بقلم: هشام نصر - ختم الكاتب الجزء الاول من مقاله بالفقرة التالية:ان تفسير الدستور يستدعي بيان مطابقة مواده ونصوصه واحكامها للمبادئ الاساسية التي تضمنها وتلك المبادئ هى الواردة بنص المادة الثانية الحاكمة والمتعلقة بالشريعة الاسلامية، فمن الاجدر عندئذ بتفسيرها، الاربعون فقيها أم أعضاء مجلس النواب الذي اشترط الدستور لعضويتهم الحصول على شهادة إتمام التعليم الاساسي وان يبلغ من العمر 25 عاما؟! من الاجدر بتحديد وفهم ومعرفة كل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، والقواعد المستنبطة من عموم الأدلة الشرعية التي لا اختلافَ عليها والتي تحقق مقاصد الشريعة، والقرآن والسنة والإجماع والقياس حسب مذاهب أهل السنة والجماعة؟! وفي الجزء الثاني يقول : يدعم ما أزعمه من تصور هو الخبر المنشور بموقع العربية نت عن تفاصيل اجتماع هيئة كبار العلماء الذى ورد فيه نصا "تأييد أعضاء الهيئة إلى النص المضاف والذى يوضح أن الازهر الشريف هو المرجعية النهائية في تفسير تلك المادة" ماذا يعني هذا؟(اولا)أن التشريعات والقوانين واللوائح التي يصدرها البرلمان بمجلسيه يجب أن تعرض عليهم لتقرير مدي تطابقها مع ما يرونه شرعا ،(ثانيا) ان تفسير نصوص الدستور قد يصبح في يد هيئة كبار العلماء بعد انتزاعه انتزاعا من يد المحكمة الدستورية العليا. هل لهذا علاقة بما تتعرض له المحكمة الدستورية العليا؟ ربما! لانجد في هذا الامر سوى ما خطه بيده رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب محمود الخضيري عندما كتب وما هو الخطأ فى إلغاء المحكمة الدستورية لو تم بطريقة قانونية؟! المحكمة تحتاج إلى تعديل قانونها حيث لا تكون للمحكمة مطلق الحرية دون رقيب فى إصدارأحكامها كيفما تشاء وفى أى وقت تريد.....(وانه يجب أن يباح الطعن على أحكامها) وبذلك تشعر المحكمه بأن حكمها مراقب ممن هم أكبر منها فتلتزم الحيطة والحذر في أحكامها." يبقي السؤال من هم الاربعون فقهيا ؟ وكيف يتم تعيينهم واختيارهم؟ تم تعديل قانون الازهر بإضافة المادة 32 مكرر لانشاء هيئة تسمى هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الازهر من اربعين عضوا على الاكثر من كبار علماء الازهر من المذاهب الفقهية الاربعة. وحددت اختصاصاتها التي نجتزئ منها ما يتعلق بموضوعنا بما يلي: 1- انتخاب شيخ الازهر، 2- ترشيح مفتي الجمهورية. -3 البت في المسائل الدينية ذات الطابع الخلافى، والقضايا الاجتماعية التي تواجه المجتمع المصري على أساس شرعى 4- البت في النوازل والمسائل المستجدة التي سبقت دراستها، ولكن لا ترجيح فيها لرأي معين. وحسب النص فالجلي والبين أنها تختص بالبت في القضايا الاجتماعية والمسائل الدينية والمستجدات. فالبت كما ورد في لسان العرب هو القطع المستأصل، ويستعمل في كل أمر يمضي لا رجعة فيه، ولا التواء. اذن فان المستفاد من النص ان هيئة كبار العلماء هي المرجعية النهائية التي لها فصل القول في قضايا المجتمع على اساس شرعي، وهل التشريع والقانون غير اداة تقنين قضايا المجتمع. تلك الهيئة يصدر بتعيينها قرار من رئيس الجمهورية، وقد تم تعيين اعضاء من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي، وآخرين من بينهم د.نصر فريد واصل عضو الجمعية التأسيسة. لا علاقة للشعب من قريب او بعيد بعملية الاختيار او التعيين، ولا معقب لقولهم فيما يبتون فيه من امور وقضايا اجتماعية وتشريعات وقررات تنفيذية. بل أنه إذا ما خرج احد أعضاء الهيئة وانتقد عمل الهيئة، فإن ذلك يعد سندا لإسقاط العضوية عنه! إذ ان اسباب سقوط العضوية تشمل إذا صدر عن العضو عمل أو قول لا يتلاءم مع صفته كعضو بالهيئة كالطعن بالهيئة، أو كالطعن فى الإسلام، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة. (مادة 32 مكرر 4) يمكنك الآن ان تعود إلي الجملة الافتتاحية لتتأكد من صحتها، وان هذا ما قد يؤؤل إليه تطبيق الدستور المصري الذى ستذهب للاستفتاء عليه. فإذا ثار لديك التسأؤل من أين أتي هذا النص، وهذا التصور لمصر بعد الثورة؟ فهو مأخوذ من مسودة حزب برنامج الاخوان المسلمين الذى نشروه عام 2007، حيث تضمن برنامجهم الحزبي عندئذ في بابه الرابع، الفصل الاول المعنون بأسم الشؤون الدينية والوحدة الوطنية، موضحا أنه يتعين:"- تفعيل دور مجمع البحوث الإسلامية (بالازهر الشريف)، بانتخاب أعضائه، من بين علماء وأساتذة الأزهر المبرزين ومن الجامعات المماثلة على مستوى العالم الإسلامي، ....... والتزام كافة المؤسسات الرسمية والأهلية بهذا الرأي." هذا هو المصدرالمعلن لهذه المادة، ونرى كيف أنه يتعين على كافة المؤسسات الرسمية والاهلية في مصر بالالتزام برأي مجمع البحوث الاسلامية (الذي يجوز ان يضم في عضويته غير مصريين) والذي استبدل في الدستور بهيئة كبارالعلماء.إلا انه رغم عدم تفعيل هذا البرنامج لعدم إنشاء الحزب في 2007 فاننا نجد الفكرة قائمة ، وهى ليست بغريبة أو مستحدثة في التاريخ السياسي الاسلامي المعاصر، فيمكن أن نرى تطبيقها الدستوري في دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية وعلى وجه الخصوص في مجلس صيانة الدستور الذى يملك أيضا الحق في تفسير الدستور وتحديد مدى توافق القوانين التي يجيزها مجلس الشورى (البرلمان) مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، وله حق النقض تجاه تلك القوانين. هذه هي ولاية الفقهاء التى ينص عليها الدستور الايراني صراحة في مادته الرابعة ، بتشكيل مجلس صيانة الدستور لمراقبة التشريع وتفسير الدستور..هل وجد ثمة اختلاف بينها وبين مشروع الدستور المصري؟! ما نحن بصدده هو تخوف المشروع من إنشاء سلطة رابعة مهيمنة على سلطات الدولة الثلاث، لا معقب لقرارتها ولا طعن فيها، إذ ان الطعن فيها حتى لو من بين أعضائها يعد موازيا للطعن في الاسلام ذاته أوانكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة! هولاء الاربعون فقيها لن يختارهم الشعب او ينتخبهم، بل سيعنيهم الرئيس ليحكموا التشريع والقضاء الدستوري. نحن هنا أمام جمهورية جديدة ، دولة على غرارالنظام الايراني. والسؤال الذى يتداعى إلى الاذهان، رغم توقيرنا للعلماء الأفاضل الأجلاء الذين تشرف الهيئة بهم، من يضمن انه في المستقبل القريب سيتغير التشكيل الى آخرين تختلف مرجعيتهم وتصوراتهم الدينية للوسطية الازهرية؟ ومن يضمن إلا يساء استغلال هذه المادة للسيطرة على التشريع والقضاء الدستوري؟ إن كل مؤسسة تنشأ وتبذر بذرتها دائما وابدا ما تبدأ في التوسع وتوسيع سلطاتها واختصاصها، لماذا هذا النص؟ ولم لا يترك امر التشريع لنواب الشعب والذي يكون لهم الاستعانة بكل الآراء الفقهية الموجودة على الساحة، ومن كل الفقهاء والعلماء لينتقي نواب الشعب ما يرونها منها محققا لصالح الشعب الذي انتخبهم لتمثيله؟ الآن يمكنك ان تشرع في قراءة مواد الحقوق والحريات، واضعا في مخيلتك ان من سيطبقها، ومن سيفسرها، ليس من ينتخبه الشعب، بل قد يكون قريبا الأربعون فقهيا الذين سيتختارهم الرئيس.