عادت الأطراف السياسية بكل أطيافها في تونس لتتحدث عن الشرعية، وتشبث كل طرف منهم بهذا المفهوم على أساس أنه يستمد قوته منه. فالبعض وخاصة منهم أحزاب الترويكا أكد أن الشرعية الانتخابية هي قوته التي يستمد منها بقاءه سواء في السلطة أو المجلس الوطني التأسيسي، والبعض الآخر وهم من اصطفوا في المعارضة بات يتحدث عن شرعية وفاقية لها وزنها الذي فرضته الثورة وشعاراتها وأيضا التحركات والمطالب الشعبية التي تساندهم في مجمل الجهات، وأكدوا على الوفاق لإنقاذ البلاد مما تردت فيه اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا. كل هذا قد تركز حوله الخطاب السياسي الذي طغى في هذه الأيام وباتت تحركه الحسابات السياسية والانتخابات القادمة وجملة الاستحقاقات التي ترتبط بالمرحلة القريبة القادمة، فراح البعض يقترح توسيع الائتلاف الحكومي، وآخرون إلى جبهة إنقاذ وطني، وهكذا تعددت المقترحات وتنوعت، وزادت تنوعا في مسعى لتأمين الخروج من الواقع الذي تردت فيه البلاد، خاصة مع تتالى الاحداث وتطور ظاهرة العنف، وما ظهر من مؤشرات جعلت العديد يتكهن بالخروج بالبلاد من الصراع السياسي إلى اعتماد العنف السياسي للتصدي إلى الأطراف الأخرى. هذا الواقع ارتسم لا في الأذهان فحسب بل أصبح مظهرا من المظاهر التي تخيف الجميع مهما كان موقعهم خارج الحكومة أو داخلها، لكن الثابت أن هذا الواقع قد صنعه الجميع بالانصراف إلى الصراع السياسي والسياسوي، بعيدا عن الاهتمام بمشاغل الشعب التي تتصل بمجمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، فلا أحد بات يتحدث في أيامنا هذه عن البطالة المستفحلة في كافة الجهات، ولا طرفا دعا إلى ضرورة تحسين المقدرة الشرائية التي تدهورت، ولا غيرهم ممن يصولون ويجلون في الساحة السياسية أكد على ضرورة مراقبة الأسواق والضغط على الأسعار التي شهدت ارتفاعا جنونيا. وهذا التناسي أو التغاضي عن مشاغل المواطنين أسقط الجميع في دوامة السياق نحو تأمين الاستحقاقات المتعلقة بما بعد الانتخابات القادمة طمعا في السلطة، لكن الجميع الذين تمسكوا بما هو شرعي اليوم سوف يزول يوم الذهاب إلى صندوق الاقتراع من جديد، ويوم تتجدد الشرعية لتكون مستمدة من الشعب الكادح الذي قتلته البطالة والجوع وارتفاع الاسعار وغيرها من الجوانب التي بقيت معلقة في انتظار فعل كل الأحزاب التي تطرح نفسها بديلا لتحقيق أهداف الثورة. فمن سيكسب الشرعية من الشعب التونسي عما قريب؟ ذلك هو السؤال الذي يبقى مطروحا في انتظار ما سيقرره المواطنون يوم الانتخابات لأن الحساب يومها سيكون عسيرا.