كم هي مؤلمة، ولكن كم هي كاشفة للحقائق تلك الصور التي تم ترويجها بعد استهداف ثلاثة من إعلاميي غزة بالتزامن مع الحملة الشرسة التي استهدفت عددا من المؤسسات الاعلامية ومقرات قنوات تلفزية ووكالات أنباء أجنبية... انها مؤلمة لأنها تستهدف جنود القلم ممن لا يملكون من الرصاص غيرالاقلام جعلوها سيوفا حادة يُحمّلونها كلماتهم وشهاداتهم القاطعة التي يدوّنون بها الحقائق، أو عدساتهم التي ينقلون عبرها الصور ويسجّلون بواسطتها الوقائع التي تشهد على فظاعة الجريمة الحاصلة والتي ستكون يوما ما وثيقة ادانة للمحتل وللقيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية التي تشترك في العدوان، وهي بالتأكيد كاشفة لأنها تؤكد أن الطريق الى الحقيقة ليس من دون أشواك ودماء أو من دون مخاطر... ككل الجرائم الاسرائيلية السابقة فان العدوان الهمجي المفتوح على غزة لم يستثن كما في كل مرة تلك الفئة المناضلة في مقدمة المعركة وهي الفئة التي جعلت من كشف المستور ومطاردة الحقيقة هدفا لها لإنارة الرأي العام بشأن ما خفي من الانتهاكات والخروقات لأبسط قواعد حقوق الانسان المقترفة بعيدا عن الانظار لا سيما عندما يتعلق الامر بخفايا الحروب اللامتكافئة والتي تنعدم فيها كل أنواع التوازن فيتحوّل فيها الجلاد الى ضحية وتحمل الضحية بقدرة قادر صفة الارهابي الذي وجب استئصاله بكل الطرق... تلك هي غزة ومأساتها المتكرّرة التي استهدفت بالأمس رجال الإعلام بعد أن كانت وجّهت رصاصها وقنابلها في الايام السابقة للنساء والاطفال والشيوخ في البيوت والشوارع وحتى في المؤسسات والمستشفيات وسيارات الاسعاف... غزة ودّعت أمس ثلاثة من صحافيّيها استهدفتهم القنابل المجرمة لآلة الدمارالاسرائيلية وهم في الطريق لنقل شهاداتهم عما يحدث في مستشفيات غزة قبل أن ينقلوا بدورهم إلى ثلاجات الموتى. محمود الكومي، حسام سلامة، محمد أبوعيشة... أسماء ستسجل غزة أنها سقطت لتكشف للعالم ما خفي من العدوان الذي يتواصل تحت مظلة "عامود الضباب" وأنها أسماء رفضت أن تكون شاهد زور أو شاهدا أخرس يتوارى عن الانظار في اللحظات الحاسمة ويمتنع عن نقل الحقيقة تحت الرصاص... ولعله من المفارقات أن تسجل الجريمة الاسرائلية في حق اعلاميي غزة - والتي تنضاف لكل الجرائم السابقة - عشية اليوم العالمي لمنع الافلات من العقاب لقتلة الصحافيين... مفارقة صارخة عن جدوى القوانين والقرارات الدولية القابلة للتطويع عندما يتعلق الامر بالمبادئ والقيم الكونية التي لا تقبل بأي حال من الأحوال بسياسة المكيالين... استهداف الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية لا يقبل أكثرمن تفسير لأنه بكل بساطة اغتيال ووأد للحقيقة ومحاولة أيضا لخداع وتضليل الرأي العام. على أن الواقع أن تصفية وقتل رجال الاعلام بتلك الطريقة الجبانة كان ولا يزال جزءا من مخططات وتكتيكات الاحتلال التي لا تختلف في شيء عن تكتيكات وحسابات العصابات المنظمة التي تخاف الحقيقة وترهبها ولذلك فإنها لا تشعر بأدنى خجل أو ارتباك عندما تلجأ إلى تلك الممارسات. على أن ما يتجاهله مجرمو الاحتلال عندما ينفذون جرائمهم أنه قد تغيب الحقيقة لبعض الوقت ولكنها لا يمكن أن تغيب كل الوقت، وأن استهداف فريق من الاعلاميين في غزة سيدفع بمئات، بل وبآلاف الصحفيين، إلى الصعود للمشهد من قلب الحدث، وسيتحول أهل غزة جميعا الى مواطنين اعلاميين بما لديهم من وسائل وإمكانيات لرصد ونقل أطوار الجريمة. والارجح أن ما خططت له قيادات اسرائيل من خلال استهداف المدنيين والاعلاميين قد بدأ يتحول الى حرب اعلامية شاملة في مختلف وسائل الاعلام بما في ذلك في الدول الحليفة لاسرئيل والتي أعلنت رفضها العدوان الهمجي وتنصّلها من مخططات التصفية العرقية المدروسة في زمن ثورة المعلومات التي يخطئ كل من يعتقد أنه يملك القدرة على التحكم فيها أو توجيهها وفق مصالحه وأهدافه...