" لو آمن جميعنا بالعمل الخيري والانساني لكان حالنا أفضل حال" ..هكذا بدأ لطفي مقطوف المحامي في نيويورك حديثه معنا والخاص بجمعية "المدنية" الخيرية التي أسسها بعد الثورة ليقدم من خلالها جزء مما يملك لأبناء هذا الشعب ممن أعوزتهم الظروف. لطفي مقطوف المحامي وعضو عمادة المحامين في نيويورك والمستشار الأول بصندوق النقد الدولي غير منتم ويرفض العمل السياسي.. فقط هو تونسي محب وعاشق لبلاده التي ترك من أجلها الصفقات والبورصات ليجوب ربوعها باحثا عن ذوي الحاجة ومقدما المساعدة والمشاريع لمن يحتاجها. عند بداية الثورة وبعيدا عن المهاترات السياسية وحب الظهور، شكل مع اصدقاء تونسيين فريق عمل للبحث عن سبل تقديم يد المساعدة وخدمة الوطن في ظل بطالة متزايدة ونسب فقر مرتفعة وتفاوت في النمو بين الجهات قسم البلاد الى جهات ثرية وأخرى فقيرة ووضع كارثي للفئات الريفية... فكانت فكرة بعث جمعية «المدنية» للمساعدة على حل بعض هذه المشاكل. مساعدة تلاميذ المناطق النائية كانت البداية بمشروع مساعدة «تلاميذ الارياف» حيث يقول عنه لطفي مقطوف أنه تفاجأ بمظهر الاف تلاميذ الارياف يقطعون يوميا عشرات الكيلومترات وسط الجبال والاودية وتحت نزول الامطار للوصول الى مدارسهم، فقرر مساعدة هؤلاء الاطفال على تحقيق حلمهم في الدراسة والنجاح في ظروف دراسية مقبولة وكان الاتفاق مع عدد كبير من سائقي سيارات النقل الريفي على نقل تلاميذ الارياف مقابل 90 دينارا للفرد سنويا تدفعها «المدنية» وهذا المشروع يستفيد منه اليوم 686 تلميذا وتلميذة في ولايات الشمال الغربي وخاصة سليانة والكاف سجلت نتائجهم الدراسية تحسنا كبيرا منهم حتى من ارتفع معدله من 4 على 20 الى 14 وهو ما شجع العائلات على ايفاد اولادهم وخاصة بناتهم للدراسة وزاد في حماس المعلمين في الارياف. وبات هؤلاء التلاميذ يعرفون تحية العلم التي لم يكن اغلبهم يبلغ موعدها.. ويقول مقطوف أن هذا الهدف الصغير من هذا المشروع اما الهدف الاكبر فهو الرفع من نسبة التمدرس وتهيئة الاذهان لابعادها عن التخلف والدمغجة والارهاب. التشجيع على المطالعة أما المشروع الثاني فقد قدمه لطفي مقطوف وهو عبارة عن مسابقة في المطالعة لابناء المناطق النائية في 26 مندوبية جهوية للتعليم وهي مناطق ينعدم فيها الكتاب تقريبا. وتتمثل المسابقة في التنسيق مع وزارة التربية لاختيار كتاب ما ويتولى اطفال هذه المناطق قراءته ثم تلخيصه والتعليق على ما جاء فيه من افكار وعبر. ويتم بعد ذلك اختيار أحسن ثلاثة أعمال في كل مندوبية لاستضافة أصحابها صحبة عائلاتهم وتكريمهم. وبعد تجربة أولى ناجحة سيتم هذا العام تطويرها نحو الكتاب الفرنسي والكتاب الانقليزي بحيث يمكن صاحب احسن عمل بالفرنسية من رحلة كاملة الى فرنسا واحسن عمل بالانقليزية من رحلة الى انقلترا. رخص السياقة وأمام الحاجة الكبرى للعمل في مناطق الشمال الغربي، كان لا بد من توفير ما يساعد على العمل وخاصة لأصحاب الشهادات العليا. وكانت فكرة «المدنية» ومشروعها هو تمكين شباب وشابات هذه المناطق من تعلم السياقة والحصول على رخصة في ذلك في اطار مشروع «الحلم يتحقق». فكان الاتفاق مع اصحاب مدارس تعليم السياقة في الجهة على تبني عدد كبير من شباب الجهة مقابل 350 دينارا للفرد تتحملها «المدنية».. وتم اشتراط التساوي بين الذكور والاناث مما شجع الاولياء على السماح لبناتهم بالحصول على رخصة سياقة... واليوم نجد المئات ممن استفادوا من هذا المشروع يعملون في وسائل النقل الفلاحي مما ساعدهم على ايجاد عمل وتنشيط المهن الفلاحية في مناطقهم. تطوير الصناعات الحرفية ومن بين المشاريع الاخرى التي انطلقت فيها «المدنية» في اطار سعيها للحد من البطالة كان توجه «المدنية» نحو اعطاء اهمية اكبر للصناعات التقليدية حيث يقول لطفي مقطوف:» نسق البطالة في ارتفاع وهذا ينذر بالخطر. ففي 23 سنة لم يفكر أحد في اعادة تصميم الثنائية نظام التوجيه في الدراسة الجامعية/متطلبات سوق الشغل او في محاولة لاستكشاف فضائل التكوين المهني الذي يعتبر حجر الزاوية للنشاط الاقتصادي السليم والتماسك الاجتماعي الصلب. ولهذا كان لا بد من مشروع يعيد احياء الصناعات التقليدية وحرفها والتي توفر في فرنسا مثلا اكثر مما توفره صناعات "الايرباص". لذلك كان مشروع «المدنية» والمتمثل في برنامج التعليم والتكوين في الحرف الفنية، بالتعاون مع المعهد الوطني الفرنسي للحرف الفنية والذي سينعكس ايجابا على الحرفيين التونسيين من خلال تلقيهم تكوينا في الحرف الفنية». وأكد مقطوف أن هذا المشروع سيكون في إطار اتفاقيات تعاون مع وزارة التعليم والديوان الوطني للصناعات التقليدية والمعهد الوطني الفرنسي للحرف الفنية. وسيتم تكوين مكونين في الحرف التقليدية في كل من المنستير ونابل والقيروان. وهناك نية بعد التباحث مع الوزارة المعنية بمنح المتخرجين من هذه المدارس ديبلوم. كذلك يتم تمكين الافضل حسب الترتيب في كل اختصاص حرفي من مواصلة تكوينه في فرنسا لمدة تتراوح بين 3 و6 أشهر على نفقة "المدنية". وعن سؤال حول الهدف من هذا المجهود المادي والمعنوي، أجاب لطفي مقطوف ان بعض الاشياء الصغيرة تكون قيمتها كبيرة أكثر من الخطابات والسياسة مؤكدا على دور المجتمع المدني في النهوض بهذه البلاد وتقدمها. فالثورة انبنت على الكرامة والحرية والتشغيل ووجب المساعدة من الجميع لتحقيق هذه الاهداف.. والنتيجة كلها تصب في خانة واحدة وهي حب هذه البلاد.