الحديث عن السينما العراقية يحيلك ضرورة لتجربة المخرج والممثل المسرحي والسينمائي والكاتب والناقد الصحفي العراقي قاسم حوّل.. هذا الفنان المتعدد المواهب الذي اختار الكاميرا والقلم سلاحا لمحاربة الجهل والاضطهاد وأعداء الفكر الحر. كتب وأخرج روائع السينما العراقية بأنماطها الواقعية والوثائقية هو صاحب شريط «الحارس»(سنة 1964) الفائز بالتانيت الفضي لأيام قرطاج السينمائية، الذي أنجزه قبل وصول النظام البعثي للحكم وتسبب في خروجه من العراق مع حكم البعثيين.. قاسم حوّل المقيم حاليا بهولندا وهو أحد مؤسسي مهرجان الفيلم العربي بروتردام قدم أيضا العديد من الأعمال التسجيلية على غرار شريطه الأشهر في هذه الخانة «الأهوار» (سنة 1975) هذا الفيلم الذي مثل من جهة مرجعا للوثائقيات في السينما العراقية ومصدرا لمضايقات السلطة من جهة أخرى بالنسبة لقاسم حول، هذا السينمائي صاحب أهم المبادرات العربية في مجال الفن والثقافة.. فهو أحد مؤسسي تيار السينما العربية البديلة في دمشق سنة 1970 وأحد مؤسسي اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب وعضو الأمانة العامة واللجنة التنفيذية لهذا لإتحاد. عن السينما العراقية والعربية في العموم وأزمة السيناريو وجديده شريط «المغني»، الذي كانت آخر تتويجاته في تونس وتحديدا ضمن مسابقة مهرجان نابل السينمائي في ماي الماضي، التقت «الصباح» السينمائي والمسرحي والكاتب قاسم حوّل فكان الحديث التالي: * القراءة الأولى لفيلم «المغني» تحيلنا مباشرة لدكتاتورية صدام حسين ألم تخشى أن يقع رفض هذا العمل من قبل الجماهير المغاربية بحكم تعاطف ودعم الكثيرين منهم للرئيس العراقي الراحل؟ - صحيح في البداية كنت أعتقد أن شريط «المغني» لن يجد الدعم الجماهيري من قبل الشعوب المغاربية خاصة وأنهم بعيدون من حيث المسافة عن الواقع العراقي كما أن الإعلام المحلي كان يتخذ من صدام حسين رمزا وبالتالي اللعبة الإعلامية كان لها تأثيرها على مواقف العرب غير أن عرض الشريط في كل من المغرب والجزائر وتونس وتفاعل الجماهير معه إلى جانب فوزه بجوائز عديدة جعلني أدرك أن توجهي نحو تعميم صورة الدكتاتور في الفيلم كانت ناجعة، إذ لم أقدم عملا لتصفية الحسابات مع نظام حاكم هجّرني وأتلف الكثير من أعمالي السينمائية على غرار شريط «الحارس» وساعات تصوير مهمة من فيلمي»الأهوار» وإنمّا بحثت عن الحقيقة وصور من واقعنا العربي لا العراقي فحسب فالدكتاتور في «المغني» يمكن أن يكون في أي بلد آخر إلى جانب العراق ومهمتي في فيلم كانت ثقافية لا انتقامية إيمانا مني بأن الثقافة حين تنهار ينهار الوطن وهويته. *وهل يمكننا الحديث عن سينما عراقية واضحة الملامح والتوجهات؟ - السينما العراقية تراجعت عن بداياتها الأولى بسبب الأجواء السياسية التي ترعرعت خلالها والتأُثير السلبي لهذه التغيرات على أدائها وإنتاجها الكيفي والكمي فصناعة السينما تحتاج إلى دعم من الدولة غير أن الحكومات المتعاقبة على الحكم في العراق تعتبر الفن والثقافة وخصوصا السينما ترفا والقطاع ككل يعيش عديد الصعوبات في ظل غياب الحركة الإنتاجية على مستوى تشجيع المخرجين على الإبداع حيث تتم عرقلة أعمالهم تحت ما يسمى بالرقابة وشخصيا أعتبر الأفلام العراقية مجرد مجهودات فردية تحاول نقل واقعها بما تملكه من إمكانيات ذاتية ودعم من المؤسسات العالمية المختصة في السينما على غرار فيلمي «المغني»، الذي لولا الدعم الفرنسي لما تمكنت من انجازه. * وهل تعتقد أن السينما العربية قادرة على تحقيق العالمية في المستقبل القريب؟ - مشكلة السينما العربية كتابة السيناريو فنجاح الفيلم بدرجة أولى يعود لمضمونه وللأسف لا نملك كتاب سيناريو أكفاء على المستوى العربي فالفكرة النابعة من واقعنا هي الحل لتحقيق العالمية وشخصيا أعتبر السينما فن الواقع وكتابة قصة من الحياة التي نعيشها هي سر نجاح أي عمل سينمائي مهما كان كوميديا أو تجريبيا أو وثائقيا. *ترأست وشاركت في العديد من لجان تحكيم المهرجانات العربية فهل تؤمن بمصداقية الجوائز الممنوحة للأفلام المشاركة في هذه التظاهرات السينمائية؟ - عمق معرفتي بهذه المهرجانات ولجان تحكيمها تجعلني أقول أن مصداقية الجوائز نسبية خصوصا وأن أغلب المهرجانات العربية اليوم أصبحت تقوم على البهرج والإبهار حيث نجد في أغلب الأحيان أعضاء في لجان التحكيم لا يملكون في رصيدهم سوى بعض الأفلام ويقاسون من خلال منطق النجومية لا القيمة الفنية فكيف يقيمون الرؤية الإخراجية والموسيقى التصويرية والكتابة السينمائية وغيرها من التقنيات المستخدمة في عملية صناعة الأفلام؟ وبالتالي تصبح مسألة توزيع هذه الجوائز مرتبطة أكثر بالجانب الانطباعي والذاتي. *تكتب للسينما كما الأدب فهل تفكر في تحويل بعض أعمالك الأدبية إلى أفلام؟ - الكتابة بالنسبة لي نشاط يلازمني منذ بداياتي في المجال الفني ولدي الكثير من الكتابات السينمائية والسيناريوهات غير أن تحويلها لأفلام يحتاج فقط للتمويل أمّا ما أكتبه في الأدب فتغلب عليه الدراسات المختصة في المجال السينمائي والمسرحي مع بعض الأعمال القصصية التي صدرت في تونس وقريبا سأطرح رواية في تونس كذلك تروي الكثير من ملامح الحياة الاجتماعية بوطني العراق. *على ذكر الواقع العربي هل توافق القائلين بأننا على أبواب «ربيع عربي» بعد الثورات التي اجتاحت دولا عربية منها تونس ومصر وليبيا؟ - لا يمكنني أن اعتبر ما يحدث في الوطن العربي ربيعا.. فالربيع لا يجلب الدماء الحمراء القانية وشخصيا لا أصنف أي انتفاضة عربية ضمن خانة الثورة سوى ما حدث في تونس والذي فاجأ العالم ممّا جعل الغرب والأطراف المرتبطة به تسعى لفرض سيطرتها مجددا على المنطقة من خلال خلق الفوضى والخلاف بين أفراد الشعب الواحد وإيهامهم بحريات عن طريق محاربة بعضهم على عكس الشعب التونسي، الذي كان يدا واحدة في ثورته وهذا ليس بغريب عنه فالتونسيون شعب متعلم ومثقف ومتحضر له مؤسسات قانونية ومجتمع مدني تكون تدريجيا بفضل السياسة التي اتبعها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.