إن فوز باراك أوباما بفترة رئاسية ثانية بعد انتصاره على خصمه الجمهوري ميت رومني في الإنتخابات الأمريكية التي أعلن عن نتائجها في ساعة مبكرة من صباح أمس 7 نوفمبر الجاري وإذ يؤكد ثقة الأمريكيين في رئيسهم ومراهنته عليه لأربع سنوات قادمة لقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية فإنه يعني للملاحظ الأجنبي أكثر من مجرد حدث سياسي هام في دولة في حجم الولاياتالمتحدةالأمريكية. إنه لحظة مهمة في تاريخ البشر ككل. فباراك أوباما الذي ينحدر من أصول افريقية وهو يفوز في هذه الإنتخابات للمرة الثانية على التوالي رغم المنافسة الشديدة ورغم الإنتقادات اللاذعة التي وجهت إليه ورغم التشكيك في نتائج الفترة الرئاسية المنقضية نجح في أن يجعل من مرحلته بالبيت الأبيض ليست مجرد حدث عابر أو قوس يفتح ليغلق بسرعة وإنما لحظة فارقة في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. فهذا البلد الذي بني تحت شعار الحلم الأمريكي لم ينجح وإلى سنوات قليلة خلت في أن يمنح كل المواطنين نفس الحق في الحلم. كان إلى زمن غير بعيد ليس من حق السود مثلا بلوغ مرتبة قيادة السفينة وكان تقريبا من باب المستحيلات أن نتخيل أسرة من السود الأمريكيين تقيم في البيت الأبيض. صحيح لقد هتف العالم تقريبا بأكمله لفوز باراك أوباما في الإنتخابات السابقة لكن لا يمكن أن ننفي مثلا أن كثيرين تساءلوا إن كان سيكسب الرهان الأهم بعد نجاحه في تجاوز الإمتحان المهم أي الوصول إلى البيت الأبيض بالإثبات أمام العالم أن الكفاءة لا لون لها. اليوم لم ينجح باراك فقط في الفوز بفترة رئاسية ثانية فحسب وإنما نجح كذلك في التأكيد على أن الحلم الأمريكي بات ممكنا للجميع بعد أن قام بثورة حقيقية فهو قد فتح أبواب الحلم أمام السود والعرب والصّفر وغيرهم. صحيح وراء أوباما الحزب الديمقراطي بترسانته الكبيرة ولكن هذا لا يغير من قيمة الإنجاز الذي قام به الرئيس الأمريكي. لم يكن تاريخ أمريكا ولا ماضيها يوحي بأن مثل هذه الثورة يمكن أن تقع في يوم ما. وقد فسرت الكاتبة مارغريت ميتشل ذلك بوضوح في كتابها الشهير" يذهب مع الرياح." كتاب " Autant en emporte le vent " الذي صدر في ثلاثينات القرن الماضي ونكاد نراهن على أن كل من وقع بين يديه هذا الكتاب لا يخرج من المغامرة مثلما دخل إليها لأن الكتاب مثير بأسلوبه ومشوق بأحداثه وشخصيّاته يقدم صورة واضحة حول حرب الإنشقاق التي عاشتها أمريكا في القرن التّاسع عشر والتي شهدت مواجهة بين ولايات الجنوب المحافظ وولايات الشمال المتحرر من الفكر القديم وكانت حربا دمويّة انتهت بانتصار قوّات الشمال وتوحيد البلاد حول فكرة تحرير العبيد... ولئن ساهم تحويل الكتاب إلى فيلم بنفس العنوان إلى توسيع دائرة نشره وترويجه خاصّة وأن الفيلم حقّق نجاحا جماهيريّا ويعتبر من كلاسيكيّات السّينما في العالم فإنّه يبقى للكتاب الفضل الأوّل في تقديم إيضاحات حول فترة تاريخية حاسمة بالنسبة للأمريكيين تمكن بالخصوص من فهم طبيعة الصراع الذي كان قائما بين الأمريكيتين: أمريكا المحافظة وأمريكا المنفتحة على القيم الكونية وعلى القيم الإنسانية المشتركة وهو صراع أو تنافس من الصعب الإقرار وإلى اليوم أنه غاب تماما وأن آثاره قد زالت نهائيا من حياة الأمريكيين. الكتاب الذّي قدم لنا شخصيات مثيرة على غرار"سكارليت أورا" و"رات باتلر" تكمن أهميته في أنه قد يغنيك حتى عن كتب التاريخ لفهم مرحلة حرب الإنشقاق وفهم العلاقات المعقدة بين الأمريكيين الذين جمعتم الأرض الجديدة ولكن كانت تفرقهم المعتقدات والتقاليد ولكن بانتهاء الحرب وانتصار"اليانكي"(جيوش الشمال) هل تغيّرت العقلية آليا في أمريكا؟ يؤكد الملاحظون أن الأمر ليس بهذه البداهة فقد ظل السود في أمريكا وإلى حد فترة غير بعيدة يعانون من الميز العنصري. صحيح انتهى عهد العبودية بانتهاء الحرب ولكن تسخير السود ظل متواصلا لعقود طويلة. ويمكن الرجوع إلى الصراع من أجل التساوي في الحقوق المدنية حتى ندرك أن الأمريكيين وإن نجحوا في توحيد البلاد بعد خوض حرب شرسة وإن اقروا إما طوعا أو غصبا بضرورة الغاء العبودية في مرحلة ما فإن رواسب العقلية الإستعبادية والعنصريّة بقيت موجودة وقد لا نبالغ إذا ما قلنا إلى حد اليوم. من هذا المنطلق نعتبر أن فوز باراك أوباما في الإنتخابات الفارطة كان انجازا هاما لكن فوزه في الإنتخابات الموالية يمكن اعتباره ثورة حقيقية لأنه إن كانت الأولى عن طريق الصدفة فإن الثانية لا يمكن أن تكون كذلك لأن الصدف لا تتكرر كثيرا في الحياة. إن الفوز الثاني لباراك أوباما يعلن بوضوح أن الحلم الأمريكي لم يعد حكرا على البيض بعد اليوم. حياة السايب