تحتل ولاية القصرين المرتبة الثانية من حيث اتساع المساحة المترامية الأطراف وبعد معتمدياتها عن بعضها إذ تصل المسافة في بعض الأحيان إلى أكثر من 150 كلم ( بين حيدرة وماجل بالعباس وهذه الأخيرة والعيون وجدليان) وتتميز أغلب تضاريسها بطغيان المرتفعات والأودية عليها مما يجعل العيش فيها أكثر صعوبة ويعيق تزويدها بالمرافق الأساسية وخاصة الماء والكهرباء لان تكاليفهما مرتفعة جدا مقارنة بالمناطق الأخرى .. ولكل هذه العوامل فان اغلب القرى والتجمعات السكنية الريفية بالولاية يعيش متساكنوها في ظروف صعبة جدا.. و قد زارت " الصباح " إحدى هذه المناطق الواقعة شمال غرب الجهة وهي قرية " الأجرد " .. ظلم التاريخ والجغرافيا في منطقة جبلية وعرة بين مدينتي فوسانة وحيدرة وغير بعيد عن الحدود التونسية الجزائرية تقع قرية " الأجرد " التي لم تكفها قساوة الجغرافيا والبرد القارس طوال أشهر الشتاء فقد زاد النظام البائد معاناة أهلها بتجاهله التام لها وتهميشها إلى أن أصبحت من أكثر مناطق ولاية القصرين حرمانا وخصاصة .. والزائر لها لا يجد صعوبة في اكتشاف ما يعيشها أهلها من فقر وصعوبات تهد الجبال المحيطة بها لكنهم يواجهونها بصبر وأناة في انتظار أن تنفرج الأوضاع قريبا .. فاغلب مساكن القرية بدائية وجدرانها مشققة وآيلة للسقوط وتتسرب لها المياه كلما نزلت الأمطار أو الثلوج مثل منزل هيكل منصري وهو عاطل عن العمل لديه 3 أبناء لا يملك من الأثاث شيئا باستثناء بعض الأغطية والافرشة البالية .. أما جارته الوازنة بنت الطيب العبيدي (55 سنة) فهي تقيم بمسكن مبني بالطوب وسقفه من خشب هذه المرأة ليس لها احد يكفلها ولولا مساعدات الأجوار والأقارب لما وجدت حتى ما تسد به رمقها وغيرها في القرية كثيرون.. 7 كلم للوصول إلى المدرسة مدرسة القرية لا تتوفر على المرافق المطلوبة ومعلموها وتلاميذتها يعانون يوميا عراقيل عديدة وخاصة انعدام الماء وهم يتألمون من البرد الشديد (رغم أن الشتاء لم يحط رحاله بعد) ويتعبون من الرطوبة في الأقسام نتيجة قلة الصيانة وقدم البناية. أما تلاميذ المناطق المحيطة بالقرية مثل "الطباقة" و "بوعنز " و "دوار الشوايبية" فإنهم يقطعون يوميا 7 كلم للوصول إلى المدرسة وسط غابات ومرتفعات تكثر فيها الحيوانات وخاصة الخنازير والذئاب والثعالب مما يعرضهم إلى خطر داهم وأغلب الأولياء يخصصون وقتا كبيرا لإيصالهم ثم العودة بهم حفاظا على حياة فلذات أكبادهم.. 15 ساعة للدراسة في حيدرة أما التلاميذ الذين ينجحون في الارتقاء إلى المرحلتين الإعدادية والثانوية فان معاناتهم تتضاعف عدة مرات بما أنهم يصبحون مطالبين بالنهوض في الساعة الخامسة صباحا للتحول على متن حافلة النقل المدرسي التي تغادر القرية في السادسة والنصف لإيصالهم إلى معهد حيدرة على بعد حوالي 25 كلم ويقضون كامل اليوم هناك ولا يعودون إلا في الساعة الثامنة ليلا تقريبا أي أنهم يبقون حوالي 15 ساعة في اليوم بعيدا عن منازلهم ولا يعودون إلا في بداية الليل منهكين فلا يجدون أي وقت لمراجعة دروسهم .. ثروة منجمية وتعيش القرية على النشاط الفلاحي التقليدي وتربية الماشية ويطالب سكانها بمساعدتهم على تطوير فلاحتهم وبعث موارد رزق لشبابها العاطل خاصة إنها تحتوي على ثروة كبيرة من الرصاص وحجارة " الباريت " وكان فيها منجم أغلق منذ سنوات لاستخراج الرصاص يمكن إعادة فتحه لاستثمار هذه المادة وتوفير بعض مواطن الشغل .. واستغلال صخور " الباريت" وهي حجارة رمادية ثقيلة تستعمل في بعض المجالات الصناعية وتتوفر بكثرة في مرتفعات المنطقة وقد تعرضت خلال العهد البائد إلى النهب بطريقة غير قانونية من طرف بعض المقربين من النظام السابق حسب ما أكده لنا بعض أبناء القرية .. كما أن القرية تحيط بها مساحات كبيرة من الغابات تستغل في تقطير الإكليل وجني " الزقوقو " عن طريق أطراف من خارج المنطقة يفوزون بصفقاتها اثر "بتات عمومية " لا تتوفر فيها الشفافية المطلوبة ويشتغل فيها بصفة موسمية بعض أبناء القرية من النساء والرجال مقابل أجور زهيدة.. ومن الأولويات التي يطالب بها متساكنو " الأجرد " تزويدهم بالماء الصالح للشراب وتحسين الطريق المؤدية إلى حيدرة وفوسانة وتهيئة عديد المسالك الفلاحية المتفرعة عنها والتي لم تعد صالحة إلا لتنقل الجرارات .. كما أن فلاحي المنطقة وكلهم من ذوي الإمكانيات المحدودة يتطلعون الى مساعدتهم بالبذور والمشاتل وحفر بئر عميقة تساعدهم على تحويل فلاحتهم البعلية إلى سقوية لان أراضيهم خصبة وقادرة على تحقيق إنتاج وفير.