◄ ورقة عمل لرؤساء الكتل السياسية داخل المجلس الوطني التأسيسي بقلم: محجوب لطفي بلهادي - عندما ينسدّ أمامك الأفق وتوصد في وجهك جميع الأبواب عليك فقط باستحضار كوابيس يوم 23 أكتوبر المنقضي.. وصفة سحرية أثبتت نجاعتها.. كيف لا، وهي قد تمكنت بقدر كبير من النجاح في استنهاض الجانب الأصمّ/الأخرس الكامن داخل "نخبنا" السياسية للبحث عن نهاية النفق.. فمن بركاتها المؤكدة أصبح لدينا أخيرا تصوّرا للائتلاف الحاكم للاستحقاقات الانتخابية القادمة ومواعيد تنظيمها.. مبادرة قوبلت كالمعتاد بالرفض "البافلوفى" من الضفة الأخرى دون تقديم مشروع بديل عملا بالقاعدة الديكارتية المحرّفة "أنا أرفض ثم أرفض.. إذا أنا موجود" وكردّ فعل عن تمسّك الطرف الآخر بتكرار عبارات "أنا شرعي.. أنا شرعي.. فأنا حتما موجود".. يتطلع اليوم العديد منا إلى معرفة تواريخ مدققة للاستحقاقات الانتخابية القادمة أكثر من التطرق بالقدر الكافي للجوانب المحيطة بالعملية الانتخابية ذاتها.. إلى المنهاج العام في اعتماد تاريخ ما واستبعاد آخر وفق مقاربة مركّبة ومعقدة ثلاثية الأضلاع يمكن توصيفها بالمثلث الانتخابي.. فإجراء انتخابات في تاريخ ما "نقطة أ" يتم وجوبا من خلال إدراك جيّد للتواصل المنطقي بين مختلف الحلقات الانتخابية القادمة.. فالنقطة "أ" تحتم علينا المرور بالنقاط التالية والمتفرعة عنها: وهي النقاط "م" و"ه" ونعني بهما الإسراع بإعداد المجلة الانتخابية وإحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات والنقطة "ق" ونعني بها الهيئة الوقتية للقضاء المستقل والنقطة "ع" ونعني التفعيل الملموس للمراسيم 115 و116 المتصلة بالإعلام والنقطة "ح" وتعني حياد الإدارة وأخيرا النقطة الحاسمة "د" وهو الدستور وكل هذه النقاط تتطلب وجوبا مدة زمنية لتكون جاهزة وفاعلة.. وأن نعي أيضا أن جميع هذه الحلقات المتتابعة والمتداخلة فيما بينها تحتاج إلى خارطة انتخابية قادرة على خلق أفضل ملاءمة مع خصوصيات روزنامة 2013 وضغوطاتها المتعددة. لكن ماذا نعني بالتحديد بالمثلث الانتخابي؟ تتجاوز عملية الانتخاب بكثير مجرّد إعداد لصناديق شفافة وفتحا لمكاتب الاقتراع وفرزا وإعلانا للنتائج.. فهي في العمق مسار معقد متعدد المراحل يتحرك ضمن مثلث انتخابي تتشكّل قاعدته من بيئة انتخابية سليمة كفيلة بتحقيق انتخابات حرة ونزيهة ويتألف ضلعاه من الضغوطات المتأتية من الروزنامة من جهة ومن فهم استباقي للمخاطر الممكنة التي تحفّ بالمسار الانتخابي من جهة ثانية. أ- البيئة الانتخابية (قاعدة المثلث): قبل الكشف عن مختلف عناصر البيئة الانتخابية يتعيّن التذكير بمجموعة من "المسلمات الانتخابية"، بمعنى التداول وليس اليقين، في التجارب الانتخابية المقارنة: يتمّ اعتماد يوم الأحد كيوم انتخابي بامتياز باعتباره يوم عطلة شبه كوني يمكّن "الجسم الانتخابي" المتنوّع من المشاركة بحظوظ متساوية. يفهم من السنة الانتخابية تلك التي تنطلق من غرة جانفى إلى 31 ديسمبر، بمعنى أدق أنه من الممكن والمتاح عمليا إجراء الانتخابات يوم 31 ديسمبر إن صادف يوم أحد. يتمّ ضبط تاريخ الانتخابات وفق معايير تقنية/براغماتية بعيدة عن التقويمات الزمنية الحزبية الضيقة. تعدّ الأشهر الخمسة الأولى من كلّ سنة الفترة المثالية لتنظيم العملية الانتخابية نظرا للمنسوب العادي للضغوطات المتأتية من الروزنامة. اعتبارا للمستوى الجنيني للممارسة والثقافة الانتخابية في بلادنا واستئناسا بالعرف الانتخابي الأكثر تداول في التجارب الانتخابية المقارنة يتوجّب الاشتغال على قاعدة الفصل الكامل بين موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي -بدورتين- وتاريخ الانتخابات التشريعية مما يمكّن الناخبين من مساحة زمنية ضرورية لاستعادة حالة الصفاء الذهني/الانتخابي والتوجّه مجدّدا لصناديق الاقتراع دون تشويش أو خلط.. بالعودة إلى العناصر الكفيلة بخلق بيئة انتخابية سليمة مطابقة للمعايير الدولية ولخصوصيات مراحل الانتقال الديمقراطي نجد وجوبا: أ- العنصر المؤسساتي: الإسراع بإحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات طبقا للمواصفات العامة -الهيكلية والوظيفية- للهيئة السابقة لكن بنسخة متطورة تقطع مع الثغرات النوعية التي عرفتها التجربة الانتخابية المنقضية وبتركيبة لا تخضع لمنطق المحاصصة الحزبية. الإسراع بإحداث هيئة وقتية مستقلة للقضاء وفق المعايير الدولية في اجل أقصاه موفى السنة الحالية. التفعيل الفعلي والجدّي للمراسيم 115 و116 وما يستوجبه ذلك من تركيز هيئة تعديلية مستقلة للإعلام السمعي/البصرى في أجل أقصاه نهاية هذه السنة. ب- العنصر التشريعي: إعداد مجلة انتخابية بروح تشريعية طموحة وجريئة تعمل على تحقيق أوسع تمثيل للطيف السياسي وقادرة بمفردات القانون الواضحة أن تتصدى لجميع الخروقات التي شابت الانتخابات السابقة ذات العلاقة بتمويل الحملات الانتخابية والإشهار الانتخابي. تمكين دائرة المحاسبة من صلاحيات رقابية أوسع تمكّنها من تموقع أفضل داخل المنظومة الانتخابية دون تداخل مع اختصاصات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. ج- عنصر حياد الإدارة: اتخاذ إجراءات حاسمة في اتجاه تحقيق تحييد فعلي للإدارة وفق سيناريوهات متعددة منها: التوافق على تعيين شخصيات مستقلة لتولي الحقائب السيادية. إن تعذر ذلك يمكن التفكير جديا في اتجاه توسيع نطاق النفوذ الرقابي الانتخابي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات باستحداث آليات رقابية "سيادية/زجرية" لهياكل الهيئة المركزية والفرعية بالداخل والخارج على وجه الخصوص تخوّل لها: سلطة تقديرية واسعة تبلغ حدود اتخاذ قرار تعليق المسار الانتخابي إن ثبت لديها أن حجم الخروقات بلغ مستويات خطيرة من شأنه أن يغيّر النتائج الانتخابية لصالح هذا الطرف أو ذاك.. حق استبعاد أي طرف إداري عن المسار الانتخابي إن ثبت خرقه لمبدإ وجوب حياد الإدارة وملاحقته قضائيا.. ثانيا - ضغوطات الروزنامة (الضلع -أ- من المثلث): يمكن اختزالها في مجموعة المحطات والمناسبات الهامة ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والديني الخ.. والتي تشكّل مانعا جديا لإجراء انتخابات في ظروف عادية أبرزها: الضغوطات ذات الطابع السوسيو/ثقافي: شهر رمضان والأعياد الدينية، افتتاح واختتام السنة الدراسية والجامعية، المهرجانات الثقافية.. الضغوطات ذات الطابع الاقتصادي/المالي: المواسم الفلاحية، الموسم السياحي، إعداد الميزانية العامة للدولة.. ثالثا - المخاطر الممكنة (الضلع -ب- من المثلث): مخاطر عديدة ومتعددة لا يمكن حصرها من شأنها أن تؤثر سلبا عن أيّ تحديد مدقق للمواعيد الانتخابية المقبلة إن لم يتمّ وضعها تحت السيطرة منها: المتغيرات الجيو/إستراتيجية للقوى الدولية المؤثرة. تفاقم منسوب الاحتقان العام وبلوغه مستويات خطيرة. عدم التمكن من السيطرة بالقدر الكافي على الجماعات المتشددة/العنيفة. استخدام مسار العدالة الانتقالية كورقة ضغط لتحقيق مكاسب انتخابية. التقويم الحزبي الضيق لتواريخ الاستحقاقات الانتخابية القادمة. الفرضيات المتاحة: قبل الانطلاق في عرض مختلف الفرضيات الانتخابية المتاحة تقتضي الإشارة بداية إلى أن جميعها صيغت بناء على مقدمة بديهية أوّلية دونها يستحيل حتى مجرد التفكير في انتخابات وهي أنّ يكون الوضع الأمني عادي تحت السيطرة.. وأنّ الفرضية الأقرب للتحقق والممكنة عمليا لتنظيم انتخابات هي تلك التي تستوفي مختلف الشروط التالية: الموافقة على الدستور في أجل أقصاه موفى مارس 2013. انطلاق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في العمل في أجل أقصاه غرة جانفي المقبل.. مدة ستة أشهر تعد كافية لتنظيم الانتخابات القادمة شريطة أن توفق الهيئة الجديدة في الاستفادة من المراكمات الايجابية التنظيمية واللوجستية للهيئة السابقة. بيئة انتخابية مستكملة العناصر أو في طور الاستكمال النهائي. أدنى قدر ممكن من ضغوطات الروزنامة. منسوب عادي من المخاطر الممكنة: مخاطر تحت السيطرة. أ / الفرضية الأولى: إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية ثم التشريعية في السداسي الأول من سنة 2013. المساحة الزمنية المرجع: من غرة جانفي إلى موفى جوان 2013. * البيئة الانتخابية: في طور الاستكمال * ضغوطات الروزنامة: السوسيو/ثقافية: مكثفة جدا (انطلاق موسم الحصاد الفلاحي، انطلاق الموسم السياحي، فترة الامتحانات الدراسية والجامعية). الاقتصادية/المالية: مكثفة (الانطلاق في إعداد ميزانية 2014). * مستوى المخاطر الممكنة: تحت السيطرة * احتمالية إجراء الانتخابات في السداسي الأول: متدنية ب/ الفرضية الثانية: إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية ثم التشريعية في السداسية الثانية من سنة 2013 وفق التقسيم التالي: 1- المساحة الزمنية المرجع: من 1جويلية إلى 19 أكتوبر 2013. * البيئة الانتخابية: مستكملة بالقدر الأدنى * ضغوطات الروزنامة: - السوسيو/ثقافية: مكثفة جدا (حلول شهر رمضان، عيد الفطر، ذروة المهرجانات الثقافية، العودة المدرسية والجامعية، عيد الأضحى). - الاقتصادية/المالية: مكثفة (إعداد الميزانية العامة للدولة) * مستوى المخاطر الممكنة: تحت السيطرة * احتمالية إجراء الانتخابات في غضون هذه الفترة: متدنية 2- المساحة الزمنية المرجع: - من 20 أكتوبر إلى 31 ديسمبر2013- * البيئة الانتخابية: مستكملة بالقدر الكافي * ضغوطات الروزنامة: السوسيو/ثقافية : منسوب عادي الاقتصادية/المالية: كثافة نسبية (نسق حثيث لعرض قانون المالية 2014 للمصادقة). * مستوى المخاطر الممكنة: تحت السيطرة * احتمالية إجراء الانتخابات في هذه الفترة: مرتفعة
ج/ الفرضية الثالثة: إجراء الانتخابات بعد سنة 2013 الانزلاق نحو المجهول عندما تتعدّد فرص إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في مطلع السنة القادمة وتهدر الواحدة تلو الأخرى بطريقة يصعب تفهمها لن يبقى لنا العديد من الخيارات سوى استحضار وصفة 23 أكتوبر السحرية مجدّدا علها تجنبنا الوقوع في غياهب "مثلث برمودا" دون رجعة.