انتخابات 23 أكتوبر 2011 والتي لا نشككّ في نتائجها ولا في استحقاق الفائزين فيها وثقة الشعب وقتها فيهم، أسفرت عن مجلس تأسيسي وحكومة ورئاسة جمهورية مدة حكمهم لا تتجاوز السنة الواحدة وفق الأمر عدد 1086 لسنة 2011 مؤرخ في 3 أوت 2011 والمتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي و تمّ فيه تحديد مدّة المجلس بسنة واحدة وأن يتقيد المجلس ذاتيا بإصدار قرار حول انتهاء أشغاله. حيث نص الفصل السادس من الامر المذكور:» يجتمع المجلس الوطني التأسيسي بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولى إعداد دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه.» لكن اليوم تعددت التواريخ وتضاربت حتى صلب المجلس التأسيسي نفسه فرئيسه مصطفى بن جعفر يعلن عن الموعد المحتمل للانتخابات في شهر مارس المقبل لينفي من بعده بعض الفاعلين في المجلس وعلى رأسهم الحبيب خضر مقرر عام لجنة صياغة الدستور ذلك الموعد مؤكدا استحالته تاركا الضبابية تحوم حول الموعد النهائي للمصادقة على الدستور وموعد الانتخابات وان كانت تشريعية فقط أم تشريعية ورئاسية حسب النظام الذي سيتم اعتماده ان كان برلمانيا ام رئاسيا معدلا.. اليوم شارف عمر المجلس التأسيسي والحكومة المؤقتة على الانتهاء واذا ما تم تجاوز موعد 23 اكتوبر 2012 تدخل البلاد في ازمة شرعية لا نأمل ولا نرغب في أن تحصل بل ما نأمله هو التوافق بين المكونات السياسية جميعها والتوافق على المسائل الكبرى التي تهم البلاد وخاصة الانتهاء من الدستور والمصادقة عليه والمرور الى انتخابات جديدة تقطع مع «المؤقت» وتعطينا حكومة ورئاسة ومجلسا تشريعيا لهم الوقت الكافي للإصلاح ووضع البلاد في المسار الصحيح خاصة في مجال الاقتصاد والتنمية والاصلاح الاجتماعي في اطار توافق وطني. فالواقع الحالي والتضارب في التصريحات،التي باتت تحمل رائحة الحملة الانتخابية وتغليب المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة على المصلحة العامة، لن تقود البلاد الا الى مزيد من الخراب والانفلات والغوص في الغموض والجهل بما يحمله المستقبل ومزيد تشكيك المستثمرين.. وتوقف عجلة الاقتصاد والتنمية. وعلى المجلس التأسيسي المخول له وحده تحديد الموعد الانتخابي التخلص من الرؤية الضيقة لمكوناته واحترام التزاماته والمواعيد المعلنة وانهاء صياغة الدستور في أقرب وقت ممكن ودعوة الشعب الى صناديق الاقتراع مع ضمان انتخابات ديمقراطية، حرة ،شفافة ونزيهة... فالشعب اليوم محبط ويشعر بخيبة أمل لا نأمل في أن تتحول الى احتقان وارتماء في أتون الفوضى والعنف والاعتصامات والاضرابات غير المقننة.. وهذا يتطلب الوضوح والشفافية واعلام الشعب بموعد الانتخابات وهو ابسط حق يمكن أن يطالب به. الاشكالية القانونية موجودة بالنظر الى الأمر الصادر بدعوة الناخبين لانتخابات المجلس التأسيسي، ومن الضروري التوافق حول حل سياسي غير مسقط ومصارحة الشعب بتواريخ المواعيد السياسية على غرار انهاء المصادقة على الدستور الذي يحتاج الى مصادقة بالثلثين أو المرور الى الاستفتاء إن لم تحصل المصادقة.. واللجوء الى الاستفتاء يتطلب اجراءات وتحضيرات على غرار إصدار نصّ يتعلق به وبحيثيات العملية من حيث الصياغة والحملة التفسيرية وهو ما يتطلب وقتا يمكن أن يطول.. كما أن الاستفتاء يمكن أن يطرح بدوره اشكالا من حيث النتائج حيث أن القانون المنظم للسلط العمومية لم ينص على الحل القانوني في حال رفض الشعب التونسي المصادقة على مشروع الدستور ان تم اللجوء اليه وهو ما اعتبر حسب الخبراء ورجال القانون إشكالية عميقة يصعب الخروج منها...وان تمت المصادقة والانتهاء من اشكالية الدستور فمن الضرورة وضع جدول زمني للانتخابات.. الى جانب تعيين هيئة عليا للانتخابات تشرع في عملها الذي يتطلب اشهرا من التحضير... الخروج من مأزق عدم الشرعية يفترض حصول التوافق السياسي.. والتوافق السياسي يفترض الوضوح والشفافية ووضع المصلحة العليا للبلاد فوق المصالح الحزبية والشخصية الضيقة.. كل هذا مطلوب وفي أقصر وقت حتى لا تجد الحكومة الشرعية الحالية نفسها تحت ضغط الشارع وضغط تحركات يصعب التحكم فيها مما يمكن أن يدخل البلاد مجددا في أتون الفوضى والعنف.. وهو ما لا نرجوه ولا نأمله.