حمّل حقوقيون ونشطاء بالمجتمع المدني الحكومة المسؤولية في تنامي ظاهرة "الحراقة" وما نتج عنها من مآس وفقدان العشرات من الشباب في عرض البحر.. ومن أبرز هؤلاء مهدي مبروك وزير الثقافة في الحكومة الحالية، الذي حمل الحكومة مسؤولية حدوث فاجعة لامبدوزا الأخيرة التي راح ضحيتها العشرات من التونسيين. وأكد لدى مشاركته في مائدة مستديرة انعقدت أمس حول "فاجعة 6 7 سبتمبر في ضوء ملف الهجرة بين تونس وايطاليا" أن "الفاجعة لا تعفي مسؤولية الحكومة فيها إذا ما وقع تحليل الأسباب المباشرة". وقال: "من غير المعقول أن لا يقع بعد الثورة مراجعة الترسانة القانونية التي لم تتغير، كما لم يقع تنقيح وإعادة النظر في جملة الإتفاقيات مع أوروبا المتعلقة بالهجرة السرية إلى جانب أن المنوال التنموي والمقاربة الخصوصية المتعلقة بهذه الفئة المهمشة لم تتغير وبقيت الظاهرة على ماهي." وتابع مبروك -وهو عضو مؤسس للمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية :" الأمر الوحيد الذي تغير هو قدرة الناس على أن تتكلم سواء كانوا من المجتمع المدني أو من الأطراف الحكومية أو من ضحايا المفقودين أو غيرهم". وأضاف "لن تستطيع ترسانة القوانين والتشريعات وأنظمة المراقبة من أن تمنع الناس من السفر، "فمسؤولية الحكومة ثابتة في تقصيرها في استهدافها هذه الفئة من خلال توفير آليات وبرامج للحد من البطالة". شبكات تهريب وأكد مهدي مبروك، الذي حضر بصفته عضوا مؤسسا للمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية أنه "تم رفع ثلاثة مطالب وتوصيات رئيسية إلى الحكومة منذ ستة أشهر من انعقاد ندوة دولية بتونس حول الهجرة السرية أولها ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دائمة تتناول بكل استقلالية تحديد المسؤوليات سواء كانت الأطراف الإجتماعية أو شبكات التهريب. وأفاد أن بحوثا" أثبتت أن أطرافا رسمية متورطة من ذلك الأجهزة الأمنية". أما التوصية الثانية التي تم رفعها فتدعو إلى ضرورة إحداث مرصد وطني للوقاية وتفعيل آليات الرصد وتأسيس مجتمع مدني تشاركي مع جميع الأطراف بما فيها الحكومية للحد من هذه الظاهرة ومقاومتها" في حين تمثل المطلب الثالث في "بعث صندوق تعويض لضحايا الهجرة السرية ينشأ ضمن الصندوق الوطني للتشغيل أو أي صندوق آخر". وقال :"لا يمكن أن نفهم لماذا هذا التلكؤ في الإعلان عنها فلا وجود لأي مبرر أخلاقي أو إقتصادي أو إجتماعي لهذه المطالب" خاصة في ظل سياسية المقايضة التي تسلكها الدول الأوروبية التي طالبت تونس بأن تلعب دور شرطي الحدود مقابل تسهيلات في التأشيرة لفئات معينة من الشعب التونسي." وأكد مهدي مبروك خلال أشغال المائدة المستديرة أن "الحكومة ستواجه مفاوضات عسيرة مع الإتحاد الأوروبي حول الهجرة السرية في الأسبوع المقبل ببروكسال فهناك مقايضة واستفزاز للدولة التونسية". اعادة النظر في منوال التنمية وفي ذات السياق قالت أحلام بلحاج رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات "حلمنا أن تتغير الأوضاع لا أن تشمل الهجرة السرية النساء إلى جانب شبابنا وأطفالنا. ولاحظت أن المرأة أصبحت ترمي بنفسها إلى الحرقة والهجرة، فمن الضروري إعادة النظر في منوال التنمية الذي يجب أن يعطي اهتماما لهذه الفئة المهمشة إلى جانب مراجعة الإتفاقيات المبرمة مع الجانب الأوروبي وتتبع تعهداتهم التي وقعوها مع الجانب التونسي". وقالت :" من غير المعقول ان يعامل التونسي بعد الثورة بنفس الأسلوب والآليات، وهذا لا يتم الا بالبحث عن الحقيقة وطرح الإشكاليات الواقعية والمفسرة لهذه الظاهرة". مرصد للهجرة وقال مصطفى بن أحمد ممثل الاتحاد العام التونسي للشغل أن السؤال الجوهري الذي وجب طرحه هو: مستوى الحوار والتواصل مع هذه الفئات المهمشة والفقيرة؟. مضيفا أن الإتحاد بصدد إعداد مشروع لتأسيس شبكة نقابية للهجرة، داعيا الحكومة إلى دعم وتوفير التسهيلات للمجتمع المدني لتفعيل هذا المشروع باعتبار ان قضية الهجرة السرية هي بنفس قيمة مشكل التنمية والديمقراطية وتكريس مبادئ حقوق الإنسان. وقال :"هذه الفاجعة لم تكن الأولى ولكنها الأكثر تأثيرا، فالحوار كان منعدما ومفقودا وهذا بسبب تقصير جميع الأطراف بما فيهم مكونات المجتمع المدني والحكومة، فمن الضروري اتخاذ اجراءات عاجلة في هذه القضية لإيقاف هذا النزيف، من المهم أيضا أن نحقق في ظاهرة الشبكات المفيوزية." واستغرب بن احمد أن يلتقي العشرات من الحارقين ولأيام في نفس المكان ويغادرون ذاك المكان في تجمع كبير على مرئى ومسمع الجميع بما في ذلك رجال الأمن. كما نادى بضرورة لفت الإنتباه والتساؤل عن هوية الوافدين على تونس من الأفارقة في ظل غياب إطار قانوني حام لهم وللتراب التونسي. بدورها حمّلت سهام بن سدرين رئيسة مجلس الحريات الحكومة في هذه الفاجعة لأنها يجب أن تعمل على توفير مواطن الشغل بصفة تصاعدية للتخفيف من حدة البطالة بتوفير مناخ مناسب للإستثمار ولا يكون ذلك إلا باستتباب الأمن وبتكريس قضاء مستقل يحد من ظاهرة الرشوة والفساد وتطبيق القوانين. ولكن في نفس الوقت اكدت بن سدرين على أهمية "ان نكون واقعيين فلا يمكن تفعيل هذه الإجراءات على مدى قصير بما ان ظاهرة البطالة ظاهرة ضاغطة". كما تساءلت "هل التزمت أوروبا بمعاهداتها بخصوص الهجرة ابان الثورة فالموانع كانت سياسوية في ظل تنامي الخطاب العنصري" ودعت بن سدرين رئيس الحكومة إلى التشاور مع مكونات المجتمع المدني الفاعلة في هذا المجال لمده بمقترحات وحلول قبل التقائه بممثلي الإتحاد الأوروبي ببروكسال الأسبوع القادم.