بقلم: رئيف بن حميدة - تاه العرب في ظلمات الجاهلية..وجاء الإسلام فجاءت معه المدنية والحضارة...فهو الذي أرسى مقوماتها الثلاث : الأخلاق والعلم والعمل... ففي الأخلاق قال الرسول(إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) وفي العلم قال (الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحقّ بها) وأما في العمل فقال(مَن بات كالاّ من عمل يده بات مغفورا له- ويؤيد هذا ما جاء في قوله عن اليد الخشنة، يد العامل والفلاح : هذه يد يحبها الله ورسوله. وقيل إنه ،عليه الصلاة والسلام ، قبّل يد صحابي عامل) ..إنّ فضل الإسلام ِحقيقة لا ينكرها إلاجَحود.. أمّا في العصر الحديث ، وخاصة في العقود الأخيرة، وللأسف الشديد فقد انقلبت الآية تماما!..فالتيارات المحسوبة على الإسلام -(باستثناء علماء التنوير الأَعلام، ومنهم الطهطاوي..ابن أبي الضياف وخيرالدين..الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا.. الكواكبي وعبد الحميد الزهراوي..الثعالبي..عبد الحميد بن باديس ... الحداد..الطاهر والفاضل بن عاشور... رحمهم الله- و يُعتبَرون عند المتطرفين démodés !.. ولكن ليس ليتجاوزوهم الى مالك بن نبيء أو محمد عمارة مثلا..وإنما رجوعا الى "موضتهم"علماء القرون الغابرة !!-...فكأن المتطرفين يتعمدون التمرد نكاية بنصيحة سيدنا علي :علّموا أولادكم غيرما تعلّمتم، فإنهم خٌلقوا لزمان غير زمانكم ! ) ، تيارات في أغلبها، إن لم نقل كلها، مخرّبة تقوم بعكس ما قام به الإسلام تماما: هَدْمُ المَدَنِيّةِ والتشويش والبلبلة الفكرية وتفتيت الأمة العربية وتمكين أعدائها منها..وسلاحها الأساسي العصبية بما يوحي ب"طائفة عنصرية"(الحديث الشريف نهى عنها : ليس منّا من دعا الى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية...) ناهيك عن الغلو والعناد (كتب سيدنا عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري حين ولاه على البصرة :....ولا يمنعنّك قضاءٌ قضيْت فيه اليوم فراجعتَ فيه رأيك فهديتَ فيه لرشدك أنْ تُراجِع فيه الحقَّ ، فإن الحقّ قديمٌ لا يُبطله شيء ، ومراجعةُ الحق خير من التمادي في الباطل...فمن خلصت نيّته في الحق، ولو على نفسه ، كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزيّن بما ليس في نفسه شانَه اللهُ...)! فهل يوجد من يتّعض بهذه الفضيلة !!؟ إنهم قلة نادرة لا تذكر ! وإليكم هذاالاعتراف، وهو موجود في الشبكة بعنوان: مقاتل ليبي عائد من سوريا، حيث يقول (...عند وصولي أخَذ ضابط ٌتركي جواز سفري..التقيت العديد من المجموعات التى تقاتل .. وعملتُ ضمن قطاعي التفجير والتدريب وتجهيز العبوات الناسفة التي كنا نزرعها لقتل عناصر الجيش السوري..انتقلتُ انا وبعض المجموعات الى مدينة حماة، للعمل الى جانب كتيبة عمار بن ياسر، وتفاجأتُ بما شاهدته هناك حيث كانت الكتيبة من جميع الجنسيات العربية، والافريقية، وصنعنا اكبرالانتصارات، ولكن ما جعلني اترك ساحة المعركة طريقة التفكير التي بدأ يعمل بها الثوارهناك، فعندما يسقط شهيد في صفوفنا، يحرق اوتباع أعضاؤه أيضا حسب الجنسية، فاذا كان من المقاتلين الافارقة يقومون بحرق جثة الشهيد، وعندما سألتُ عن السبب قال لي أبو حمزه ، وهو القائد العسكري لمدينة حماة ، هذا الأمراحتياط لكي لا يستغل النظام وجود جنسيات مختلفة ويقول إننا نحارب بمقاتلين غير سوريين.. وعندما استشهد أبو محمد، وهو كويتي لم يقوموا بحرق جثته بل وضعوها في مكان معزز ليتصلوا بأهله يطلبون مبلغا من المال ويقولوا لأهله ان قوات نظام الأسد امسكت بجثة إبنهم وتطالب بفدية مالية. وهذا ما جعلني اعترض وبكل قوة.. لذلك غادرتُ الاراضي السورية الى تركيا..وادعو جميع المجاهدين في ليبيا والدول العربية، عدم دخول سوريا لأن ما يجري ليس بثورة شعبية.. ) أفلا تكفي هذه الشهادة!؟ إنّ هذا السرد مجرد تجربة شخصية لفرد واحد فقط، وما خفي كان أعظم ..إنها جرائم ترتكب زورا وبهتانا بإسم المقدس،فهي لا تمتّ بصلة للإسلام ناهيك عن الوطنية والثورة التحررية، فالحق لا يُنصر إلا بالحق..وهل بالسيارات المفخخة والعبوات الغادرة يُصنع التقدم وتُبنى المدنية!؟هل هكذا تكون الوطنية!؟ لقد وصل بهم الامر الى درجة ذبح المدنيين بالسكاكين كالخرفان..أودفنهم احياءً...وإبادة عائلات بأكملها بشكل تنكيلي انتقامي.. ولم يسلم منهم لا إعلاميون ولافنانون. ولا مهندسون ولاأطباء ولا حتى علماء دين ... ولا فلاحون وشغالو مخابز...وكل ذلك لإرباك الوضع، فالغاية تبرر الوسيلة..ومنذ أسبوعين أعدموا 28 أسيراعسكريا... ومنذ 4 أشهر فجروا مبنى الأمن القومي السوري بشكل إرهابي صريح (فاق الذي استهدف الحريري الذي تباكى عليه الامبرياليون)..إنها طبيعة الإمبريالية الانتهازية.. والشيء من مأتاه لا يُستغرب، فهل ننسى انتهازية الناتو في ليبيا، الذي ما ان استصدر القرارالدولي" لحماية المدنيين"حتى شرع في تدمير ممنهج تواصل 7 اشهر!..فبينما كان عدد القتلى بضعة مئات، قبل تدخله، وصل بعده الى عشرات من الآلاف ، ناهيك عن ربع سكان ليبيا مازال الى الآن هاربا خارجها ..أما التدميرالاقتصادي فقد قُدّره مديرالاستخبارات الفرنسية الأسبق إيف بوني لجريدة الخبر الجزائرية ب150مليارأورو.. وللتوضيح : 150مليار أورو تكفي لتشغيل مليون عامل،(وهو تقريبا عدد عمال الحضائر التونسيين)بأجرة ألف دينار شهريا.. طيلة ربع قرن !!...وهذا المبلغ زهيد مقارنة بما حدث للعراق ..إنها مبالغ يمكنها أن تحوّل العرب الى دول مصنّعة متقدمة...وهذه غاية الإمبرياليين أعداء العرب والإنسانية..تدجين التطورالعربي ! كل هذا يحدث في بلداننا الضعيفة التي كانت منذ بضعة عقود قريبة تستلم المساعدات الانسانية وحتى الغذائية ،فهل ننسى أكياس الدقيق "ليس للبيع ولا للمبادلة" التي كنا جميعا نستلمها بمن فينا دول النفط ، قبل ان تفطن به!؟..والآن يعبثون ب150مليار أورو.. منذ مدة قريبة، كادت الحكومة المصرية تبيع ماء وجهها من أجل قرض ب5مليارات"فقط"..أما نظيرتها التونسية فقد ظفرت منذ شهرمن بلجيكا بهبة قدرها0.035! فأين هذا من الدين الإسلامي الذي ينهى عن التبذير، ويأمر بالاقتصاد في كل شيء.. حتى في ماء الوضوء !؟..ناهيك عن الدماء.. انّ ما يحدث في سوريا أحقاد طائفية وضغائن تغذيها الامبريالية والعملاء الرجعيون الذين لا علاقة لهم بالحرية والديمقراطية، بل هم ألد أعدائها أصلا، هم يفزَعون من مجرد كلمة ثورة أو حرية أو ديمقراطية فزع القطط من ماء المطر !.. وإننا لا نقول هذا انحيازا للنظام السوري الذي، من دون شك، كانت به العديد من النواقص والمساوىء..وإنما اعتبارا لخصوصية الوضع السوري، فجميع دساتير بلدان العالم تسمح بحكم البلاد بشكل ديكتاتوري إذا تهددها عدوان خارجي ، وهو وضع قارٌّ ومُزمِنٌ ببلدان الممانعة وخاصة المجاورة لإسرائيل، وعلى رأسها سوريا، آخر معاقل المقاومة هي وإيران... وهنا قد يقول قائل : لمذا إذن اسرائيل لم تَحِدْ عن "الديمقراطية" رغم الجوار المعادي لها!؟ والجواب: اسرائيل مدعومة بجميع الوسائل التي لا حدود لها ،بما فيها القتال معها إن دعت الضرورة !..ألم تؤكد الدوائر الإمبريالية بأنّ أمن إسرائيل مقدّسًا..هل فهِم الأعراب العملاء كلمة مقدّس!!؟..وضد من يعنون بها!؟ وإنه بداهة،لو كان ما يحدث في سوريا ثورة شعبية، فمن المستحيل أن يجد الجيشُ القدرة على مواصلة قتل أهله حتى لمدة شهر واحد!.. إنّ الثورة الشعبية الحقيقية هي ما حدث في تونس ، حيث سقط العميل بن علي في 4 اسابيع فقط بالتحرك السلمي دون ان يحاصره العالم اقتصاديا اودبلماسيا او اعلاميا، ودون أدنى سلاح ضده، بل كانت جميع تحركاتنا سلمية حضارية راقية في أغلبها. وفي مصر تكرر نفس الشيء ، فبنفس التحركات السلمية سقط العميل مبارك في 18يوما فقط..((إنّ الباطلَ كانَ زَهُوقًا)). ورغم ذلك مازالت أوضاع كلا البلدين متعثرة جدا.. حتى سمعنا مرارا الحنين الى عهد الفساد المباد.. فلمذا إذن هذا الاندفاع الإجرامي(أو الأبله في أقل الحالات) لنصرة"الثورة السورية" الموهومة !؟ ألا يرون بالملموس سوء الوضع التونسي على جميع الأصعدة الذي ينذر بكل ما هو أسوأ بسبب الأنانية وإنعدام الوفاق!؟.. فإذا كانت تونس ، الخالية من الطائفية، هذا حالها، فكيف سيكون مصير سوريا ، ذات التركيبة الفسيفسائية، لوسقط نظامها !!!؟..ألا تكفي تحذيرات الحكماء الشرفاء ومنهم الأخضرالإبراهيمي.؟ الجواب : ستتشضى سوريا الى دويلات بحجم اسرائيل وربما أقل..وحينها تنتهي المقاومة الفلسطينية، وهوهدفهم ومربط فرسهم !!..فإنّما الغاية من إسقاط النظام السوري خنق المقاومة الفلسطينية، فإسقاط سوريا هو تماما كإسقاط الكرسي من تحت أقدام من يُراد شنقه وهوالشعب الفلسطيني!..وحينها سيستنبط العملاء فكرة "ذكية" لدفن القضية : توطين الفلسطينيين في مصر والأردن !..وينتهي النزاع ..وتكون اسرائيل على كامل فلسطين..وهل من مزيد!.. وحين يكون القدس تحت سيادتها ستتكرّمُ على العرب والمسلمين بالسماح لهم بإقامة ، فوق تراب القدس العربي الإسلامي، بناية ضخمة (تكون تحت رقابتها ووصايتها)،لجامعتهم العميلة "العربية والإسلامية" ..تأكيدا ل....عروبته وإسلامه!.. ختاما، إن واجب جميع المخلصين الأوفياء عدم الانسياق للعملاء، بل فضحهم ومحاربتهم ، فقد فاقت شرورهم شرور ألد الأعداء، وهي حقيقة ساطعة تؤكدهاجميع الوقائع ، ويكفيهم خيانة أنهم عبرالتاريخ لا يتخذون إلا المواقف المناوئة والمعادية للوطنيين الأحرار، تقدميين كانوا أو حتى أصوليين..فهُم الآن تفزعهم قوة ورباط خيل إيران الإسلامية ، وتطمئنهم ترسانة إسرائيل الصهيونية(!!!)..وهم أثناء "الرصاص المسكوب"على غزة لم يمدّوا الفلسطينيين حتى بحجارة..ونراهم الآن يهرّبون مختلف الأسلحة الى سوريا لإنهاكها وتدميرجيشها وشعبها.