بقلم : أحمد مصطفى - رغم انه لا رابط هناك بين المجازرالاسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة وبين حادث دهس قطار لحافلة تحمل اطفالا من تلاميذ المدارس في اسيوط بجنوب مصر، الا ان المصريين وجدوا كثيرا من اشكال العلاقة بين الاثنين. ربما كان المنطقي الوحيد هو ان الضحايا في حادث أسيوط كلهم من الاطفال وكثير من ضحايا القصف الاسرائيلي هم من الاطفال ايضا. لكن اطفال فلسطين يقتلون في حرب يشنها عدو واضح ومحدد، اما اطفال مصر فقتلهم الاهمال والعجز والفساد المتمكن من العباد وفي البلاد. بالطبع هناك قدر كبير من حملة ربط المصريين بين غزةواسيوط يتعلق بموقفهم من حكم الاخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي وحكومته. فقد بدا ان الحكم في مصر مهتم ومعني بغزة اكثر من اهتمامه بأسيوط. وحتى لو كان هذا صحيحا وان كنت اشك ان الحكم الناشئ في ارض الكنانة معني بأكثر من تثبيت اركانه ومحاولات توازنات داخلية وخارجية تدعم بقاءه فإنه يأتي في سياق يخدم تقديم حماس في النهاية كمفاوض رئيسي عن الفلسطينيين مع اسرائيل لتسوية مخجلة اخرى يكون لمصر دور فيها. وليس في الامر ما يصرخ به البعض من مناوئي حكم الاسلاميين من انه اهتمام الرئيس مرسي "بأهله وعشيرته" من الاسلاميين في غزة وغيرها. فكون هؤلاء اسلاميين بالفعل، بل واخوانا مسلمين بشكل أو بآخر، يعني انه ليس بحاجة لأن يساندهم كي يجندهم لمشروعه بقدر ما يستغل محنتهم لتحقيق مكاسب ذاتية تتعلق بدعم اميركي لحكم الإسلاميين في مصر وقبول اسرائيلي بذلك الحكم وعدم احراجه بالعدوان. وما يجري في غزة هو تكرار لأكثر من عدوان سابق بذات الطريقة منذ انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من القطاع في 2005، كما ان اسرائيل لم تتوقف فيما بين حملات العدوان عن استهداف الفلسطينيين في القطاع قتلا واصابة وقصفا للمنازل والسيارات والدراجات. اما ما حدث في مصر فقد فاجأ الناس بعد انتفاضتهم على السلطة وتغييرهم للرئيس والحكومة قبل نحو عامين. وبعدما انتخب المصريون رئيسا جديدا تصوروا ان الاوضاع تغيرت في بلادهم وانهم اصبحوا بعيدين عن كوارث تكررت مرارا في عهد مبارك، وحتى في ظل تولي المجلس العسكري امور البلاد في الفترة الانتقالية. وبغض النظر عن مدى التفاؤل، وبالتالي حجم الاحباط، فالأوضاع في مصر لم تتغير الا بقدر رفع غطاء "الاستقرار" الوهمي للنظام السابق عن بالوعة الفساد والاهمال والتحلل التي ضربت كل جوانب الدولة والمجتمع. ومن الصعب تصور ان العسكريين، أو رموز نظام مبارك، او الاخوان المسلمين او أيا من القوى التي تبقت من فترة العقود الاربعة الماضية قادر على اصلاح الاحوال في البلاد. واقصى ما يفعله الرئيس الجديد هو انه يحاول تعزيز سلطته، وعلى ذات المنهاج السائد منذ حكم عبد الناصر (الذي ينتقده الاخوان) مع الفارق في الظروف. كارثة اسيوط لا تختلف كثيرا عن كارثة العبارة وعن كوارث القطارات وحوادث الطرق شبه اليومية، وان كانت الفاجعة فيها اكبر لعدد الضحايا من اطفال في عمر الزهور. وليس القصد من الاشارة إلى الفساد والاهمال والعجز المتفشي في مصر وبين العباد تبرئة الاخوان او غيرهم ممن هم في سدة الحكم وصدارة المشهد الآن، وانما فقط التأكيد على مدى العجز الذي وصلت إليه مصر تحديدا في العقدين الاخيرين من الزمن. صحيح انه كان بإمكان الرئيس الجديد ان يبدأ من يومه الاول حملة تطهير واسعة واعادة ترميم لكثير من مؤسسات الدولة، الا ان الطريقة الاخوانية في التركيز على إحلال "اهلهم وعشيرتهم" محل من يريدون التخلص منهم طغت على اسلوب الحكم. ومن ثم اصبح التغيير مثل استبدال الاتحاد الاشتراكي بمنبرالوسط ثم بالحزب الوطني. ويستغرب المرء ان ينتظر الناس من الرئيس وجماعته ان تكون الجماهير العادية التي تشكل اغلبية سكان مصر هي اهتمامهم الاول. بالطبع هناك مناوئو الاخوان، والاسلام السياسي عموما، الذين يستغلون الربط بين غزةواسيوط لتحقيق مكاسب انتهازية في الواقع. وليست هناك حاجة لاستغلال حادث مأساوي يصم جبين المجتمع كله، وليس الحكومة فقط، للهجوم على الاخوان فسياساتهم حتى الآن كفيلة بتبيان فشلهم وانتهازيتهم وتصوراتهم الضيقة والانانية. انما الاهم ان الشعب في مصر اصبح قادرا على ان يقول الحق في وجه السلطة: نعم يجب استقالة ومحاسبة كل من تسبب في الحادث من وزيرالنقل ورئيس هيئة السكك الحديد إلى عامل المزلقان وسائق الباص، بل واقالة الحكومة المقصرة في عدم الاهتمام بمصالح الناس المباشرة وحماية أرواحهم. لكن الربط بين غزةواسيوط بالطريقة التي يروّجها من لا يختلفون كثيرا عن الاخوان والعسكر ومبارك فهي سخافة ممجوجة. الرابط المنطقي ان حرص الاخوان على تثبيت سلطتهم هو ما يدفعهم للحفاظ على دور مصري في القضية الفلسطينية يبقي على الدعم الاميركي والقبول الاسرائيلي (نفس سياسة نظام مبارك والسادات(. لكن في الأخير يبقى ان حكم الاخوان، بانتهازيته وانعدام مهارته، افضل في كشف ما تراكم في البلاد والعباد من سوءات للتخلص منها. وهذا امر ضروري ان اردنا اصلاح الاحوال، ولا يوجد تغيير حقيقي بدون ثمن وعلى قدر جودة التغيير يكون الثمن، والاخوان افضل من يجعل المصريين يدفعون أعلى ثمن لأفضل إصلاح وتغيير.