أستاذ علم الاجتماع محمد الجويلي: العقد الاجتماعي ليس إنجازا تقنيا حكوميا بقدر ماهو إنجاز مجتمعي يتطلب حوارا مفتوحا - صرح خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية الخميس الفارط خلال ندوة صحفية أن فريق العمل الثلاثي الذي يشتغل على العقد الاجتماعي، المتكون من ممثلين عن الإتحاد العام التونسي للشغل، والحكومة والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة، قد اجتمع ثلاث مرات توصل خلالها إلى "ضبط المحاور الأساسية التي سيتطرق إليها هذا العقد وهي العلاقات المهنية والعمل اللائق، التغطية الإجتماعية، سياسات التشغيل والتكوين المهني بالإضافة إلى النمو الإقتصادي والتنمية الجهوية". وتم الإتفاق على أن "يعد كل طرف مشروع توطئة وورقات عمل حول المحاور الأساسية تتضمن الإشكاليات المطروحة والأهداف والتطلعات والإنتظارات" بالإضافة إلى"تكوين لجنة ثلاثية مصغرة لإعداد مشروع توطئة العقد الإجتماعي مع تكوين أربعة فرق فرعية ثلاثية للتعمق في دراسة مشاريع ورقات العمل الخاصة بكل محور وإعداد جداول مقارنة تتضمن نقاط الإلتقاط ونقاط الإختلاف التي تطرق إليها كل طرف دون الأطراف الأخرى". لا يخفى على أحد بأن المشهد اليومي التونسي، سواء كان على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، يتأرجح من فينة إلى أخرى بين الهدوء تارة والتشنج تارة أخرى، يبقى التوتر الحالة الغالبة عليه والصدمات الاجتماعية سيدة الموقف، إضرابات من جهة وإعتصامات من جهة أخرى، حرق ونهب زادت عليها التجاذبات السياسية وسلسلة الاستقالات الحزبية من هناك وهناك وغيرها من مظاهر وظواهر شابت المشهد اليومي للتونسي وغيرته، فما الحل حتى يتحقق السلم الاجتماعي ونضمن العبور من مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى مرحلة التأسيس الديمقراطي؟ هزات وأزمات تنوعت الاقتراحات والأطروحات، في هذا السياق، بدأت بالدعوة إلى حوار وطني ومنها إلى إبرام عقد اجتماعي بين مختلف الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المشهد اليومي التونسي، لكن يبقى الإشكال المطروح ماهي سبل تفعيل هذه المقترحات والأطروحات خاصة فيما يتعلق بالعقد الاجتماعي المنتظر تفعيله في غرة جانفي 2013 ؟ وهل يمكن القول بأن هذا المسار معطل بدوره؟ وأي دور يمكن للعقد الإجتماعي أن يلعبه في هذه الفترة الإنتقالية؟ وماهي الأطراف التي يجب أن تنخرط فيه؟ إشكاليات عدة مطروحة خاصة في هذه الفترة الحرجة من مسار ثورة 14 جانفي وقرب موعد 23 أكتوبر، هذه الإشكاليات لا تعد عقبة في نظر بعض الأطراف ومن الطبيعي أن تشوب أي فترة انتقالية وبعد أي ثورة هزات سياسية واجتماعية واقتصادية. فالمهم أولا وعلى حد تعبير الدكتور محمد الجويلي أستاذ علم اجتماع بجامعة تونس أن نفهم ما المقصود بالعقد الإجتماعي حيث أوضح أن "العقد الإجتماعي هو فكرة حديثة تأسست عليها مبادئ الدولة الأمة في أوروبا، والتعاقد الإجتماعي هو توافق بين الأفراد والجماعات على الخروج من حالة الفوضى أو حرب الكل ضد الكل كما يقولها توماس هوبز". العنف الشرعي للدولة أضاف الجويلي"يلتزم الأفراد في هذا العقد الإجتماعي بالتنازل عن جزء من حريتهم لفائدة جهاز يتولى تنظيم أمورهم ومن هنا نشأت فكرة العنف الشرعي للدولة" معقبا "لكن فكرة العقد الإجتماعي التي ظهرت في تلك المرحلة التاريخية في أوروبا تطورت لتظم مختلف الفاعلين في الشأن العام من أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات ومؤسسات إقتصادية وغيرها، إذن يتمثل التعاقد في هذه الحالة إلتزاما من الأفراد على تبادل المنافع دون أن يكون ذلك سببا في إلحاق الضرر بهم وكلما خفت درجة الضرر كلما كان العقد الإجتماعي قويا ومتماسكا" وبالعودة إلى الشأن التونسي قال الجويلي "منذ الإستقلال انبنى العقد الإجتماعي على فكرة بناء الدولة والمجتمع في مختلف الإتجاهات والمستويات وأصيب هذا العقد من تلك الفترة وإلى الآن بهزات وأزمات فعندما يُعبر أحد المتعاقدين عن رفضه وعدم رضاه فذلك يعني أن العقد حاد عن مساره فبقيت الدولة بأجهزتها الأمنية والإدارية والسياسية والإقتصادية هي المشرفة على العنف الإجتماعي بمنظورها الخاص دون الأخذ في الإعتبار بقية أطراف التعاقد". توافق وطني وبناء على ذلك إذا سحبنا هذا التوضيح على هذه الفترة الإنتقالية فيمكن إيجاد تفسير لجملة الإنتقادات الموجهة للأطراف المشاركة اليوم في صياغة العقد الإجتماعي، فكما جاء على لسان الدكتور محمد الجويلي "تعتبر الثورة في تونس علامة على انفراط العقد الإجتماعي لأنه لم يعد يُلبي حاجات المتعاقدين ولم تعد الدولة قادرة على حمايته، فنحن الآن في مرحلة بناء عقد اجتماعي جديد بموارد للشرعية جديدة ومختلفة عما وقع في بداية الإستقلال" وأضاف "نحن الآن أمام فاعلين يتفاوضون على بناء عقد اجتماعي جديد بلغة جديدة وبأفكار جديدة وتطلعات جديدة" مستطردا "إلا أنه من المنتظر أن يجد هؤلاء السياسيين والإجتماعيين والإقتصاديين صعوبة في إنجاح عملية التفاوض من أجل التوافق". وبالتالي من الخطأ حسب الجويلي "حصر بناء العقد الإجتماعي في ثلاثة أطراف لأنها ليست الوحيدة الفاعلة في المجتمع ولأن البعد الثقافي مثلا هو أحد مكونات المجتمع فلابد أن يمر بناء العقد الإجتماعي بتشريك كل الأطراف الممكنة ضمن حوار مفتوح نجد للمحلي فيه حضورا وفاعلية، فمسألة العقد الإجتماعي ليست مسألة تقنية تُصاغ في المكاتب بل هو توافق وطني حضاري لبلورة نموذج مجتمعي وفكرة حول مجتمع يتعايش داخله الجميع بشروط معينة مبنية على الديمقراطية والحرية والحوار، فهو ليس انجازا حكوميا بقدر ماهو انجاز مجتمعي". نموذج مجتمعي في ذات السياق يعتبر فتحي الخميري عضو الإتحاد الجهوي لإتحاد عمال تونس أن العقد الاجتماعي هو اتفاق أخلاقي بين مختلف المتدخلين في العمل الإجتماعي من رجال أعمال وعمال ومشرعين وغيرهم، وبالتالي "لا يمكن أن يكون عقدا إلزاميا باعتبار أننا نعيش يوميا متغيرات اجتماعية واقتصادية على المستوى المحلي والدولي، وهذا المشروع الأخلاقي يجب أن تتفق عليه جميع الأطراف المتدخلة وتشريك جميع ممثلي النقابات الموجودة على الساحة في إطار العمل الديمقراطي الذي من خصائصه احترام التعددية النقابية وهو ما لم يقع تنفيذه على أرض الواقع". وأضاف الخميري "اتحاد عمال تونس في حلّ عن العقد الإجتماعي باعتباره وسيلة تقييدية تحد من قدرة النقابات على الحراك الإجتماعي والدفاع عن مطالبها" مبينا أنه "مسؤولية الحد من الإحتقان لا تحل بعقد اجتماعي بل بحلول فعلية وجذرية تقدمها الحكومة لفض الإشكاليات الشغلية والإجتماعية". العقد ضروري بدوره أكد حبيب قيزة أمين عام الجامعة التونسية للشغل أنه من "الضروري وجود عقد اجتماعي لأن كل الحوارات والنقاشات سيطر عليها البعد السياسي في حين أن البعد الإجتماعي والإقتصادي غاب نسبيا عن المشهد التونسي" معقبا "لكن من الضروري أن نفهم ونعرف من سيقوم ويشارك في بلورة هذا العقد باعتباره يهم كل الفاعلين الإجتماعيين فيستغرب بالتالي أن تأتي المبادرة من قبل وزارة الشؤون الإجتماعية التي قد يراد من ورائها شل كل التحركات الإجتماعية وتهميش التعددية النقابية وهو ما لا يتماشى مع ماهو مقصود من ابرام عقد اجتماعي." لاحظ :" هذا الأمر لا يتماشى أيضا مع المرحلة الجديدة من حيث التمثيلية التي تشتغل اليوم على بلورة هذا المشروع والتي تعد تمثيلية كلاسيكية في مرحلة انتقال ديمقراطي تأسست بعد ثورة، فالسؤال المطروح هل من المعقول أن يقع إقصاء شركاء اجتماعيين وفاعلين من عملية إعداد وصياغة المحتوى التي تنجز اليوم في اجتماعات مغلقة؟ ".