ما إن استقرت الأوضاع ولو نسبيا بمدينة سليانة، وجلست الحكومة والأطراف الاجتماعية بالجهة للتفاوض والتشاور مدركة أن الوفاق بينها هو السبيل الوحيد لتجاوز الأوضاع الصعبة التي حصلت، حتى عادت الأوضاع لتتفجر من جديد في العاصمة بعد الأحداث التي حصلت أول أمس بساحة محمد علي بالعاصمة أين تعرض المقر المركزي للمنظمة الشغيلة ومن فيه إلى استهداف من قبل ما يعرفون ب "لجان حماية الثورة". وهذه الأحداث مثلت في الحقيقة صبّا من الزيت على النار حيث عادت لتحرك عديد الجهات مثل صفاقس وسيدي بوزيد وقفصة لتعلن عن القيام بمسيرات احتجاجية وتدخل في إضرابات عامة مساندة للمركزية النقابية التي تم استهدافها. والمتابع لشريط الأحداث وما جدّ أخيرا بالاتحاد وما سبق ذلك من اضطرابات بمدينة سليانة يشعر وكأن هناك سعيا لتأجيج الأوضاع، خاصة إذا ما انتبه إلى ما يساق من خطاب مزدوج يقوم بالأساس على التنصل من المسؤولية الوطنية أمام الاستحقاقات الحزبية الضيقة، وهو أمر يؤكد على أن الاهتمام بالجهات الداخلية والتركيز على مشاغلها التنموية واستحقاقاتها العاجلة تبقى في الحقيقة في آخر سلم اهتمامات الحكومة التي تريد من خلال تصريحات بعض وزرائها ورموزها في الأحزاب "التهرب إلى الأمام" في مسعى لتأمين نفسها استعدادا للانتخابات التشريعية القادمة. إن هذه الأجواء المشحونة بددت الآمال في تحسن الأوضاع أمام المواطن العادي، وجعلت سكان الجهات الداخلية يشعرون بخيبة أمل في تحسين أوضاعهم، ومثلت لدى الجميع صورة قاتمة بخصوص ما يمكن أن يحدث في الأيام القريبة القادمة. إن تداخل الأمور وتدهور العلاقة بين الحكومة وأحزاب المعارضة ما انفكت تتعمق ولم تقف عند هذا الحد بل نراها اليوم تمتد لتشمل أيضا المنظمات الاجتماعية وخاصة اتحاد الشغل، وهو أمر يزيد من تعميق الأزمة في البلاد، ويؤكد للجميع أن الهوة الساحقة بين كل أطراف الطيف السياسي ماضية إلى الأمام ولا يوجد أي طرف قد حكم عقله ووقف على مسافة من كافة الأحداث وأسبابها والمتسببين فيها ليقول كفى تجاذبات وصراعات فوقية وسباقا محموما نحو تأمين استحقاقات ضيقة على حساب المصلحة الوطنية التي تبقى فوق كل الاعتبارات.