اذا كان في تصريحات رئيس الجمهورية المؤقت على هامش الندوة التي احتضنها قصر قرطاج نهاية الاسبوع حول السلفية، التي باتت حديث الساعة في البلاد، واعترافاته العلنية بمسؤوليته باعتباره رئيسا لكل التونسيين، في وفاة شابين تونسيين في أعقاب خمسين يوما من اضراب الجوع الوحشي، ما يمكن أن يدعو الى تثمين هذا الموقف الذي لا يخلو من جرأة، فإن فيها أيضا ما يدعو للتوقف عند التوضيحات التي قدم لها الرئيس المؤقت عندما أضاف"بأنه لم يعلم بالمأساة الا بعد أن سبق السيف العذل"، وهنا بالتأكيد موضع الخطورة. ففي ذلك ما يعني غياب حلقة أساسية في التواصل داخل مؤسسة رئاسة الجمهورية، وما يدفع بالتالي للاعتقاد بوجود خلل قائم بين دائرة الرئيس ودائرة مستشاريه. طبعا سيثير هذا الكلام غضب الكثيرين ولكن الحقيقة ايضا أنه عندما يتكرر الخطأ فإن في الامر ما يفرض التوقف جديا لوضع النقاط على الحروف. لسنا نذيع سرا اذا اعتبرنا أنها ليست المرة الأولى التي يفاجئ فيها رئيس الجمهورية المؤقت الرأي العام بموقف يؤكد أنه آخر من يعلم بإحدى القضايا التي لا تخلو من الحساسية. ولعل في الاعترافات التي رافقت قضية تسليم البغداي المحمودي التي لم يعلم بها الا عبر وسائل الاعلام ما يعزز القناعة بأن جسر التواصل صلب مؤسسة الرئاسة ليس في أفضل أحواله وأن العلل التي يشكو منها لم تعد خفية وهي تكشف وجود بعض الممارسات المرفوضة والتنافس غير البريء في حجب وقرصنة الاخبار. وفي انتظار ما يمكن أن تحمله التحقيقات المرتقبة بشأن تلك النهاية المأساوية للشابين محمد البختي وبشير القلي تمهيدا للمساءلة والمحاسبة وتجنبا لتكرار المآسي، فقد وجب التأكيد على أن في الاعتراف بالخطإ فضيلة... ولكن الافضل من كل ذلك استباق الاحداث ومواكبة نبض الشعب والاستماع لصوت العامة وتطلعاتها. لقد وجب الاشارة بعد اعترافات الرئيس إلى أن قائمة المظاهر والقضايا والملفات الامنية والسياسية والاقتصادية العالقة التي تنتظر موقفا حازما من المسؤولين وفي طليعتهم- طبعا- رئيس الجمهورية المؤقت المقيد بصلاحيات محدودة، لا تحصى ولا تعد، وأن في تونس اليوم التي تتأهب لإحياء الذكرى الثانية لثورة الكرامة، من القضايا ما لا يمكن لمسؤول أن يتعلل بأن أخبارها لم تصله خاصة اذا كان محاطا بترسانة من المستشارين. إشارة لا بد أن نسوقها لرئيس الجمهورية المؤقت ان كان لا يعلم بأن الانفلات في جامعاتنا بلغ درجة باتت تهدد حاضر ومستقبل المؤسسات الجامعية وأن انتشار المدراس والمحاضن غير القانونية التي تعمل دون رقيب أو حسيب باتت تمثل بدورها خطرا على تكوين النشء، وأن الاصوات النقابية المحذرة من انتشار المخدرات في المدراس الاعدادية والمعاهد لم يعد من مجال لتجاهلها، وأن قرار إلغاء الاوراق النقدية من فئة العشرين والثلاثين دينارا سيكلف البلاد والعباد ما لا طاقة لنا به في الوقت الراهن... وربما وجب الاشارة أيضا الى أن ما يشهده المجلس التأسيسي من انفلات وتكرار لغيابات النواب الذين هجروا المجلس الا من فئة قليلة باتوا يساهمون عن وعي أو عن غير وعي في نشر ثقافة اللامبالاة، وامتداد عدوى البطالة المزمن بين شباب أصابه الاحباط نتيجة غياب المشاريع التنموية واستشراء الخطابات التحريضية المفلسة، والرهانات التي تدفع اليوم بشريحة من الشباب إلى الانتحار في سوريا والعراق وأفغانستان بات يستوجب التدخل العاجل. إن الرئيس المؤقت، وهو الحقوقي الذي كان يثير الانتباه اذا تحدث عن الظلم والفساد والاستبداد لا بد أنه يدرك أن مجرد استضافة النخب والمثقفين تحت القبة الرئاسية ليس دوما الطريق الامثل للوقوف على مشاغل العامة...