هؤلاء يتحملون المسؤولية - لأول مرة في تاريخ السجون التونسية يتوفى شابان على خلفية دخولهما في إضراب جوع دام أكثر من 50 يوما احتجاجا على المعاملة وظروف اعتقالهما في السجن، لكنهما ليسا أول من توفي بسبب إضراب جوع فقد سبقهما أحد أهالي قفصة الذي لقي حتفه بسبب إضرابه عن الطعام احتجاجا على وضعه الاجتماعي. ووصف العديد من متتبعي الشأن الوطني وفاة الشابين السلفيين ب"الفضيحة" في تاريخ تونس ما بعد الثورة وفي تاريخ حكومة راهنت على احترام حقوق التونسي أينما كان في وطنه. وتحيلنا هذه الفضيحة إلى حادثة شبيهة عاشتها بريطانيا العظمى في حكومة مارغريت تاتشر والتي هزت الرأي العام الدولي حيث توفّي عضو البرلمان الإيرلندي "بوبي ساندز" في السجون البريطانية بعد دخوله في إضراب جوع دام 65 يوما احتجاجا على ظروف المعاملة. لقد مثلت وفاة الشابين فاجعة لدى معظم التونسيين بما في ذلك الحقوقيين والسياسيين الذين سرعان ما بادروا بتحميل المسؤوليات إلى أطراف دون أخرى. «الصباح الأسبوعي» تحدثت مع كل من رئيس لجنة الدفاع عن الموقوفين في أحداث السفارة ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي حول وفاتهما إضافة إلى عرض شهادة حية عن طريقة معاملة الشابان في سجن المرناقية، وردت على لسان أحد الموقوفين الذي أضرب هو الآخر عن الطعام لنفس الأسباب. يرى أنور ولاد علي رئيس لجنة الدفاع عن الموقوفين في أحداث السفارة الأمريكية ل"الصباح الأسبوعي": «إنّ إدارة السجن لم تتوقف عن المراوغة فقد حاولت مرارا منع هيئة الدفاع عن مقابلة المرحومين، وقد سألتُ المدير شخصيا عن سبب عدم توفير سيارة إسعاف للموقوفين تتولى نقلهما إلى المستشفى على الفور في صورة تدهور الوضع الصحي لأحدهم لكنه أجابني أنّ السيارة معطلة، فربّ عذر أقبح من ذنب ". ونددّ في هذا الصدد بالإهمال الطبي الذي لقيه الشابان في المستشفى، متسائلا: "مادامت حالتهما الصحية متدهورة، لماذا تمّ إرجاعهما إلى السجن خاصة أنهما ينقلان إلى المستشفى من حين لآخر فقد كان من الأجدر الاحتفاظ بهما في المستشفى إلى حين شفائهما كليا". وأشار في هذا الصدد إلى استغراب الفريق الطبي من تعرض محمد بختي إلى نزيف دماغي بسبب إضراب الجوع، قائلا: «نظرا للشكوك التي تحوم حول وفاة بختي، فقد تمّ أول أمس تشريح جثته ونحن ننتظر الإعلان عن نتائج التشريح بداية هذا الأسبوع". "مزاد حقوق الإنسان" وعن دور الحقوقيين، أدان المحامي ولاد علي بشدة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قائلا: «أنا لا أجد في تونس حقوقيين أو سياسيين مناضلين وإنما أجد أشخاصا دخلوا مزاد حقوق الإنسان، فبعد غياب طويل واتهام للموقوفين باتوا اليوم يتسابقون نحو إصدار بيانات التنديد، و لن نسمح لا للرابطة ولا للسياسيين بالمتاجرة بملف بختي وقلي". ويشار في هذا الصدد إلى نائب حركة النهضة عامر لعريض الذي حملّ المعارضة مسؤولية وفاة السلفيين، وهو ما لاقى انتقادا لاذعا من المعارضة التي استنكرت هذا الاتهام واصفة إياه ب»المزايدة والتغطية على أخطاء وزير العدل المنتمي لحركة النهضة". من جهته، رفض رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بشدة هذه الاتهامات مشيرا إلى مطالبة الرابطة مرارا وزارة العدل بالسماح لها بزيارة الموقوفين، «لكنّ الطلب جوبه بالرفض»، على حدّ قوله. وأفادنا بن موسى أن الرابطة فعلت ما بوسعها وكلفت المحامي شرف الدين قليل بالدفاع على الموقوفين في أحداث السفارة، قائلا:» لقد جوبهت مبادرتنا بالرفض من قبل هيئة الدفاع عن الموقوفين وعائلاتهم التي رفضت أن يتولى يساري الدفاع عن أبنائها»، مؤكدا أنّ مشكل الرابطة ليس مع السلفيين وإنما مع أحداث العنف. مراجعة أسلوب تناول الظاهرة السلفية محمد بختي وبشير القلي ليسا أول من اختار سياسة الأمعاء الخاوية للاحتجاج، بل سبقهما العديد من المواطنين الذين دخلوا في إضراب جوع، لعل آخرهم شباب قرية العمران من ولاية سيدي بوزيد الذين دخل لأجلهم نواب من التأسيسي في إضراب جوع احتجاجا على إيقافهم. وعادة ما يجد المضربون عن الطعام، مهما كانت أسباب احتجاجهم، دعما من قبل الجميع لإيصال صوتهم والدفاع عنهم. فهل وجد الشباب السلفي الموقوف هذا الدعم؟ ثم من يتحمل مسؤولية وفاة الشابين محمد بختي وبشير القلي؟ سؤالان طرحناهما على المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي الذي وضع المسألة في سياقها الموضوعي، فالظاهرة السلفية طفت على الساحة وأثارت الكثير من الجدل العقيم وهو ما جعل الجورش يؤكد على:»وجوب الاعتراف بأن موضوع التيار السلفي يحتاج إلى مراجعة في أسلوب تناوله من الناحية الإعلامية وكذلك السياسية ولا شكّ أن هذا التيار أحدث رجة في البلاد، ولذلك كان المجتمع المدني والسياسي على صواب عندما دعا إلى ضرورة التعامل بجدية مع هذه الظاهرة». لكنه استدرك قائلا: «ومع ذلك لا يمكن شنّ حرب على السلفيين دون احترام حقوقهم الأساسية». وتأسف الجورشي لعدم مواكبة الحركة الإعلامية وكذلك الحقوقية لإضراب جوع الشابان والتطورات الحرجة والصحية للمضربين. كما حملّ وزارة العدل والحكومة مسؤولية وفاة الشابين لعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تدهور وضعهما الصحي مشدّدا على وجوب فتح بحث تحقيقي في أسباب وفاتهما خاصة أنّ طلب الرابطة لزيارة الموقوفين جوبه بالرفض. وفي انتظار ما ستسفر عنه نتائج تشريح الفقيد محمد بختي، فقد أذنت وزارة العدل بفتح تحقيق في ظروف وفاة الشابان، كما صرحّ رئيس الجمهورية منصف المرزوقي،خلال محاضرة انعقدت أول أمس بقصر الرئاسة، أنه يتحمل مسؤولية في وفاة الشابين. خولة السليتي
من هو محمد بختي؟ محمد بختي ، هو شخصية من التيار الجهادي مقربّة من زعيم أنصار الشريعة في تونس أبي عياض المطلوب من قبل العدالة التونسية والذي لا يزال في حالة فرار. عرف محمد بختي لدى الرأي العام خلال أحداث منوبة، حيث تصدرّ وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية لكونه شغل مهمة الناطق باسم اعتصام طلبة منوبة والذي تمّ تنظيمه لتمكين الطالبات المنقبات من ممارسة حقهن في الدراسة. ولمن لا يعرفه ، فإنّ محمد بختي من الموقوفين في أحداث سليمان حيث حكم عليه بالسجن 12 عاما على خلفية مواجهات دامية بين الجيش وإسلاميين، لكنه كان من أول المستفيدين من العفو التشريعي العام الذي تمّ الإعلان عنه بعد الثورة. عرف بختي، كما عهدناه في اعتصام منوبة ، بهدوئه ورصانته وعقله المدبر لأيّة خطوة يقع اتباعها في تحرك يكون هو مشاركا فيه، وهي نفس الخصال التي ميزّته أثناء إيقافه في سجن المرناقية. فمحمد بختي هو صاحب فكرة الدخول في إضراب الجوع، حسبما صرحّ به صديقه الموقوف معه أنور لعروسي، احتجاجا على ظروف الإيقاف ورغبة منه في الابتعاد عن بقية المساجين الذين لا يتوقفون عن التدخين. "الليث الأشقر"، هكذا لقبه أصدقاؤه لعزة نفسه ودفاعه المتواصل عن أفكاره الأيديولوجية وعن زملائه المظلومين في السجن يشكو بختي من قصر حادّ في النظر، فهو يكاد أن يكون ضريرا وهو ما شجعه على المطالبة بالابتعاد عن التدخين الذي يعتبر خطرا على حاسة البصر لديه. ذهب بختي وترك لوعة كبيرة في نفس أمه التي لم تتوقف عن مخاطبته قائلة: «فيق عيش ولدي، فيق كلمني، حس بيا يا محمد ولدي، راني أمك".
بريطانيا سنة 1981.. وتونس سنة 2012 مارس 1981..نوفمبر 2012..يختلف التاريخ لكنّ الواقعة واحدة.. ففي غرّة مارس 1981 دخل عضو الجيش الجمهوري بوبي ساندز في إضراب جوع احتجاجا على سوء المعاملة في السجون البريطانية ليكون بذلك أول شخص جمهوري أيرلندي من بين عشرة أشخاص ماتوا في عام 1981 اثر إضراب عن الطعام، ضمن حملة قام بها السجناء للحصول على حقهم في المعاملة كمسجونين سياسيين. وقد مثلّ ساندز أسطورة لدى العديد حيث وقع انتخابه نائبا في البرلمان الإيرلندي وهو في السجن وذلك تحديدا قبل شهر واحد من وفاته. وفاة بوبي ساندز كانت في إحدى السجون البريطانية.. بريطانيا التي تدعّي الديمقراطية..لكنّ وفاة الشابين محمد بختي وبشير القلي كانت في إحدى السجون التونسية.. وفي تونس ما بعد الثورة الساعية إلى إرساء مناخ تحترم فيه حقوق السجين.. خولة
شهادة عن معاملة بختي وقلي في السجن في شريط فيديو نشر على إحدى الصفحات الفايسبوكية المحسوبة على التيار السلفي، صرحّ الشاب السلفي أنور لعروسي (وهو أحد الموقوفين على خلفية أحداث السفارة الأمريكية والذي دخل هو الآخر في إضراب جوع تسبب في تعكر حالته الصحية مما أدى إلى إطلاق سراحه الأربعاء الماضي أي ليلة وفاة بشير القلي) أنّ فكرة الدخول في إضراب الجوع كانت باقتراح من الشاب المرحوم محمد البختي علّهم يجدون آذانا صاغية لهم. وذكر لعروسي أنّ الشابين محمد بختي وبشير القلي لقيا سوء معاملة في السجن خاصة أمام تشبثهما بوجوب «إيقاف جميع السلفيين في مجمع واحد حتى يتسنى لهم أداء الواجبات الدينية معا، لكن طلبهم جوبه بالرفض». ويواصل الشاب لعروسي قائلا: «أمام إصرار بختي وقلي على طلبهما، تمّ سجنهما في زنزانة انفرادية (سيلون) مما حال دون تقديم الإسعافات اللازمة لهما مؤكّدا «رفض إدارة السجن مدّ يد المساعدة لبختي وقلي إضافة إلى امتناع الطبيب عن تغذية الشابين بتعلة رفضهما العلاج، بينما كانا فاقدين للوعي»، على حدّ قوله.