هل الدفاع عن حرية الاعلام شأن يخص الصحافيين وحدهم دون غيرهم؟ وهل الحفاظ على استقلالية وسائلنا الإعلامية الوطنية وخطها التحريري ليس بالأهمية التي تستوجب تحرك الجميع من أجل ضمانه باعتباره أحد الشروط الضرورية للبناء الديموقراطي واضطلاع الاعلام المستقل بدوره لا كمراقب فحسب للسلطة السياسية ولكن أيضا كمرآة تعكس نبض المواطن ومشاغله وتنبه إلى أخطائها المحتملة حتى يتسنى معالجتها وإصلاحها؟ سؤالان مازلنا للأسف الشديد لم نلق إجابة شافية ومقنعة عنهما إلى غاية اليوم رغم دخول اعتصام صحافيي وتقنيي وإداريي وعمال «دار الصباح» يومه الثالث والعشرين دفاعا عن مؤسستهم التي تتعرض لمحاولات باتت مكشوفة لتدجينها وإفقادها الحياد الذي عملت جاهدة للمحافظة عليه على امتداد تاريخها، رافعة شعار الولاء للوطن تونس وخدمة المواطن التونسي أولا وأخيرا. هذه المحاولات التي بدأت بالتعيين المسقط لمدير عام محل تحفظات كثيرة عليه، ليس فقط لأنه قادم من مؤسسة صحفية منافسة يدين لها بالولاء ما يجعل أسرار «دار الصباح» معرضة للخطر، بل وأيضا بالنظر إلى ماضيه المثير للجدل والذي لا يجعله خارج الشبهات، وهي التحفظات التي ثبتت مصداقيتها من خلال أولى القرارات التي اتخذها والتدخلات التعسفية في الخط التحريري. وقد ازدادت هذه المحاولات وضوحا بعد ترويج مزاعم بكارثية الوضع المالي لمؤسسة «دار الصباح» اعتمادا على أرقام مجتزئة مطعون في تعبيرها عن الواقع وبوجود نية في التفويت فيها بما دعم الشكوك حول وجود صفقة لتحييد المؤسسة ومنعها من القيام بالدور الطبيعي المنوط بها عبر إفلاسها وبيعها بأبخس الأثمان. من هنا كان لا بد لأبناء «دار الصباح» من التحرك، لا فقط للذود عن مؤسستهم وخطها التحريري المستقل، بل وللدفاع عن مبدإ من أهم مبادئ الديموقراطية وحقوق الانسان ألا وهو حرية التعبير والاعلام، وهم يدركون سلفا أن المعركة التي يخوضونها ستكون طويلة وشاقة لكن لا خيار أمامهم سوى كسبها مهما كانت التضحيات لكونها تتجاوز الإطار المصغر ل«دار الصباح»، إلى كينونة الصحافة والاعلام كسلطة رابعة مستقلة عن كل التجاذبات. إننا وفي الوقت الذي نؤكد فيه تصميمنا غير القابل للمساومة على الاستمرار في نضالنا ورفض كل محاولات تركيعنا وعبره تركيع كل وسائل الاعلام الأخرى في بلادنا مهما كانت الضغوطات، نعبر عن الاستياء لتأخر أصحاب القرار في إنهاء هذه المهزلة المستمرة ووضع حد للأجواء غير الطبيعية التي يعمل فيها أبناء الدار. فحرية الرأي والتعبير - وهو ما لا يختلف حوله اثنان - تبقى حتى الآن المكسب الأساسي للثورة الشعبية التي أسقطت الدكتاتورية، وفي ذلك ما يكفي ليدفع ابناء المؤسسة على مواصلة رفع راية الإعلام الحر حتى النفس الأخير...