باتت رياضة كمال الأجسام تستهوي الكثير من الشباب الطامح إلى تحسين عضلاته والارتقاء بمستواه البدني، لكنّ الملاحظ اليوم هو وجود بعض الشباب الراغبين في تحسين بنية أجسامهم في أسرع وقت، وهو ما يدفعهم إلى ممارسة الرياضة في مراكز اللياقة البدنية واعتماد المنشطات التي عادة ما تكون على شكل كبسولات أو أعشاب أو إبر أو هرمونات. لكن بقدر ما لهذه المنشطات من فوائد بقدر ما لها من مضار على صحة الفرد. «الصباح الأسبوعي» تحدثت إلى عدد من الشباب الممارس للنشاط الرياضي والتقت بهم، ومن بينهم من أصيب بانسداد في أوعية القلب بسبب اعتماد المنشطات، كما التقت بزكية البرطاجي المديرة العامة للوكالة الوطنية لمكافحة تعاطي المنشطات التي كشفت مصدر هذه المنشطات وكيفية اكتساحها قاعات الرياضة. تستعمل المنشطات كأدوية من شأنها مساعدة المريض على التعافي ولكن من شأنها أن تتسبب في إصابة الرياضي الذي يتمتع بصحة سليمة. زياد النابلي شاب في الرابعة والعشرين من عمره مولع بممارسة الرياضة منذ صغره، لكنّه كان ضحية تعاطي هذه المنشطات التي أدت إلى انقطاعه عن ممارسة النشاط الرياضي منذ فترة. يقول زياد ل»الصباح الأسبوعي»: «لم أكن أتصور يوما أني سألجأ إلى حقن إبر من شأنها تحسين بنية جسمي، لكن عندما أتطلع إلى بعض أصدقائي الذين يعتمدون المنشطات، أعجب بمظهرهم كثيرا وهو ما شجعني على الاقتداء بهم وتناول هذه المنشطات، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان. حلم زياد كان تحسين بنية جسمه لكنه لم يعتقد أنّ إصابته على مستوى جهاز القلب في انتظاره. فقد أفادنا أنه نتيجة لحقن المنشطات بصفة مستمرة، أصيبت أوعيته الدموية بالقلب وهو ما أدى إلى توقفه عن ممارسة النشاط الرياضي. وعن مصدر هذه المنشطات، ذكر زياد أنّه كان يحصل عليها من قبل مدربه بالقاعة، قائلا: «صحيح أن مدربي هو من يقدمها لي وأمام إدماني عليها، أصبح ينصحني بالتوقف عن استعمالها، لكنّ إصابتي كانت أسرع من اتخاذي هذا القرار". فادي البركاتي (19 سنة) يمارس النشاط الرياضي منذ 3سنوات، صرّح بأن لديه أصدقاء يعتمدون هذه المنشطات. وعن مدى رغبته في الاقتداء بهم، قال فادي: «على العكس أنا لا أرغب في استعمالها لأني لاحظت أن لها مضار كثيرة وذلك انطلاقا من تجربة بعض زملائي". وأثناء محادثتنا معه، تدخل صديقه حسام، قائلا: «نعم لقد سعيت مرارا إلى إقناع فادي بعدم استعمال هذه المنشطات، فقد كانت لي تجربة سيّئة معها، فبسببها أصبحت أشكو من عدم القدرة على التركيز وأعاني من إصابة مستمرة في رأسي". "مضطر لتوفيرها لهم" إنّ حديثنا لم يقتصر على بعض الممارسين لنشاط رياضي والمستعملين للمنشطات، فقد قمنا بجولة قصيرة في بعض قاعات الرياضة وبمجرّد طرحنا الموضوع يطلب منا المغادرة فورا، إلى أن قابلنا السيد (م.س) وهو صاحب قاعة رياضية بأحد أحياء العاصمة الشعبية وقد اشترط عدم الكشف عن هويته ليحدّثنا خوفا عن مصدر رزقه، ما لاحظناه بداية هو أنّ (م.س) غير ملمّ بمخاطر المنشطات. لكنه أبدى حيرة شديدة عندما أعلمناه بهذه المخاطر. وقال (م.س) ل«الصباح الأسبوعي»: «شخصيا أتزوّد بهذه المنشطات من أحد أصدقائي الذي يتحصلّ عليها من أحد أقربائه العامل بسلك الديوانة، ولكن أؤكد لك أنها صحية فلم يتعرّض أيّ شاب من الذين يمارسون نشاطا رياضيا في القاعة ويتعاطى هذه المنشطات إلى وعكة صحية». وأضاف محدّثنا قائلا: «أنا صاحب هذه القاعة منذ 15 سنة تقريبا، ولكن خلال الخمس سنوات الأخيرة أصبحت المنشطات وتحسين البنية الجسمية أول مطلبين للرياضي، وهو ما دفعني إلى الحرص على توفيرها، فإن لم أوفرها لهم سيبحثون عن قاعة أخرى يجدون فيها حاجتهم». المنشطات تنقص من الذكورة هذه الشهادات دفعتنا إلى مقابلة زكية البرطاجي المديرة العامة للوكالة الوطنية لمكافحة تعاطي المنشطات التي أكدت خطورة هذه المنشطات، واصفة إياها ب«سلاح ذو حدّين». فأمام تأكيدها على الجوانب الإيجابية لهذه المنشطات، لم تتردّد في الإشارة إلى المخاطر، قائلة: «العديد لا يعلم خطورة هذه المنشطات فهي تؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان، كما تؤثر تأثيرا مباشرا على جهاز القلب والأوعية الدموية والكبد وجهاز الغدد ناهيك عن إضعاف عمل نشاط الجهاز التناسلي لدى الجنسين، فمن شأنها أن تنقص من ذكورة الرجل ومن أنوثة المرأة كذلك دون أن ننسى طبعا تسببها في فقدان السيطرة والقدرة على التركيز». وأكدت أنّ الهرمونات البناءة هي الأكثر خطرا على صحة مستعمليها لكونها الأكثر استعمالا في قاعات الرياضة باعتبارها تساهم في تقوية العضلات لدى الصغار والكبار. وأشارت الدكتورة البرطاجي إلى وجود نوع من المنشطات يؤدي إلى الموت المفاجئ. وعن المخاطر، اعتبرت محدّثتنا أنّ المنشطات المعتمدة من شأنها أن تتحول إلى إدمان لدى مستعمليها، قائلة: «إنّ الخطورة تكمن كذلك عندما يعوّض الرياضي المنشطات بالمخدرات وقد قابلنا حالات كهذه، وهو ما يؤكّد خطورة الوضع ووجوب أخذ الاحتياطات اللازمة». لا يوجد في تونس مخابر تصنع المنشطات أكدت المديرة العامة للوكالة الوطنية لمكافحة تعاطي المنشطات عدم وجود مخابر في تونس تصنّع هذه المنشطات، قائلة: «يقع جلب جميع أنواع المنشطات من الخارج، وهناك لجنة تابعة لوزارة الصحة تتولى مهمة التأكد من مدى صحة هذه المواد التي تباع في الصيدليات أو الأماكن المخصصة للكماليات الغذائية، ولكن المشكل الأساسي يكمن في التوريد بطرق غير قانونية وهو ما يحول دون مراقبة صحة هذه المواد». وشددت الدكتورة البرطاجي على «وجود منشطات تباع بصفة سرية في بعض القاعات الرياضية ويقع تقديمها للمستعملين على أساس أنها «بروتين» أو «فيتامينات» أو «كماليات غذائية»، بينما الحقيقة تتنافى مع تلك التسمية باعتبار أن المنشط يتضمّن تركيبة أخرى ذات آثار سلبية»، وهو نفس ما أكده لنا الشابان زياد وفادي باعتبارهما ضحيتين لاستعمال هذه المنشطات. تقصير في الرقابة المنشطات المضرّة بالصحة باتت اليوم بأيدي شبابنا ومن المؤكد أنّه حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة. عن هذا الموضوع، قالت محدّثتنا: «نعم هو أمر مؤكّد ونحن نعمل اليوم كوكالة وطنية لمكافحة المنشطات على التنسيق مع كلّ من وزارتي الصحة العمومية والتجارة وكذلك الديوانة لإيجاد حلّ فعلي لهذه المسألة لأنّ النص القانوني الذي يدين المخالفين موجود ولكن تطبيقه هو المشكل». من المهام الموكولة للوكالة الوطنية لمكافحة تعاطي المنشطات مراقبة مدى اعتماد الرياضيين للمنشطات، وفي صورة ثبوت ذلك يتعرض الرياضي إلى أقصى العقوبات على الصعيدين الوطني والدولي. صحيح أنّ من واجب الدولة الاهتمام بصحة الرياضيين والحرص على تكريس التنافس النزيه واحترام أخلاقيات الرياضة، وهو ما تسهر الوكالة على اتباعه. لكن من واجب الدولة أن تلتفت إلى فئة الشباب أيضا وتعطي أكثر اهتماما لقاعات الرياضة بتركيز دورات مراقبة ووضع نص قانوني يحمّل المخالفين بما في ذلك أصحاب القاعات مسؤولياتهم وتتخذ إجراءات فعلية تجسّد على أرض الواقع للحدّ حاليا من انتشار هذه الظاهرة إلى أن يقع إلغاؤها تماما، ولا يمكننا المرور هنا دون التأكيد على دور الديوانة التي بإمكانها أن تلعب دورا محوريا في حلّ هذا المشكل. خولة السليتي
مكافحة المنشطات في تواريخ قبل سنة 1991، كان موضوع تعاطي المنشطات من المواضيع المسكوت عنها، لكن في ذلك التاريخ تحديدا تمّ اكتشاف حالتين إيجابيتين في صفوف الرياضيين التونسيين وهو ما مثل منعرجا في مجال مكافحة المنشطات، فقد تمّ إحداث وحدة لمكافحة تعاطي المنشطات في المركز الوطني للطب وعلوم الرياضة. كما صادقت تونس على الاتفاقية الدولية لمكافحة المنشطات بمقتضى أمر صدر في 20 نوفمبر 2006. وبتاريخ 8أوت 2007، تمّ إحداث الوكالة الوطنية لمكافحة تعاطي المنشطات.
12 ديسمبر القادم يوم مفتوح حول "المنشطات وقاعات الرياضة" إيمانا منها بخطورة انتشار ظاهرة تعاطي المنشطات في قاعات الرياضة، تعتزم الوكالة الوطنية لمكافحة تعاطي المنشطات بالتعاون مع وزارتي الصحة والتجارة والديوانة التونسية تنظيم يوم مفتوح بالعاصمة يوم 12 ديسمبر القادم حول «المنشطات وقاعات الرياضة». وسيشارك في هذا اليوم عدد هام من أصحاب قاعات الرياضة بهدف تحسيسيهم حول خطورة المنشطات على صحة الشباب.