حاز الشاعر محمد عمار شعابنية على جائزة ابوالقاسم الشابي التي يمنحها البنك التونسي.محمد عمار شعابنية شاعر وكاتب مسرحي ومنشط ثقافي اغنى الحياة الثقافية في جهة قفصة. وذلك خاصة من خلال المسرحية التي كتبها لفرقة مسرح الجنوب والمجموعات الشعرية التي اصدرها وتأسيسه لمهرجان الشعر بالمتلوي.الشروق ألتقته في هذا الحوار
كيف ترى المشهد الشعري والثقافي بعد الثورة؟
أراه ضبابيا بين مؤثثيه ومتقبلي أثاثه يتغشّاه غبار ونقْع يحجبان الرؤية ويعطلان كل سعي إلى التواصل لأنّ أطراف التسييس والإفتاء الأمّي والكبت الترهيبي لحرية التعبير والمشاكل المعيشية والإنخرامات الأمنية على جميع الأصعدة قد أبعدت إلى حد خطير اهتمامات الناس بالثقافة،والمحاولات المتكررة التي تسعى الهياكل الثقافية والجمعيات المعنية إلى القيام بها لتنشيط نبض الاعمال الفنية التي تنتجها مجموعات لم تتمكن إلى حد الآن من اكتشاف الدواء الحقيقي للمرض الإبداعي الناجم عن سببين أراهما حسب تقديري في :
أ) المناخ العام بالبلاد الذي لا يسمح الآن بترويج الإنتاجات الثقافية في ظروف ملائمة وتقبّل طبيعي بعيدا عن الريبة والخوف من الإنفلاتات الفرجوية، وقد لا تؤيّدني في ما ذكرت لأنك ستستشهد بالحركية الثقافية المبشّرة بالعاصمة وبعض المدن الكبرى لأقول لك إنّ جل المدن الداخلية والقرى تعاني، للأسباب المذكورة، من جوع ثقافي تتخوّف دور الثقافة والمهرجانات من التصدي له بما يمليه عليه واجب حراكها فتجد نفسها تنفخ في الريح.
ب) لم تتوصّل الأطراف المعنية بالإبداع إلى انتاج أعمال تستحق التنويه بها لأنّ الثورة لا تملي عليهم مواضيع أعمالهم ولا تُلهم غير المُلهَم، أما الذين لم يكن لهم عطاء مقْنع فلا تنتظر منهم اليوم إضافة، فالمغنون مثلا في بلادنا لحنوا وغنوا أكثر من مائة أثر عن الثورة، ولم نعثر في كمّهم الكبير على أغنية واحدة تستطيع أن تعانق حرف الثاء فقط من كلمة الثورة وتضمن لنفسها التواصل مع الزمن مثل أغنية «بني وطني».
ألا ترى أنّ الثورة همشت الكتاب لحساب السياسيين الذين لا ترى غيرهم على شاشات الفضائيات؟
الثورة بريئة من أن تهمّش أي إنسان لأن هدفها هو إيقاظ الجميع ،والذين يركبونها هم التهميشيون لأنهم يجدون الفرص سانحة لتحقيق مآرب شخصية بغطاء تضليلي يوهم بأنهم هبّوا لخدمة البلاد والعباد، لذلك يتسابقون إلى شاشات الفضائيات ليُطلوا على الناس بوجوههم وأصواتهم في حوارات دعائية استباقية بالنسبة لمن لم يحصل بعد على منصب في الحكومة أو التأسيسي، وتواصلية بالنسبة لمن يسعون إلى الحفاظ على كراسيهم فيتشدّقون أحيانا بالعربية الفصحى للتمويه بأنهم مثقفون فيخطئون عشرين مرة في الجملة القصيرة المتكونة من فعل وفاعل ومفعول به (في جميع الحوارات التي تطرّق المشاركون فيها إلى الربوع الفسفاطية سمعتهم يقولون الحوض المنجِمِي «بكسر الجيم» والصواب هو المنجَمي «بفتح الجيم لأنه إسم مكان مثل معْلَم وملعَب ومرصَد»... ألا يخجل هؤلاء على أنفسهم من أخطائكم وحيلهم الدعائية المفضوحة ؟ لذلك سأعتبر جحْشا كلّ من يُخطئ مستقبلا في نطق كلمة «مَنْجَم» تلفزيا وإذاعيا ومن أنذر فقد أعذر.
وإذا كانوا هم كذلك فإنّ الأمية الثقافية لبعض منشطي الحوارات التلفزية، وعدم قدرتهم على خلق أنماط ومضامين مشهدية قادرة على شد أنظار المتفرجين جعلتهم يتهرّبون من محاورة المثقفين عن الثورة والجلوس وسط مجموعتين سياسيتين متعارضتين في الآراء لاستفزاز إحداهما ضد الأخرى، والمعلوم إن نسب مشاهدة هذه البرامج قد تراجعت كثيرا ولم تتراجع فضائياتنا عنها لتعويضها بما يشدّ المتفرجين إليها.
قرأت سابقا جُل القصائد التي كتبها زملائي الشعراء عن الثورة المباركة واستمعتُ إلى بعضها وشاهدت بعضها في إخراجات فيديو عبر الفايسبوك وكنت أتألم حدّ الضحك الحزين عندما أرى هذا الشاعر أو ذاك يقرأ قصيدة باسم الثورة في قناة تلفزية تونسية ليستمع إليه مئات الآلاف من النظارة ( بتآمر ضد أحاسيسهم وأذواقهم مع منشطي أو منتجي البرامج).. أتألم لآنّ المشاهدين في الأقطار العربية سيضحكونّ من تفاهة تلك القصائد ليزداد عنادهم بأنّ تونس لم تنجب شعراء بعد الشابي وأضحك مشفقا على من اعتقد أنه سيَستبْله الناس باللاشعر، لذلك لم أتردد في المشاركة في جائزة أبو القاسم الشابي حول قصيدة الثورة بنص عنوانه «هكذا يحملنا ضوء» وكنت واثقا من أنه سيحصل على الجائزة إلا في صورة التلاعب بها، ولكن لجنة التحكيم كانت أنزه من سعيي إلى المسابقة فأنصفتني فأحسست براحة البال لأن اقتران إسم الجائزة بأبي القاسم الشابي وقيمتها الأدبية هما الأساسيان.
هل ترى أنه حدثت تغييرات جوهرية في الهيكلة الثقافية؟
رغم احترامي وتقديري للأستاذ المهدي المبروك وزير الثقافة لسعيه إلى إحداث تغييرات ثقافية في مستوى تطلعات المثقفين بعد الثورة فأنا أجاهره ،ولا أهمس له بالرأي فقط ،لأقول له يا سيادة الوزير إن أيّ تغيير لا يراعي الإنسان المطالَب(بفتح الطاء) بتنفيذه يعتبر من الزلات الفادحة، وأنا إذ أصدع بهذا الكلام فلأنني اشتغلت مدير دار ثقافة أكثر من ثلث قرن وتقاعدت صفر اليدين ولا أتمنى لزملائي المباشرين من مديري دور ثقافة وأمناء المكتبات نفس المصير ،فتغيير وتطوير المشهد الثقافي يتم بمشاركاتهم وهم يستحقون الدعم وتسوية وتحسين الأوضاع المادية.كما أن تنشيط العمل الثقافي لا يحتاج إلى تركيم التجهيزات السمعية والبصرية والكتب وآليات الملتيميديا على حساب طمس معالم الفرق الموسيقية والمسرحية والنوادي الأدبية والتشكيلية وسينما الهواة ونوادي السينما بالمدن والقرى ونشر العروض الراقية لا الواجهاتية في مختلف أنحاء البلاد ،، فالمدينة أو القرية التي لا يغنّي أو يمثّل فيها صابر الرباعي ولطفي بو شناق والفاضل الجعايبي وجليلة بكار هي مثل التي تظل محرومة من طعم السمك والموز ولا تصلها حافلة أو سيارة أجرة أو خط كهربائي. وإذا نجحت الخطة الثقافية فسوف تبقى مبتورة ما لم يقع تسمية ملحقين ثقافيين من أهل الميدان، لا من غيره،بكافة سفاراتنا بالخارج.
كيف تنظر لخطر العنف والتشدد الديني؟
أصبحنا نستمع إلى أحاديث مروّعة عن أحداث عنف متتالية بالبلاد ومنها ما شاهدناه بأعيننا، وهي تتوزع على أربعة أصناف ظاهرة: العنف السياسي الذي ينخرط فيه عنف التعصب الديني والإيديولوجيات. العنف الناجم عن الخصومات حول ممتلكات أو منابات تشغيل بين أطياف السكان في هذه المنطقة أو تلك. عنف الاعتصامات التي تخرج أحيانا عن ضوابطنا فتلجأ إلى احتجاز عابري الطرق المسافرين للمقايضة بهم.
عنف العصابات الإجرامية وأغلبها ممن عفا عنهم رئيس الدولة فأخرجهم من السجون باسم حقوق الإنسان لتُداس حقوق الناس.. أعتقد أنّ أصناف العنف الأولى ستجد الطريق لوضع حدّ لها بالحوارات والنقد الذاتي والاحتكام إلى العقل والوطن، أما الصنف الأخير فإن مشروعه خطير إذ ربما ينظمّ أصحابه إلى عصابات تتوسع أعمالها باستقطاب شبان آخرين إذا لم يقع التصدي لها أمنيا وقضائيا واجتماعيا.
تعدد المنظمات الأدبية ماذا أضاف للمشهد الأدبي؟
المشهد الأدبي في تونس في حاجة إلى إضافات من أهل الأدب بإبداعات صائتة لا بنصوص صامتة، فالشابي والمسعدي والبشير خريف ومنور صمادح لم ينتظروا تأسيس هيئات أدبية ليكتبوا ما هو مشهود به، لأن هذه الهيئات لا تنتج أدبا ولا تحرّض عليه إذ غايتها الأساسية هي الجمع بين أعضاء لهم أهداف وانتظارات مشتركة يطمحون إلى تحقيقها من خلال تبليغ أصواتهم إلى ذوي القرار.. أما إذا كانت تعددية المنظمات نابعة من قناعات إيديولوجية وذوقية وميولية فإنها سوف لن تقدم ما هو مرجوّ وسيصبح المشهد الأدبي مفتوحا أمام ذوي الكتابات الميولية لا الميولات الكتابية.