بتنا نعتقد في عهد سابق في فترة ليست ببعيدة وبالتحديد قبل ثورة 14 جانفي أنّنا قد أرسينا بما سمّي بدولة القانون والمؤسسات وإذا بنا قد شهدنا عكس ما انتظرنا؛ نظام مستبدّ يتأسّس ويرسم معالمه لكن ظلّت فكرة تأسيس دولة القانون تشغل بال التونسيّين فكانت ثورة 14 جانفي ترجمانا لتلك الرغبة الجامحة في تأسيس دولة القانون و المؤسسات التي تليق بهذا الشعب الذي بات منذ أمد بعيد يبحث عن ضالّته والمتمثّلة في العزّة و الكرامة. لقد تحقّقت كرامة هذا الشعب في مرحلة أولى عندما أفلح بالإطاحة بنظام مستبدّ لكنّه بدا أنه ينتظر التقدّم بآليات تثبّت كرامته أو بالأحرى بضمانات كفيلة بحفظ حرّيته وكرامته؛ ولقد كان تقديم مشروع قانون المحكمة الدستورية إحدى هذه الضمانات. لقد استحسنّا الفكرة أي فكرة قضاء دستوري مستقلّ بمعنى قضاء في لبوس جديد غير ما عهدناه مع المجلس الدستوري قبل الثورة عندما وقع التقدّم بهذه الفكرة في صياغة مشروع مسودّة الدستور من طرف اللجنة المكلّفة بإعداد هذا المشروع ؛ فعند التمحيص في النقاط المضمّنة بالمشروع يتبيّن في ظاهرها أنّها قد استجابت لصوت الشعب ذاك الشعب الذي ينشد الحريّة ويروم تطبيق القانون والعدالة يستبان هذا من خلال تواجد هيكل يمثّله وهو مجلس الشعب الذي أسندت له صلاحيات الاقتراح وانتخاب أعضاء المحكمة الدستوريّة. أمّا عن اختصاصات المحكمة الدستوريّة فهي متعدّدة كيفما وقع تقديمها في وثيقة المشروع؛ فقد عهد لها مراقبة دستورية المعاهدات الدوليّة قبل التوقيع مثلما أنّها تختصّ بمعاينة حالات شغور منصب رئيس الجمهورية كما أنّها تتعهّد بالنظر في حالات الطوارئ والظروف الاستثنائيّة . هذا وقد خوّل للأشخاص كذلك الطعن بصفة مباشرة لدى المحكمة الدستوريّة ضد الأحكام الباتّة إذا ما تبيّن أنّها خرقت الحقوق والحريات المضمّنة في الدستور حتى وإن وقع استنفاذ كلّ طرق الطعن . وقد خوّل لأطراف كل نزاع جاري الدفع بعدم دستوريّة القوانين هكذا يتبيّن من خلال هذا العرض في وثيقة المشروع لصلاحيات مجلس الشعب الممثلة في الاقتراح وكذلك الانتخاب لأعضاء المحكمة الدستوريّة الى جانب الاختصاصات المعهودة للمحكمة يتبيّن أنه مشروع اعتمد فيه على الشفافيّة والاعتدال هو مشروع يلوّح ببوادر قضاء دستوري مستقلّ وعادل؛ وإن كان هذا المشروع لا يزال في مجال التصوّر والتخطيط لكنه يخشى أن يظلّ في طور المشروع حتى بعد المصادقة عليه أي ان لا يمرّ الى مرحلة التأسيس و البناء. إنّ الدعوة تتمثّل في تفعيل دور هذا الهيكل الدستوري أي ان يقوم بدوره الذي أحدث من اجله وهو بناء صرح دولة القانون والمؤسسات الذي طالما انتظرنا إعلان تأسيسه بعد ان أوهمنا بتأسيسه في عهد سابق . بقلم : الأستاذة إكرام الميعادي