ما يجب أن يكون حاضرا قطعا في أذهان نواب المجلس الوطني التأسيسي وهم يستأنفون أمس الاثنين جلسات أشغالهم أنهم ليسوا فقط بإزاء الاشتغال على كتابة دستور جديد للجمهورية التونسية الثانية جمهورية ما بعد الثورة وإنما أيضا بإزاء كتابة التاريخ... أجل،،، فالمهمة التي «انتدبهم» الشعب لها، هي مهمة عظيمة وتاريخية لا فقط اعتبارا لأهمية الدساتير في المطلق في ضمان مواطنية المواطن وإقرار سيادة الشعب وجعلها «مدار» كل تشريع لاحق.. وإنما اعتبارا أيضا لخصوصية المرحلة الانتقالية القائمة في تونس منذ انتصار ثورة 14 جانفي التاريخية وسقوط نظام المجرم بن علي... وما من شك أن محاذير هذه المرحلة الانتقالية وانعكاساتها السلبية في صورة تواصلها في الزمن لأكثر من اللزوم هي التي تحتم في ذاتها المرور الى «السرعة القصوى» للانتهاء في أقرب أجل ممكن من كتابة الدستور.. نقول «في أقرب أجل ممكن» لأن تاريخ 23 أكتوبر 2012 المحدد سلفا يبدو أنه وبشهادة كل الأطراف السياسية لم يعد «ممكنا». والواقع أنه سيكون من غير الانصاف أن يحمّل المتابع مسؤولية تفويت أجل 23 أكتوبر 2012 كموعد للانتهاء من كتابة الدستور ل«طرف» دون غيره داخل المجلس الوطني التأسيسي، ذلك أن «أجواء» الجلسات العامة مثلا التي خصصت لمناقشة عدد من مشاريع القوانين على امتداد الأشهر الماضية كانت تحيل في جانب منها على حضور قوي ل«الايديولوجي» الضيق في مواقف مختلف الكتل دون استثناء على حساب «الوفاقي» الوطني.. وهو ما قد يكون طبع أيضا أعمال اللجان التأسيسية المكلفة بصياغة مسودة مشروع الدستور... لقد بات متأكدا اليوم أن كل تأخير أو تباطؤ اضافي في الانتهاء مثلا من احداث الهيئات الثلاث الأساسية الممثلة في الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي والهيئة العليا المستقلة للاشراف على الانتخابات القادمة والهيئة الوطنية العليا للاشراف على قطاع الاعلام السمعي البصري سيكون له انعكاس سلبي لا فقط على مسار كتابة الدستور الجديد والتأسيس للجمهورية الثانية جمهورية ما بعد الثورة وإنما أيضا على صورة و«سمعة» المجلس الوطني التأسيسي ذاته في عيون التونسيين.. ذلك تحديدا ما يجب أن يعيه نواب المجلس بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية.. وذلك ما يجب عليهم تفاديه وفاء منهم بالعهد للوطن والشهداء والأجيال بعيدا عن أية حسابات سياسية ضيقة وظرفية.