بقلم: علي بن عرفة - تشهد الساحة اليوم تصعيدا خطيرا بإعلان الاضراب العام يوم 13 ديسمبر، ليكون ثاني اضراب عام في تاريخ البلاد في حال فشل جهود التهدئة التي تبذلها وجوه سياسية و نقابية تاريخية أمام قوة الدفع نحوالتصعيد التي تقودها بعض القيادات التنفيذية للاتحاد والمعروفة باتجاهاتها اليسارية. ورغم مشاركة الرئاسات الثلاث الدولة، الحكومة، التأسيسي- في مبادرة الحوارالوطني للاتحاد وتوقيع الحكومة على اتفاق التهدئة حول أحداث سليانة، و اقرار الزيادة في الاجورفي القطاعين الخاص والعام، فإن اتحاد الشغل أعلن الاضراب العام يوم 13 ديسمبر على خلفية احداث العنف التي شهدتها ساحة محمد علي في ذكرى استشهاد الزعيم النقابي فرحات حشاد. لقد تعددت التحركات الاحتجاجية الاجتماعية بعد الانتخابات حتى فاقت خلال حكم الترويكا مجموع الاضرابات في الثلاث والعشرين سنة من حكم بن علي، و لذلك فإن الاضراب العام يعد حلقة في سلسلة التحركات الاحتجاجية. لقد دفعت بعض القيادات التنفيذية الاتحاد لإعلان الاضراب بسبب احداث جزئية يمكن حسمها قضائيا ومنها حادثة العنف في ساحة محمد علي التي اعلن على اثرها الاضراب العام وهو ما يسيئ لمكانة الاتحاد و دوره الوطني والتاريخي الذي كان ينهض به بعيدا عن التجاذبات السياسية بين الفاعلين السياسيين الذين فتحت لهم الثورة باب النشاط السياسي الحر ضمن أحزاب معترف بها وتعمل وفقا للقانون. تخطىء قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل اذا اعتقدت انها بالإضراب العام تنال من حركة النهضة، لأنها في الواقع تنال من الاتحاد نفسه الذي تضعه في اختبارالقوة وكل المؤشرات ومنها الاضرابات الجهوية الاخيرة في كل من قفصة وصفاقس وسيدي بوزيد والتي رغم التباين في تقدير حجمها فإنها لم تكن في مستوى آمال الداعين الى الاضراب، وبالتالي فإن نزول نسبة المشاركة في الاضراب العام القادم لما دون 50 في المائة من شبه المؤكد بالنظرالى الاضرابات الجهوية السابقة- يعد فشلا للاتحاد وهو ما سيؤثر في صورته و يساهم في تراجع مكانته في الساحة وسيعد بمقاييس الداعين اليه مكسبا لحركة النهضة، التي وفقت الى حد الآن في اقامة الحجة على الاتحاد امام الرأي العام بدعوتها المتكررة للحوار تقديرا للمصلحة الوطنية ونجحت في تأكيد الطبيعة السياسية للإضراب من خلال التركيزعلى شرح مطالب الاتحاد التي تخلو من أي مطلب اجتماعي. الملاحظ ان هناك سوء تقديرمن قبل قيادات الاتحاد لدعوات الحوارالتي تدعو اليها حركة النهضة، والوهم أن هذه الأخيرة تقدم على ذلك من موقع الضعف وبالتالي تقابل دعوتها بالتجاهل لمزيد من الضغط من اجل تحقيق نتائج ايجابية في قضية حل رابطات الثورة، وهو وهم يتجاهل اولا قوة النهضة - نتائج الانتخابات الاخيرة غير بعيدة كما يتجاهل حقيقة رابطات الثورة التي بحكم وزنها وشعبيتها لا تملك حركة النهضة القدرة على حلها حتى لوارادت ذلك - خلافا للقانون - والاهم من كل ذلك ان هذا الوهم قائم على النظرة الفئوية والحزبية الضيقة للقوى التي تدفع في اتجاه الاضراب بحيث تغيب عندها المصلحة الوطنية من دائرة الموازنة بين المكاسب والخسائرلتكون المكاسب الذاتية حزبية، نقابية - هي المحدد لكل الخيارات بغض النظرعن أثر تلك الخيارات على مستقبل البلاد وتعتقد ان النهضة لا تختلف عنها في ذلك. ان الاضراب العام هو عنوان فشل للجميع عن التوافق حول تصور مشترك لمواجهة تحديات ما بعد الثورة و ادارة المرحلة الانتقالية بعيدا عن الحسابات الحزبية والشخصية الضيقة. فالتحدي القائم اليوم بين الاتحاد والنهضة قد تختلف المراهنات حول الرابح منهما ولكن هناك ما يشبه الاتفاق على ان البلاد هي الخاسر في كل الأحوال أمنيا و اقتصاديا وسياسيا؛ فهل ينجح عقلاء الاتحاد وهم كثيرون في كبح جماح صقور اليسارالذين يدفعون بالاتحاد والبلاد نحو المجهول؟ ان النخبة الفكرية والسياسية على اختلاف توجهاتها مدعوة اليوم الى الارتقاء الى مستوى اللحظة التاريخية التي تناسب الثورة وتضحيات شهدائها ونضالات اجيال من الوطنيين، بإدارة حواروطني حول المرحلة الانتقالية، و القطع مع الثقافة السياسية الموروثة القائمة على القطيعة والصراع والتداخل في الادواروالوظائف، وبناء ثقافة جديدة تقوم على الحوارواحترام الشرعية وتحديد الأدوار لكل الفاعلين في المجال العام بما يناسب وضع الحريات الذي تشهده البلاد بعد الثورة، والذي يتيح لكل الفاعلين حق النشاط وفقا للقانون. ودون ذلك فإن هذه النخبة ستتحمل المسؤولية التاريخية عن الاخطارالتي تحدق بالبلاد ومشروع الثورة، وستؤكد عجزها عن استثمار الفرص التاريخية التي يتيحها لها الشعب.