مازال الناقد ابو زيان السعدي يرقد على فراش المرض ومازال مقعده فارغا في الجلسات الأدبية وفي الملتقيات والندوات الثقافية والأمسيات الشعرية وفي مقهاه ومازال الأدباء على عادتهم يقصرون في حق بعضهم البعض ويحرمون أنفسهم من جلسة طريفة وثرية لما علم عن ابي زيان من لطف المعشر وسرعة النكتة -وان كانت في أغلبها ساخرة ولاذعة - وثراء المجلس. نقول هذا رغم علمنا بتلك الزيارة التي أداها له رئيس اتحاد الكتاب التونسيين في أواخر سبتمبر الماضي والبعض من المقربين منه. و أبو زيان السعدي لمن يحلو لهم ان يغيبوه في هذه الفترة بالذات او لمن يشككون في أهمية مشاركته في إثراء المكتبة التونسية والعربية بإنتاجه النقدي او يتلكؤون في منحه الرعاية التي يستحقها والتكفل بمصاريف علاجه ناقد كبير تفتخر به تونس وهو من مواليد معتمدية حاجب العيون بولاية القيروان كان قبل حصوله على التقاعد أستاذ تعليم ثانوي درس في القاهرة وتحصّل فيها على الإجازة في اللغة والآداب العربية . وتربع على عرش النقد في تونس منذ بدأ يكتب أي في نهاية خمسينات القرن الماضي و بمشهدنا ولا تراه في مستوى ان يدرس او ان يحظى بالدراسة والتحليل والنقد . ناضل ابو زيان السعدي كثيرا من اجل حركة أدبية تونسية تضاهي الحركات في البلدان العربية ومن اجل أدب تونسي حقيقي وذلك منذ سبعينات القرن الماضي حيث سخر قلمه عبر مقالاته النقدية في اغلب الصحف العربية والتونسية ومن بينها جريدة الصباح و صفحات الملحق الثقافي لجريدة العمل لخدمة الأدب التونسي وولج عوالم لم يسع لها الأساتذة الجامعيون الذين ظلوا ولسنوات عديدة لا يحفلون بالأدب التونسي ولا يتناولونه بالنقد ولا يطالبون حتى برمجته ليدرّس في الجامعة التونسية . وقد خاض ابو زيان السعدي صراعا مع الأكاديميين حول مقاييس النقد الأدبي حيث يرى الأكاديميون ان النقد يجب ان يخضع لمقاييس محددة، كالمنهج والإحالة على المصادر والمراجع والاقتصاد في إصدار أحكام القيمة مما باعد بينهم وبين الحياة الأدبية العامة. ويرى هو أنه يكتب للرأي العام المثقف، أي المختصين وغير المختصين، ويسعى إلى تبليغ صوته بوسائل الإعلام المقروءة مثل الصحيفة اليومية والأسبوعية والمجلات الشهرية، وهي جميعاً تتطلب مستوى معينا في الخطاب والصياغة يراعي المستويات المختلفة للجمهور المثقف الذي يرتفع عدده بارتفاع عدد المقالات وقدرته على فهمها واستيعابها . اعتنى ابو زيان السعدي بالأدب التونسي وتابع بالنقد كل كبيرة وصغيرة تصدر وخاض المعارك الأدبية وخرج من اغلبها منتصرا سادّا بذلك المنافذ على الدخلاء على الإبداع حتى ان البعض كانوا يهابونه ويقرؤون لتدخلاته ألف حساب وقد وأثرى المكتبة التونسية والعربية بكتبه النقدية القيمة وهي: "مواقف فكرية معاصرة" ( مقالات صحفية ) تونس 1985و"نقد وتأصيل" ( مقالات صحفية ) دار المعارف ، سوسة ، 1987 "من أدب الرواية في تونس" ( مجموعة مقالات صحفية )، الشركة التونسية للتوزيع ، تونس 1988 و"في الأدب التونسي المعاصر" و"أضواء على الأدب التونسي" و"الصورة والأصل" كما كتب حول أدباء تونس، مثل الصادق بسيس وعثمان الكعاك، وأبي القاسم الشابي، والفاضل بن عاشور. يمر ابو زيان السعدي اليوم بوضع صحي حرج ويحتاج لان نرد له الجميل وهو حي يرزق إذ لن يفيده تكريم يدخل في خانة "عاش يتمنى في عنبة مات علقولو عنقود" على رأي علي الدوعاجي. ابو زيان السعدي الذي لن يشغل كرسيه في مقهاه احد ولن يملأ الفراغ الذي يتركه اليوم مبدع يستحق الزيارة والورود.