسؤولياتها التاريخية ليبتعد الجميع عن سياسة ليّ الذراع وتبادل الاتهامات مع ضرورة عمل الحكومة على تجاوز اخطائها وايجاد حلول عاجلة لبطئها وتفهمها لمطالب مختلف الفئات في الجهات المحرومة التي علقت آمالها على ثورة الحرية والكرامة لتستعيد حقوقها. ويبدو انه على الحكومة اطلاق الحوار الوطني الذي كثيرا ما دعا اليه رئيس الحكومة في أقرب الآجال لانه الوحيد الذي قد يقرب وجهات النظر ويكون جسر العبور الى وفاق حقيقي بعيدا عن أساليب الاقصاء والمحسوبية والموالاة لانه دون حوار وطني حقيقي ستسير البلاد في اتجاه المجهول وهذا ما نخشاه ولا نتمناه.