رغم مرور قرابة العامين على ثورة الكرامة والحرية، إلا أن الظروف التي يمر بها القطاع الإعلامي في تونس، لا تشرف صورة تونس ما بعد الثورة خاصة في الفترة الإنتقالية الثانية التي أتت بعد انتخابات المجلس التأسيسي التي أتت بسلطات جديدة للبلاد كان من بين أكبر أهدافها القيام بعملية تحديث لمؤسسات الدولة وتدعيم أسس الديمقراطية في البلاد، والتي من أعمدتها القضاء والإعلام، واللذين لا بد أن يحررا للمضي نحو القيام بواجبهما في الكشف عن الحقائق والمحاسبة. رغم هذا فإن الذي حصل في تونس لا يرقى لهذه النظرة الوردية التي سرعان ما خابت بعد أن تعددت الإعتداءات على الصحافيين والسعي الحكومي لحكومة "الترويكا" لوضع اليد على الإعلام وتوظيفه لصالح أجندة سياسية معينة، مما اضطر الإعلاميين لاضراب عام. ولعل ما تناوله التقرير السنوي الأخير والذي قدمته نقابة الصحفيين التونسيين والذي رصدت فيه الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون في الفترة المتراوحة بين 3 ماي 2011 و30 ماي 2012 والتي استهدفت حرية الصحافة، يعتبر وثيقة تعبر عن هذا الحال المتدهور والذي لا يخدم أهداف الثورة، فيما أحصت منظمة "مراسلون بلا حدود" 130 اعتداء منذ بداية 2012. إذ عاينت النقابة وجود أكثر من 60 إعتداء مادي ضد الصحافين صادرة عن مؤسسات امنية ورجال السياسة ومن قبل المواطنيين وانصار المجموعات السياسية في محاولة للضغط وتركيع الاعلام. وذكر التقرير ان اعتداءات المؤسسة الامنية بالزي النظامي والمدني التي طالت مجموعة من الصحفيين بشكل وحشي بلغ اكثر من 30 اعتداء. كما قام اعوان الامن باعتداءات بالعنف اللفظي والمادي والمعنوي مع التلفظ بعبارات نابية وسب الجلالة تجاه الصحفيين خلال تغطيتهم لاحداث القصبة 3 يوم 15 جويلية 2011 وذلك رغم استظهارهم ببطاقات مهنية وارتداء البعض الاخر للصدريات الخاصة بالصحفيين. وكان آخرها اعتداءات بالعنف الشديد والشتم من قبل الاعوان ومن ميلشيات تناصر حركة النهضة وتنشط ضمن رابطات حماية الثورة يوم المظاهرة الاحتفالية بمناسبة عيد الشهداء 9 افريل في شارع الحبيب بورقيبة وفي الانهج المتفرعة ويوم 14 افريل 2012 حيث تعرض زهيرالزويدي للاعتداء بالعنف المادي واللفظي وتهديد بالتحرش الجنسي في منطقة الملاحة بمدينة رادس عند تغطيته الاحتجاجات التي تلت الاعلان عن نتائج مناظرة خارجية لانتداب العمال. وشملت الاعتداءات التي طالت الصحفيين الى جانب المؤسسة الامنية رجال السياسة حيث سجل التقرير وجود اكثر من 15 اعتداء كان من بينها محاولة اقتحام المقر الادراي لقناة نسمة يوم 9 اكتوبر 2011 والشروع في تخريب منزل مدير القناة بعد بثها الشريط الكرتوني"برسيبوليس" من طرف مجموعات المتشددة دينيا اضافة الى تهديد الدكتورة اقبال الغربي وترهيبها واخراجها باستعمال القوة من مقر اذاعة الزيتونة يوم 18 نوفمبر 2011 من قبل المتشديدين. كما تم التهجم على مراسل قناة الجزيرة ومنعه من تغطية التظاهرة التي نظمتها جمعية احياء الفكر البورقيبي يوم 24 مارس 2012 بالمنستير حيث عمد بعض الحضور الى الاعتداء عليه وطرده من القاعة. واشار التقرير ايضا الى ان حملة الضغط على الصحافيين متواصلة قصد الضغط على الخط التحريري وتوجيهه وفق الرؤية السياسية للحكومة التي ما انفكت منذ انتخابها تشن حملة ضد الاعلام والاعلاميين الذين يواصلون الصمود والاصرار على عدم العودة الى "البروباقندا" وتلميع صورة الحاكم. وكانت نقطة البداية لهذه الحملة حسب التقرير مع تصريحات حمادي الجبالي رئيس الحكومة على مواجات الاذاعة الوطنية بتاريخ 19 ديسمبر2011 بعد قوله ان المؤسسات الاعلامية الان لا تعبر على الارادة الشعبية.ثم تتالت بعد ذلك تصريحات مسؤولين سياسيين اغلبهم من حركة النهضة وحزب المؤتمر التي نعتت الاعلام بالعار وغير المحايد وغير المهني.. بالاضافة الى الانتهاكات المسجلة ضد الصحفيين رصدت النقابة ايضا حالات من الاعتداءات الفردية وصلت حد القضاء بينها محاكمة غسان القصيبي من قبل احد رجال الاعمال بدعوى ترويج اخبار زائفة وقد برأته المحكمة من هذه التهمة وقضية جريدة التونسية على اثر نشر الجريدة صورة عارضة ازياء شبه عارية بتاريخ 15 فيفري 2012 وتم ايقاف مدير الجريدة قبل ان يتم محاكمته طبقا للقانون الجزائي ذي الطابع الزجري وليس على اساس قانون الصحافة الجديد رغم دخول هذا القانون حيز التنفيذ. كما اوضح التقرير ان الاعلاميين يتعرضون الى حملات من التشهير والثلب والسب والتشكيك في مصدقيتهم وفي حريفيتهم على الموقع الاجتماعي "الفايس بوك". من جهتها أحصت منظمة "مراسلون بلا حدود" 130 اعتداء على حرية الصحافة في تونس منذ بداية 2012. وقالت أوليفيا جراي، مديرة مكتب المنظمة في تونس، في مؤتمر صحفي " أحصينا 130 اعتداء على حرية الصحافة بمعدل اعتداء على 3 صحفيين كل أسبوع". وكان كريستوف دلوار المدير العام للمنظمة أعرب أيضا عن قلقه إزاء وضع الصحافة في هذا البلد الذي قال إن "التعددية" الإعلامية فيه باتت "مهددة". حيث تعرض فريق قناة الحوار التونسي وهو يؤدي واجبه المهني والتغطية الإعلامية بمعتمدية جبنيانة من ولاية صفاقس إلى الاعتداء. ومن بين الاعتداءات التي استهدفت الصحفيين التونسيين الاعتداء الذي تعرض له سليم بوخذير وهو صحفي مستقل سبق للسلطات أن زجت به في السجن بسبب ما كتبه من مقالات تنتقد الحكومة فقد استوقفه في الطريق العام خمسة رجال يرتدون ثياباً مدنية، وأجبروه على ركوب سيارة كما أجبروه على إغلاق عينيه، وأوسعوه ضرباً وشتماً ثم أوقفوا السيارة، وألقوا به خارجها، ثم انهالوا عليه ركلاً ولكماً حتى فقد الوعي، وقبل أن يغيب عن الوعي، لوّح أحد المهاجمين بسكين، وهدد بطعنه بها. وجرده المعتدون من ثيابه، وهاتفه المحمول، وما كان في حوزته من وثائق الهوية والمال، ومفاتيح منزله ويبدو أنهم فعلوا ذلك للإيهام بأنه وقع ضحية لاعتداء جنائي عادي وقبل اختطافه والاعتداء عليه بساعتين، كان سليم بوخذير قد أدلى بحديث لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، انتقد فيه غياب حرية الصحافة في تونس. كما تعرضت منذ بضعة أشهر الصحفيتين سناء فرحات من صحيفة '"لوطون" اليومية الناطقة بالفرنسية ومها ولهازي الكاتبة في موقع الإنترنت الأخباري "ويب مانيجر سنتر" لاعتداء من قبل عناصر شرطة يرتدون ملابس مدنية بينما كانتا تغطيان تظاهرة أمام وزارة التعليم العالي،حيث قام عناصر الأمن بجر سناء فرحات من شعرها على الأرض وصادروا بطاقتها الصحفية والكاميرا التي كانت بحوزتها كما قاموا بتحطيم الكاميرا التي كانت بحوزة مها ولهازي. كما تعرض في وقت سابق الصحفيان زهير الزويدي وأيمن الرزقي (عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين) إلى الاعتداء بالعنف الشّديد من طرف قوات الأمن وذلك يوم السبت 25 فيفري 2012 في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة بينما كانا يقومان بواجبهما المهني في تغطية المسيرة التي انتظمت بدعوى من الاتحاد العام التونسي للشغل وقد واصل أعوان الأمن تعنيفهما رغما استظهارهما ببطاقتهما الصحفية. خلال سنة 2012 شهدت المحاكم التونسية عديد المحاكمات التي كان فيها الصحفيون متهمين وعلى سبيل الذكر محاكمة نصر الدين بن سعيدة مدير جريدة "التونسية" اثر نشر صورة للاعب ريال مدريد سامي خضيرة مع عارضة ازياء عارية تحت عنوان "هذ الصورة التي هزت اسبانيا" . كما حوكم الصحفي شاكر بسباس بتهمة مخالفة قرار تحجير التصوير داخل جلسات المحكمة خلال تغطيته لجلسة المحاكمة في قضية "نسمة" في جانفي 2012. كما تعرض مؤخرا 3صحفيين باذاعة "موزاييك اف ام" الى الاعتداء من طرف متظاهرين أمام السفارة الأمريكية والى سرقة تجهيزاتهم وذلك خلال تغطيتهم للأحداث وهم الاذاعي والصحفي محمد علي السويسي والصحفيان بقسم الواب هاشم لعماري وكريم وناس.