بعد الانتهاء من صياغته قدمت وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية منذ فترة مشروع القانون الأساسي المتعلق بضبط أسس العدالة الانتقالية ومجال اختصاصها الى رئاسة الحكومة للنظر فيه والمصادقة عليه ثم تحيله بعد ذلك على المجلس التأسيسي لمناقشته. ويضم المشروع 75 فصلا تتعلق بالعدالة الانتقالية والمساءلة والمحاسبة وجبر الضرر وردّ الاعتبار والمصالحة. كما تطرق الى "هيئة الحقيقة والكرامة" التي ستحدث بمقتضى هذا القانون والى تركيبتها ومهامها وصلاحياتها وسير أعمالها وتنظيمها، لكن لاقى المشروع عند عرضه تحفظات عدة من قبل نقابة القضاة التي دعت الى مراجعته. ولمزيد تسليط الضوء على الجدل القائم حول مشروع قانون العدالة الانتقالية اتصلت «الصباح الأسبوعي» بوزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وروضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة. تحفظات.. شددت روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة على ان المشروع أعطى صلاحيات موسعة لهيئة "الحقيقة والكرامة" المشرفة على مسار العدالة الانتقالية مما جعلها فوق القانون وبعيدة عن المحاسبة ولا يمكن الطعن في قراراتها على حدّ تعبيرها. وتضيف قائلة: «لدينا العديد من التحفظات على مشروع قانون العدالة الانتقالية من بينها تجاوز صلاحيات القضاء المعلنة عند التنصيص على مهام هيئة "الحقيقة والكرامة" التي ستحدث بمقتضاه والتي أسندت لها صلاحيات القضاء والدولة من خلال أحقيتها في المطالبة بوثائق من الخارج عوض المؤسسات الرسمية المعنية بذلك في مثل هذه الوضعيات. كما يضمّ المشروع العديد من المصطلحات الغامضة -فأي معنى قانوني أو قضائي لعبارتي 'آليات' و'طرق'؟ التي من شأنها فتح باب الانتهاكات لحقوق الناس من جديد. مسألة أخرى هامة هي تمتيع الهيئة بالحصانة في حين أنها لا تصدر أحكاما لأن مهمّتها الأصلية هي التقصي لا غير. أعتقد أن هذا المشروع سيفتح بابا للانتهاكات الكبيرة لذلك قدمنا جملة من المقترحات بخصوصه لأن النقابة مع وجود قانون للعدالة الانتقالية لكن ليس على هذه الشاكلة التي لم نتصور أن يورد علينا قانونا بهذه الصلاحيات". وتؤكد رئيسة نقابة القضاة على ضرورة حماية حقوق الإنسان والحفاظ على القضاء وهيبته خاصة أن هناك إحساسا بفتح مشارب عدّة للولوج إليه من خلال هذا القانون أو مجلة أخلاقيات القاضي المقترح من طرف وزراة العدل على القضاة على حدّ تعبيرها. من أهمّ الإنجازات من جهتها تردّ وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية على انتقادات رئيسة نقابة القضاة للمشروع الذي صاغته اللجنة الفنية للإشراف على الحوار الوطني ورأت فيه استيلاء على صلاحيات القضاء وذلك على لسان شكيب الدرويش المسؤول عن الإعلام بالوزارة الذي قال: «إن وجود هيئة غير قضائية تتعهد بكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة والتقصي بشأنها ليس بدعة تونسية بل نجد مثل هذه الهيئة في أكثر من دولة عاشت مسارا انتقاليا نحو السلم والديمقراطية كالذي تعيشه تونس بعد الثورة بل باتت مثل هذه الهيئات موافقة لأفضل الممارسات دوليا". ويتابع محدثنا: "لن تحل هيئة 'الحقيقة والكرامة' محل القضاء بل هي هيئة صديقة وجدت لمساندة القضاء التونسي والتخفيف عليه لا لمضايقته او الاشتباك معه علما وان قاضيين على الأقل من القضاء العدلي والإداري سيمثلان وجوبا تركيبة الهيئة التي لن تذهب الى محاكم استثنائية بكل ما سيصل اليها من وثائق وما ستنجزه من تحقيقات بل ستحيله الى القضاء التونسي للفصل فيه لأن الكلمة الأولى والأخيرة للقضاء. ومن المهم التذكير بأن المقرر الأممي الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والتعويضات وضمانات عدم التكرار 'بابلو ديقريف' وبعد زياراته إلى تونس مؤخرا أثنى على المقاربة التشاركية التي التزمت بها وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية في صياغة هذا المشروع كما ثمن انعقاد الاستشارات في كل الجهات. عموما نعتبر مشروع قانون العدالة الانتقالية من أهم إنجازاتنا والفضل في ذلك للمجتمع المدني".