الآن .. وبعد 34 سنة مضت يعود الاتحاد العام التونسي للشغل للإعلان على مبدإ الدخول في إضراب عام يوم 13 من الشهر الجاري، احتجاجا على الهجوم الممنهج الذي تعرض له مقره وقيادته بداية هذا الأسبوع من قبل عناصر تنتمي إلى ما يسمى برابطات حماية الثورة. وفي تاريخ الإتحاد كان اللجوء إلى مبدإ الإضراب العام شكلا نقابيا احتجاجيا ونضاليا قد تم اعتماده سنة 1978 على إثر أحداث دامية أغرقت البلاد في العنف وذهب ضحيتها العديد من المواطنين بين موتي وجرحي على إثر ذلك تم استهداف المنظمة وقيادتها من قبل حكومة الرئيس بورقيبة وتم الزج بالنقابيين في السجون نتيجة الخلافات الاجتماعية والسياسية والصراع بين بعض رموز السلطة والمنظمة. والحدث في تلك الفترة كان قد أخذ أبعادا سياسية واجتماعية واسعة النطاق، وحرك كافة جهات البلاد والقوى السياسية والاجتماعية والمواطنين ، وكانت له تداعيات كبرى على واقع البلاد عامة وفي كافة جهاتها وولاياتها ، وعرف الحدث يومئذ لدى المنظمة وقوى المعارضة ب "الخميس الأسود' أو "الأحمر' نتيجة حمام الدم الذي نتج عن الأحداث الدامية التي مرت بها البلاد. ذلك الحدث قد نقش في ذاكرة جيل السبعينات ومثل مرجعا تاريخيا لتلك الأحداث الدامية التي مارسها نظام بورقيبة بآلته العسكرية والأمنية وسعى فيها بكل ما أوتي من قوة إلى تركيع الإتحاد وتطويعه إلى سياسته، لكن المنظمة بقيادتها واتحاداتها الجهوية المنتشرة في كافة جهات البلاد، وبالاعتماد على مناضليها النقابيين استطاعت أن تصمد وتقاوم، وتستعيد عافيتها وتقلب المعادلة الصعبة لصالحها وتلملم جراحها بعد 3 سنوات لتخرج من المحنة بشكل أقوى وتنظيم أشد لصفوفها مسترجعة كافة أطرها واتحاداتها الجهوية والمحلية التي استولت عليها عناصر موالية للنظام بعد أن تم تنصيبها بالقوة على رأس الاتحاد في مسعى لضرب النفس النقابي الوطني الذي قاده فرحات حشاد ثم الحبيب عاشور باعتبارهما رمزين نقابيين ووطنيين عرفا بنضالهما الوطني ضد الإستعمار وهيمنة النظام البورقيبي على الحياة السياسية في البلاد. هذا المسار النضالي والوطني الذي سار عليه الاتحاد العام التونسي للشغل أكسبه شرعية تاريخية وبوّأه مكانة مرموقة في تاريخ البلاد، وجعل منه مظلة لكافة القوى الوطنية في البلاد التي تلجأ إليه في كل مرحلة عصيبة، كما أكسبه حصانة لا يمكن لأي طرف سياسي أن يمس منها أو يجادل فيها. ولكن اليوم وبعد ما عرفته البلاد من تحولات تاريخية نتيجة ثورة 14 جانفي 2011 تعود بعض القوى عبر أزلامها إلى مشاكسة الاتحاد سعيا منها إلى النيل منه وإلى إثنائه عن خطّه النضالي الوطني الذي انحاز فيه إلى أبناء الشعب، وذلك لتعبيد الطريق أمام أهدافها السياسية الرامية إلى التمسك بالحكم وإلى البروز كقوة أولى في البلاد. ولكن لا الترهيب ولا المصادمات ولا المليشيات يمكنها أن تنال من المنظمة الشغيلة ومن مناضليها الذين عرفوا بتماسكهم في كل الظروف وبوحدتهم التي تتكسر عليها كل المحاولات البائسة واليائسة. ولهذا يبقى الاتحاد العام التونسي للشغل الضمانة الوحيدة لكافة القوى في التصدي لمظاهر التغوّل والهيمنة على واقع البلاد.