جائزة أبو القاسم الشابي لسنة 2011 نالها محمد عمار شعابنية وقد تقدم لها أربع مائة وخمسون مترشّحا من الشعراء الذين أدلوا بدلوهم بقصائد عن الثورة التونسية.. نالها عندما تأكدت لجنة التحكيم ان قصيدة"هكذا يحكمنا ضوء" على خلاف مئات القصائد الأخرى خالية من التحريض، تفادى فيها شعابنية الانزلاق إلى الخطاب المباشر وعوّض فيها الإيحاء التصريح البليد ونأى بها عن متاهات البكاء والتأوه وكبح فيها جماح المشاعر وجعلها تتدفق بمقدار ما تسمح به القصيدة فانسابت صورها جديدة تنبض دفئا وحياة لتحكي راهن الشاب المثقف الذي ثار على الظلم والقهر والتهميش وأنجز ثورة ركب عليها الآخرون وحرموه من جني ثمارها. استحقت قصيدة"هكذا يحكمنا ضوء" تنويه لجنة تحكيم جائزة أبو القاسم الشابي وقد ضمت كل من الشاعر محمد عجينة رئيسا والناقد فاروق العمراني والناقد مبروك المناعي والشاعر المنصف الوهايبي أعضاء، وهذه لجنة تحكيم مهابة وأحكامها صارمة وان كان عمار شعابنية كذلك من القامات المديدة والأسماء الكبيرة في بلادنا لرسوخ قدم الرجل في قرض الشعر وسعة اطلاعه ومكانته غير المشكوك فيها في المشهد الثقافي التونسي والمغاربي وحتى العربي. ويكفيه فخرا انه من بين القلائل الذين لم ترهبهم من سماهم"أطراف التسييس والإفتاء الأمّي والكبت الترهيبي لحرية التعبير" ولم تجعلهم يولون ظهورهم إلى الثقافة. آراء واضحة ومواقف صارمة وعمار شعابنية هو شاعر نشط الحياة الثقافية في مدينة المتلوي مسقط رأسه على مدى أكثر من أربعين سنة. وأشع على قفصة ومنهاعلى تونس وكذّب مقولة ان المبدع الذي لا يسكن العاصمة يخرج من المشهد الثقافي واستطاع ان يتحدى صعوبة التسلل إلى الحركة الثقافية التي تدور عجلتها في دائرة تزداد ضيقا يوما بعد يوم نظرا للمناخ العام الذي يسود كل مجالات الإبداع في تونس حاليا... مناخ يسوده الكثير من التحسب والخوف من اتخاذ المواقف والاصداع بالرأي وهما على ما اعتقد من العناصر الأساسية للإبداع في كل الأجناس الأدبية والفنون. ولمحمد عمار شعابنية علاقة وطيدة بالمسرح إضافة إلى الشعر فقد صنع في سبعينات القرن الماضي ربيع المسرح الجهوي وحتى الوطني ويكفي هنا ان نذكر بمسرحية "فئران الداموس". لقد تمكن عمار شعابنية من الإبداع قبل الثورة حيث عرف بقرض ما يسمى بالشعر العمالي ذو المعاني النضالية الخالية من التقية والترميز وقال قصائد إذا وجدت من يلحنها ستضمن لنفسها التواصل على مر العصور تماما كما بقيت أشعار ابو القاسم الشابي ومنور صمادح والطاهر الهمامي وغيرهم. وواصل قرض الشعر أثناء الثورة واستحقت قصائده الاهتمام والدراسة خاصة بعد ان اتخذت مؤخرا هذا المنحى الجديد الطافح باليأس والمشوب بخيبة الأمل في الثورة وهو الذي سعد بها واحتفى باندلاعها لأنها على ما يبدو تسير في اتجاه غير الذي حلم به. إجماع بلا تحفظ ولعل ما سبق ذكره هو الذي جعل أهم رموز الساحة الثقافية في تونس من كتاب وشعراء ومفكرين وإعلاميين يسعدون بتتويج الشاعر محمد عمار شعابنية عن قصيدة "هكذا يحملنا ضوء" ورفيقيه آدم فتحي عن كتابه الجديد: "نافخ الزجاج الأعمى أيّامه وأعماله" ومحمد الغزي عن قصيده"القصيدة التونسية" بجائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي ونذكر من بين هؤلاء الدكتور محمد البدوي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الذي قال:"مبروك لكل المتألقين ونرجو ان يتواصل العطاء الإبداعي وهو وحده الذي يصنع ربيع البلاد بعيدا عن المزايدات السياسوية." أما بقية تعاليق الأدباء والشعراء التونسيين والعرب فقد لخصها قول الشاعر المصري حسنين السيد:"يسعد القلب بتكريم من يستحق وشرفت الجائزة بك.. وعقبى لجائزة الدولة.. والشرفاء دائماً يجب ان يكونوا فى طليعة أبناء الوطن."