يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جل شهداء ما بعد 14 جانفي مخالفون لقانون الطوارئ.. و40 عسكريا في قفص الاتهام
مدير القضاء العسكري ل"الصباح":
نشر في الصباح يوم 04 - 12 - 2012

هذه حقيقة العلاقة بين الجيش والأمن.. ولا فرق بين أمني وعسكري في المحاكمات - تبرئة 21 أمنيا في قضايا شهداء الثورة - جلّ عمليات القتل بعد "14 جانفي" حصلت بأعيرة مرتدة" – عمليات القتل بعد 14 جانفي نتجت عن أعيرة مرتدة"
حام تشكيك كبير حول المحاكمات في قضايا الشهداء وخاصة من الأمنيين الذين سقطوا على أيادي عسكريين بعد تاريخ 14 جانفي 2011 وواجه القضاء العسكري تحاملا كبيرا سواء من عائلات الشهداء والجرحى أو حتى من المحامين..
حملنا جملة من الأسئلة الى العميد القاضي مروان بوقرة وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري أولها:
لماذا أحيل كل المتهمين الذين ينتمون إلى سلك الجيش الوطني والمورطين في قضايا الشهداء بحالة سراح؟
فأجابنا العميد بوقرة بأن "هذا السؤال يحتاج في البداية إلى العديد من التوضيحات فالجيش الوطني لم يطلق ولو رصاصة واحدة في الفترة الممتدّة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، بل وقف إلى جانب الثورة وقام بحماية المؤسّسات الحسّاسة للدولة دون المشاركة في قمع الاحتجاجات إذ لم نعلم أنّ أحد الشهداء والجرحى أصيب بطلق ناري صادر عن عسكري قبل تاريخ 14 جانفي 2011 ، أمّا في ما يتعلق بالفترة اللاحقة للثورة والتي تمّ فيها حظر جولان الأشخاص والعربات والتي تولى الجيش الوطني تأمين فرضها، فقد تمّ فعلا إطلاق النار على المخالفين بعد استنفاد الإنذار القانوني بالتوقف وحصلت حالات وفاة كان أغلبها ناتجا عن أعيرة مرتدّة ورغم ذلك فقد تعهّد القضاء العسكري بكلّ هذه الوقائع وتمّ البحث فيها ومحاكمة كلّ من ثبتت مخالفته للإجراءات أو استعماله السّلاح دون موجب أو بطريقة مخالفة للتراتيب رغما عن أنّ الضّحايا يتحمّلون المسؤوليّة الأولى بسبب مخالفتهم لحظر الجولان أوّلا وهو ما يشكّل جريمة حسب الأمر المنظم لحالة الطوارئ ثمّ عدم انصياعهم للأمر بوجوب التوقّف والاستظهار بالهويّة، لذلك وبناء على ما سبق بيانه بخصوص ظروف حصول حالات الوفاة فإن القضاء قام بتقدير تلك الظروف والملابسات واتخذ قراره بالإبقاء على العسكريين بحالة سراح دون اعتبار صفتهم، فالقضاء العسكري يتعامل على نفس المسافة مع كل المتقاضين مهما كانت صفتهم عسكرية أو أمنية أومدنية وكلّ الجهد انصبّ نحو إصدار أحكام طبق القانون وتُرضي الله والضّمير انطلاقا من الوقائع وظروف وملابسات حصولها بقطع النّظر عن صفة المتهم فيها".
سألنا ثانيا العميد بوقرة: "بماذا يبرر القضاء العسكري توجيه تهمة القتل على وجه الخطإ إلى جل العسكريين المورطين في قتل شهداء ما بعد 14 جانفي؟"
فأجابنا بأن "ما يطرحه اليوم بعض المتهمين الأمنيين وعائلاتهم من تساؤلات حول أسباب تتبع الأمنيين المورطين في قضايا شهداء الثورة من أجل القتل العمد في حين أنّ العسكريين الذين تسبّبوا في قتل بعض المواطنين بعد يوم 14 جانفي أحيلوا من أجل القتل على وجه الخطإ، هو أمر مقبول ويمكن تفهمه لأن المسألة قانونية بالأساس، لكنها لا تغيب عن رجال القانون والحقوقيين ويصبح طرح المسألة من طرف هؤلاء على النحو الذي نشهده اليوم سواء في وسائل الإعلام أو على منابر الندوات يحمل في طياته خلفيات ونوايا غير بريئة ليست الغاية منها سوى بث الفرقة والبلبلة بين سلكي الجيش والأمن الوطنيين فالكل يعلم أنّه تمّ توجيه تهمة القتل على وجه الخطإ إلى العسكريين باعتبار أنّ المسألة هي بالأساس قانونية بحتة وتتعلق بموضوع التكييف القانوني في المادة الجزائية الذي يكتسي أهمية بالغة لما يرتبه من آثار قانونية تختلف باختلاف الوصف الذي يعطى للواقعة الإجرامية بناء على الأفعال المعروضة على القاضي والنصوص القانونية السارية المفعول، وتبقى هذه المسألة خاضعة لاجتهاد القاضي من خلال ما توفر له من معطيات وأدلة استقرائية تحت رقابة محكمة التعقيب".
مضيفا أن "التكييف القانوني (la qualification juridique ) هو الإجراء الأولي الذي يقوم به القاضي لإعطاء الوصف القانوني الصحيح للفعل المكون للجريمة ومن ثمة تحديد طبيعته القانونية وفقا لنصّ القانون، والمبدأ المعمول به في القانون الجزائي بالنسبة إلى التكييف هو أن الجهة القضائية المحال عليها الملف لا تتقيد بالوصف القانوني الذي أضفته على الفعلة الجهة التي أحالت القضية عليها، وإنما تتقيّد فقط بالأفعال المحالة عليها، واستنادا على ذلك لا يتقيّد قاضي التحقيق بالوصف الذي أعطته النيابة العمومية للفعل الإجرامي المحال عليه وإنما يتوجب عليه قانونا أن يتقصّى الحقيقة، ووضع القضيّة في إطارها القانوني الصّحيح كي يعطي للفعل الوصف القانوني السّليم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى محكمة الموضوع التي تتقيّد بالأفعال المحالة عليها فقط ولا تتقيّد بالوصف القانوني الذي وصفت به هذه الأفعال في ادعاء النيابة العمومية أو في شكاية القائم بالحقّ الشخصي أو في قرار قاضي التحقيق أو دائرة الاتهام.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أنّ جرائم القتل متعدّدة وتنقسم بالنظر إلى توافر صور الركن المعنوي إلى القتل العمد والقتل على وجه الخطإ، وجرائم القتل على الرغم من تنوع صورها فإنّها تشترك فيما بينها في بعض الأحكام تتمثل خاصّة في أنّ القتل يمثل اعتداء على أهم حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، وقد يكون القتل العمد بسيطا أو مقترنا بظروف تشدد من العقوبة، ومن أنواع جرائم القتل العمد نذكر:
القتل العمد بإضمار.
القتل العمد المقترن بجريمة أخرى.
العنف الناتج عنه موت.
أمّا القتل على وجه الخطإ فيتطلب أوّلا وجود ضحيّة، ثمّ توفّر الرّكن المادي المتمثّل في الخطإ غير العمدي وهو إخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون عندما يتصرف الإنسان تصرفا مخالفا لما تفرضه القواعد العامّة للتصرف الإنساني وما يفرضه القانون، أو ما تستوجبه التراتيب والنظم الصّادرة في المجال. فجريمة القتل العمد مثلا حددها المشرع التونسي في المجلة الجزائيّة بأن تنصرف إرادة الجاني إلى إزهاق نفس بشرية كانت على قيد الحياة، أما إطلاق النار لإجبار المارقين على القانون والمخالفين لحظر الجولان أثناء إعلان حالة الطوارئ بالبلاد التونسية قصد إجبارهم على التوقف أو ثنيهم عن مواصلة أعمال النهب والتخريب لا يرتقي إلى القتل العمد حتى وإن أدى إلى وفاة من أطلق النار عليه بل هو مجرّد قتل على وجه الخطإ إن تبيّن عدم التقيّد بالتعليمات المعطاة في الغرض، وتبقى هذه المسألة خاضعة لاجتهاد القاضي من خلال ما توفر له من معطيات وأدلة استقرائيّة وذلك تحت رقابة محكمة التعقيب".
أكد العميد مروان بوقرة على أن "عمليّات القتل التي حصلت بعد 14 جانفي2011، لم تكن في أغلبها متعمدة، إذ كان أغلبها ناتجا عن أعيرة مرتدة، أو حصلت وقائعها في فترة التصدي لعمليات السرقة والنهب والاعتداء على الأموال العامة والخاصّة من طرف عصابات ومجموعات من الأفراد، وهو الأمر الذي استوجب إحالة بعض العسكريين من أجل تهمة القتل على وجه الخطإ، كلّما ثبت أنّ المتهم كان مقصّرا في عدم مراعاة التراتيب المعمول بها في مجال حفظ النّظام من قبل القوات المسلحة، أو ما لم يتخذ ما يستوجبه الظرف من احتياطات قصد تلافي عمليّة إطلاق النّار".
وأضاف العميد بوقرة "في هذا الصدد أريد أن أوضح أنّ الدافع لاستعمال السلاح بالنسبة للعسكريين في تلك الفترة هو الحفاظ على الممتلكات من اللصوص والعصابات التي كانت تبث الرعب في نفوس المواطنين ومحاولة إحراق المؤسّسات الحيويّة وغيرها من الوحدات الاقتصادية ضاربة عرض الحائط بحظر التجوّل ويجب أن لا ننسى النداءات المتكرّرة -خلال تلك الفترة- من المواطنين لطلب العون والمساعدة من القوات المسلحة لحمايتهم من هؤلاء المارقين عن القانون فهل يكافأ من حمى البلاد واجتهد في فرض القانون بالإيقاف؟! فالعسكريون الذين تمّت إحالتهم على المحاكمة بتهم مختلفة تراوحت بين مخالفة التعليمات العسكرية وإلحاق أضرار بدنية للغير عن غير قصد أو حتى القتل العمد أو على وجه الخطإ كانوا يؤدّون واجبهم بكل إخلاص إلا أنّه في بعض الأحيان كانوا تحت وطأة ضغط أدّى ربّما إلى سوء تقدير الوضع وعدم احترام تراتيب إطلاق النار ممّا يفسّر تتبعهم أمام المحاكم العسكرية.
ذلك أنّ كلّ وفاة مستراب فيها (mort suspecte ) تستوجب حسب الطبّ الشرعي فتح بحث تحقيقي وتعهد للمحاكم قصد إنصاف الضّحايا إلى مؤاخذة كلّ عسكري كان خالف تراتيب إطلاق النّار التي كان كاتب في شأنها قضاة التحقيق -عند بداية الأبحاث- رئيس أركان الجيوش ورئيس أركان جيش البرّ الذي أمدنا بالتعليمات المتعلقة بمشاركة الوحدات العسكريّة المنتشرة على الميدان في عمليّات حفظ النّظام وكيفيّة التعامل مع مختلف الوضعيّات وظروف استعمال السّلاح، وإنّ القضاء العسكري لا يسعه إلاّ أن يشيد بتشبّع القيادة العسكريّة باحترام حقوق الضّحايا وضمان حرمة الذات البشريّة مع الإشارة أنّ جيوشا في دول أخرى لا تحاسب أفرادها في مثل هذه الحالات إلاّ أنّ القضاء العسكري يعمل جاهدا لإعطاء كلّ ذي حقّ حقه ولو أنّ الضحيّة ساهمت بنسبة 95% من حصول الضرر أو الوفاة والجدير بالذكر أنه بالنسبة لهذه القضايا والمشمول فيها عسكريون فقد بلغ عددها 40 قضيّة".
عسكريون متهمون بحالة سراح
سألنا العميد بوقرة: "بماذا يفسر القضاء العسكري إبقاء جميع المتهمين العسكريين بحالة سراح في حين أن أغلب المتهمين الذين ينتمون لسلك الأمن بحالة إيقاف؟" فأجاب: "إنّ ما جاء في هذا السؤال من صيغة التعميم بأن كلّ المتهمين المنتمين لسلك الأمن أحيلوا بحالة إيقاف هو غير صحيح ومخالف للحقيقة، إذ وعلى سبيل المثال فقد شملت قضيّة شهداء تالة والقصرين إحالة 8 أمنيين بحالة إيقاف و12 بحالة سراح، كما أنّ القضيّة التي نشرت أمام المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس شملت 32 من الأمنيين الذين أحيلوا بحالة سراح، وكذلك الشأن بالنسبة إلى قضيّة الوردانين التي تمّ في طور التحقيق العسكري الإفراج عن عدد من المتهمين الأمنيين المشمولين بالبحث في القضيّة وإحالتهم بحالة سراح.. والأمر نفسه بالنسبة إلى قضيّة الضّابط بالحرس الوطني الذي أطلق النّار على أحد الشبّان بمفترق طريقي بوعرادة وقعفور ببلدة العمايم من معتمدية الفحص الذي رفض الامتثال للأمر الصّادر له بالتوقف إثر أحداث الرّوحيّة فأرداه قتيلا، فقد تمّت إحالة الضّابط المذكور بحالة سراح، أمّا في ما يتعلق بالاعتبارات القانونية والواقعية لإحالة بعض الأمنيين بحالة إيقاف فهي تعود إلى أن عمليات القتل والجرح التي جدت في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 والمتهم فيها قيادات وأعوان من قوات الأمن الداخلي حصلت بطريقة مقصودة ومتعمّدة ودون أيّ موجب أو مبرّر كوسيلة لمعالجة الوضع وقمع المظاهرات وهو ما استوجب إحالة المتهمين فيها بحالة إيقاف ومثلت تلك القيادات المنفذين الرئيسيين لمخطط رئيس الدولة ووزير الداخلية قصد مجابهة المظاهرات والاجتماعات والتجمهر، وقد باشر قضاة التحقيق عمليات البحث والاستقراء بكل ثبات ديدنهم إظهار الحقيقة، عبر اعتماد رؤية متوازنة هدفها أخذ حقوق الضحايا والجرحى حتى لا تذهب دماؤهم وإصاباتهم هدرا، والنظر بموضوعية ونزاهة ووضوح إلى وضعيّة المتهمين بالضّلوع في عمليات القتل والجرح من جهة أخرى، خاصّة أنّ الظروف التي جدّت خلالها تلك الجرائم لم تكن عادية، وإنّما كانت على إثر الحركة الاحتجاجيّة الشعبيّة التي شهدتها كامل البلاد، ممّا يستوجب تقدير ظروف وملابسات جرائم القتل والجرح على وجه الدقة.
أمّا قضايا القتل التي اتهم فيها عسكريّون والتي جدت وقائعها بعد تاريخ 14 جانفي 2011 أي أثناء فترة حظر الجولان وهي فترة تولت فيها المؤسسة العسكرية التصدي لعمليات السرقة والنهب والاعتداء على الأموال العامة والخاصة للشعب من طرف عصابات ومجموعات من الأفراد، وهي فترة تميزت بانفلات أمني وغياب شبه كامل للمؤسسة الأمنية بالبلاد، لذلك وباعتبار أن عمليات القتل التي حصلت في تلك الفترة لم تكن من جهة متعمدة في أغلبها ولم يكن الدافع وراءها قمع الاحتجاجات وحماية النظام البائد وإنما المحافظة على أموال المجموعة الوطنية وأمن المؤسّسات كما كانت ناتجة عن أعيرة مرتدة في أغلبها، ومن جهة ثانية حصلت تلك الوقائع في إطار فرض حظر الجولان وحماية ممتلكات الشعب كما ذكرنا آنفا وبناء عليه تمت إحالة المتهمين العسكريين بحالة سراح على خلاف بعض أعوان الأمن الذين تمت إحالتهم بحالة إيقاف، إضافة إلى أن قرار منع الجولان لم يكن مطلقا في مضمونه بل كان يسمح للحالات الصحيّة وكذلك للعاملين ليلا بالتنقل ولكن المطلوب كان التوقف لمختلف الدوريات والاستظهار بالهويّة.
وقد تبين من أغلب القضايا المنشورة في هذا الإطار أن أغلب الضحايا يتحملون مسؤولية كبيرة في ما حصل لهم ولو أنهم امتثلوا لأوامر الدوريات لما أطلق عليهم النار علما أن هناك العديد من الأشخاص ممن خالفوا حظر الجولان وامتثلوا لأوامر مختلف دوريات الجيش الوطني فتمّ إيقافهم وإحالتهم على القاعدة العسكرية بالعوينة في مرحلة أولى ثمّ قدموا لمراكز الشرطة وحرّرت في شأنهم محاضر بحث ثمّ قدموا للمحاكمة كما يقتضيه الفصل 10 من الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المنظم لحالة الطوارئ.
أحكام مخففة
سألنا العميد مروان بوقرة: "بماذا يفسّر القضاء العسكري إصدار أحكام مخففة جدا في حق المتهمين العسكريين رغم اتهامهم بالقتل العمد؟ "فكانت إجابته كالآتي: "إنّ التعميم بالقول بأن المحاكم العسكريّة أصدرت أحكاما مخففة للعسكريين في حين شددت العقاب على الأمنيين هو أمر غير دقيق إذ أنّ المحاكم العسكرية أصدرت أحكاما مختلفة تراوحت بين عدم سماع الدعوى والسجن لمدّة 5 سنوات في حقّ أعوان قوات الأمن الداخلي في قضايا شهداء وجرحى الثورة، كما أصدرت حكما بالسجن لمدّة خمس سنوات من أجل القتل العمد في حقّ أمنيين في ما يعرف بقضيّة ''قصور الساف''، وهذا ما يفنّد الاتهامات بانحياز القضاء العسكري للعسكريين، وعلى كلّ يجدر التذكير أنّه بالنسبة لقضايا قتلة شهداء الثورة ومرتكبي الاعتداءات على جرحاها، فإنّ الإطار القانوني الذي تمّ على أساسه تقدير الأركان المادية في الجرائم المنسوبة للمتهمين يختلف حسب الفترة الزمنية التي ارتكب فيها الفعل، إذ تمّ تبويب قضايا القتل ومحاولة ذلك والتي حصلت منذ اندلاع الثورة إلى فترتين زمنيتين يختلف خلالهما تقدير ظروف وملابسات قضايا القتل وخاصة الإطار القانوني في الفترتين الأولى شملت قضايا القتل ومحاولة القتل التي جدّت أحداثها في الفترة الممتدّة من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 تاريخ مغادرة الرّئيس السابق للبلاد، وفيها تمّ توجيه الاتهام إلى بعض أعوان قوّات الأمن الدّاخلي وإلى عدد من القيادات الأمنية، وعلى رأسها الرئيس السّابق ووزيرا الداخلية في عهده، لتورّطهم في قمع الاحتجاجات الشعبية بالقوّة واستعمال السّلاح والذخيرة الحيّة، ممّا أدّى إلى وقوع عدد كبير من الوفيات نتيجة استعمال مفرط للقوة وعدم التدرج في استعمالها وسوء استخدام للسلاح من طرف أعوان الأمن تطبيقا لأحكام القانون عدد 4 لسنة 1969 المؤرّخ في 24 جانفي 1969 المتعلق بالاجتماعات العامّة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر، الذي ضبط في بابه الرّابع كيفية استعمال السّلاح من طرف أعوان الأمن في مواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبيّة، وعليه فإنّ كلّ استعمال مفرط للقوّة أو سوء استخدام للسّلاح يتجاوز الإطار المحدّد بقانون 1969 أو لا يحترم التدرّج الذي نصّ عليه في استعمال القوّة يعدّ خطأ شخصيا تحمل مسؤوليته على العون وهو ما يفسّر نوعا ما العقوبات التي تمّ التصريح بها في حقّ من ثبتت إدانتهم (تراوحت هذه العقوبات بين السجن لمدّة 20 و15 و12 عاما و10 سنوات و5 سنوات وعام واحد و21 حكما بعدم سماع الدعوى(.
وقد كان على عون الأمن الذي لم تتوفر له الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك التدرج المنصوص عليه بالقانون عند تدخله لفضّ التجمهر رفض التعليمات وعدم المرور مباشرة إلى إطلاق النار نحو المتظاهرين خاصّة أنّ الفصل 46 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 6 أوت 1982 والمتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي نصّ على أنّ ''كلّ عون من أعوان قوات الأمن الداخلي مهما كانت رتبته في سلم سلكه مسؤول عن المهام المنوطة بعهدته وعن تنفيذ الأوامر التي يتلقاها من رؤسائه في نطاق الشرعيّة القانونيّة"، أمّا الفترة الثانية فتشمل القضايا التي جدّت وقائعها بعد 14 جانفي 2011، وحصلت معظمها أثناء فترة حظر الجولان، واتهم فيها عسكريون، وقد أكدنا أنّه يتمّ تقدير ظروف وملابسات ارتكابها بناء على الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرّخ في 26 جانفي 1978 المنظم لحالة الطوارئ وإلى التعليمات العسكرية في الغرض التي وجّهت للعسكريين المنتشرين على الميدان، إذ أن حظر الجولان فرضته المصلحة العليا للبلاد ألا وهي حماية مؤسسات الدولة والأملاك العامّة والخاصّة في وقت انهارت فيه أو بالأحرى غابت أثناءه المؤسسة الأمنية وبالتالي فإن تدخّل الجيش الوطني في هذا الإطار كان لغاية المحافظة على كيان الدولة بتطبيق قرار منع الجولان في وقت شهد تحرّك العصابات الإجرامية لنهب الممتلكات وتدمير المؤسسات العامّة والخاصّة واستغلال الثورة والانفلات الأمني قصد تكريس دولة اللاقانون وتكريس الإجرام بالقوّة".
قضية الشهيد أمين القرامي لم يثبت فيها ركن الإضمار
ولاحظ العميد بوقرة أنه "في ما يتعلق بقضيّة الشهيد محمد أمين القرامي فإنه ورغم تعمّد المتهم العسكري إطلاق النار إلا أنه لم يثبت ركن الإضمار أو التخطيط للقتل بصفة مسبقة، فضلا عن الظرف العام الذي حصلت فيه الواقعة والذي تميّز بعديد وقائع القنص فضلا عن التعبئة الإعلامية بل الانفلات الإعلامي كما جاء بتقرير اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات المرتكبة التي ميّزت الفترة الممتدّة بين 14 و17 جانفي 2011 والنداءات المتكررة بالتصدّي لأزلام النظام السابق المسلحين وهو الأمر الذي استوجب إحالته من أجل جريمة القتل العمد طبق أحكام الفصل 205 من المجلة الجزائيّة لانتفاء ركن الإضمار المشدد للجريمة، وهو ما يفسّر الحكم الصادر في تلك القضيّة عن الدائرة الجنائيّة بالمحكمة الابتدائيّة العسكرية الدائمة بتونس بتاريخ 30 أكتوبر 2012، والقاضي بسجن المتهم مدّة خمسة أعوام".
شفافية القضاء العسكري
وقال بوقرة "خلاصة القول فإن القضاء العسكري قد تعهد بالبحث بكلّ شفافيّة في كلّ القضايا التي جدّت وقائعها بعد يوم 14 جانفي 2011 إثر الإعلان عن حالة الطوارئ بالبلاد وفرض حظر الجولان والمشمول فيها أعوان أمن أو عسكريون أثناء الخدمة، والتي نتجت عنها حالات وفاة مستراب فيها (mort suspecte) أو نجمت عنها أضرار بدنية للغير تستوجب تعهّد العدالة الجزائيّة لتقصّي الأسباب الحقيقيّة للوفاة أو الإصابة بجروح، وهو ما يستوجب حتما وضع كلّ واقعة في إطارها القانوني أي أثناء حفظ النظام وفرض احترام قرار حظر الجولان إثر نجاح الثورة (..) وبذلك فقد تعهّد القضاء العسكري بكلّ القضايا التي هي من مشمولاته بقطع النظر عن مرتكبها أمنيا كان أو عسكريّا أو مدنيّا وفي إطار من الشفافية التامّة وتكريسا لمبدإ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
ثم إن التشكيك في استقلالية القضاء العسكري غايته الفتنة بين الجيش والأمن وبثّ الفرقة والبلبلة في صفوفهما في وقت تحتاج فيه البلاد إلى التكاتف والانسجام التام والعمل جنبا إلى جنب لحماية المواطن والوطن وتأمين فترة الانتقال الديمقراطي التي تمرّ بها البلاد، ونحن نؤمن بأنّ العلاقة بين مختلف الأسلاك النظامية يجب أن تبنى على التكامل والانسجام والتعاون خدمة لأمن تونس واستقرارها.
وكان القضاء العسكري قبل الثورة ولازال كذلك إلى حدّ التاريخ في كلّ قضيّة تشمل عون أمن وعسكريا يعمل جاهدا على إصلاح ذات البين بينهما كما توجد على مستوى وزارة الدفاع الوطني لجنة مشتركة تعمل على فضّ الخلافات البسيطة التي تنشب بين أعوان الأمن والعسكريين بالحسنى دون أن يتمّ إحالة الملف على أنظار القضاء، حتى ندعّم العلاقات الجيّدة بين سلكي الأمن والجيش الوطني اللذين كلما حصل عدم انسجام بينهما أو تناحرا إلاّ ومثّل ذلك هدما لكيان الدّولة وشكّل ضعفا لبنيتها الرّئيسيّة، كما أن البلاد بحاجة خلال هذه المرحلة التأسيسيّة إلى ضرورة التأسيس لمجتمع تعدّدي وديمقراطي يقتضي من الدّولة تحديد هاته القواعد بكلّ دقّة حتى إذا ما أوكل إليها إدارة الاختلاف - الذي يعدّ من طبيعة البشر وأحد نواميس هذا الكون- داخل الدولة، فإنها تؤسس بذلك لديمقراطيّة صلبة، ضمن دولة قويّة عمادها جيش وطني شعبي وأمن جمهوري يعملان معا في انسجام تام لحماية المواطن والوطن".

رئيس جمعية "لن ننساكم":
"ملف القناصة قبر.. أحكام "مهزلة"وجل القضايا سجلت ضدّ مجهول"
حول هذا الموضوع اتصلنا بعلي المكي رئيس جمعية "لن ننساكم" فقال إنه "بالنسبة لسقوط الشهداء رحمهم الله بعد 14 جانفي كان على يد أعوان من الجيش الوطني والقناصة الذين مازلنا إلى حد هذه الساعة لا نعرف لهم حقيقة أو هوية أو إلى أي جهة ينتمون، واتسمت قضايا الشهداء والجرحى أيضا الذين سقطوا بعد 14 جانفي بثلاث صفات أولها أن أغلبية القضايا تم حفظها منذ الطور التحقيقي ونسبت إلى مجهول رغم ما تقدمت به عائلات الشهداء والجرحى من أدلة وشهود وأغلبيتها تؤكد أن الجيش هو من أطلق الرصاص عليهم لكن رغم ذلك تم حفظ هذه القضايا، ثانيا القضايا التي تعهد بها القضاء العسكري ووجه فيها التهم الى عسكريين وضعها جميعها في خانة واحدة وكيفها بنفس التكييف القانوني حيث وجه لأغلبية العسكريين المتهمين تهمة القتل على وجه الخطأ".
وأضاف المكي: "إن القضايا التي كان القناصة طرفا فيها قبرت وسنترحم عليها قريبا رغم أننا نملك نحن كجمعية "لن ننساكم" أدلة وبراهين على أن الجيش بعد 14 جانفي قبض على عدد كبير من القناصة بالقصرين وبنزرت وتونس ورغم ذلك فإن القضاء العسكري يتجاهل هذا الموضوع وكأن دماء الشعب التونسي لا تعنيه".
وأكد علي المكي على أن "القضاء العسكري في تعامله مع قضايا الشهداء المتورط فيها عسكريون لم يكن محايدا ويتجلى ذلك في عدة ملامح حيث لاحظنا وعاينا سوء معاملة إدارة القضاء العسكري وخاصة قضاة التحقيق لعائلات الشهداء والجرحى وحتى من ينوبهم من محامين على خلاف ما وجدته عائلات الشهداء والجرحى الذين أصيبوا قبل 14 جانفي حيث وجدوا الترحاب وحسن الاستقبال من إدارة القضاء العسكري، هذا بالإضافة الى محاولة التعتيم الإعلامي الذي اتصفت به القضايا التي تورط فيها العسكريون وكذلك محاولة منع الحضور الذين يرغبون في مواكبة هذه المحاكمات والتضييق عليهم بالإضافة الى أن الأحكام التي أصدرها ضد المورطين من أبناء المؤسسة العسكرية "مهزلة".
وختم علي المكي بقوله "كان على وزارة الدفاع أن تصدر عقوبات إدارية قبل العقوبات الجزائية ضد العسكريين المورطين في القتل والجرح بعد 14 جانفي 2011 وبحكم معرفتنا بملفات القضايا لم نجد أي إجراء إداري ضد أي عسكري بل على العكس لاحظنا محاولات للتعتيم والحماية للعسكريين المتهمين حيث تمت نقلتهم وهذا ما يدفعنا إلى الجزم بأن الأحكام التي صدرت وستصدر في قضايا الشهداء بصفة عامة وقضايا الشهداء الذين سقطوا على يد عسكريين لن تكون عادلة ولن تنصف فيها دماء الشهداء التي روت تراب هذه الأرض".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.