حراك سياسي وخاصة اجتماعي عاشته العديد من الولايات الداخلية والمناطق "المهمّشة" خلال سنة 2012 وقبلها، احتجاجا إما على تباطؤ في تنفيذ الوعود وإما لتعطل عجلة التنمية بجهاتهم كان أبرزها بولاية سيدي بوزيد ومؤخرا بولاية سليانة وما نتج عنها من خروقات وانتهاكات لحقوق الإنسان. هذا الحراك متواصل هذه الأيام في عدة مناطق وولايات خاصة منها القصرين التي خرج أهاليها في مظاهرات عارمة ضد التهميش والإقصاء، فلم تكن هي الولاية الوحيدة حيث عمت الإحتجاجات أول أمس بكل من بنقردان، صفاقس، قبلي، تالة وغيرها.. الإقصاء والتهميش من أكثر المصطلحات شيوعا منذ ثورة 14 جانفي 2011، مصطلحان أجمع الخبراء على أن فيهما خرق ومس صارخ لمبادئ حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وهي من أبرز "الآليات" المعطلة لحركة التنمية ومن أبرز الحواجز القائمة أمام تغيير الواقع ومن ثمة العقليات والسلوكيات. على هذا الأساس هل من الضروري اليوم إعادة النظر في طريقة التعامل مع قضايا "التهميش" و"الحرمان" و"الهشاشة" وتشريك أصحاب الحقوق في سياسات الحكومة ومن ثمة إعادة صياغة دور المجتمع المدني؟ الإصلاح القانوني والمؤسسي أكد الأستاذ عبد الباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن "أحد أهم مطالب ثورة تونس القطع مع ممارسات التهميش والإقصاء وخاصة التهميش الإقتصادي والإجتماعي". وأضاف: "رغم مرور سنتين على الثورة فإن هذه القضايا بقيت مطروحة بشدة وتزيد من حدتها أجواء الإحتقان السياسي والتجاذبات والعنف وتأخر الإصلاح القانوني والمؤسسي..." فإصلاح السياسات الإقتصادية والإجتماعية والقطع مع التهميش يتطلبان، على حد قول بن حسن، "جوا سياسيا يقوم على الوفاق والحوار وجوا أمنيا بعيدا عن العنف، كما يتطلب أن توضع كل القضايا الإقتصادية والإجتماعية في إطار المصلحة العامة التي تشارك كل الأطراف في إيجاد الحلول لها، كما تتطلب تشريك المواطنين والمواطنات وخاصة المهمشين في إبلاغ مطالبهم والإتفاق لهذه المطالب وعدم التعامل معها بأشكال قمة في العنف كما رأينا في سليانة". وأضاف رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن "الإنتقال الديمقراطي يتطلب إضافة إلى القانون والسياسة والإصلاح المؤسسي نظرة أخلاقية جديدة تؤكد على أن كرامة الإنسان وحمايته من التهميش وإدماج الجميع في المجتمع هو الغاية القصوى للسياسات الوطنية". واوضح أن أهمية دور المجتمع المدني اليوم من منظمات ووسائل الإعلام هام جدا في "النضال من أجل إعادة الثورة إلى أهدافها وهي أهداف الكرامة، الحرية، والعدالة والمساواة وفي تحليل السياسات الإقتصادية والإجتماعية القائمة وإقتراح سياسات بديلة وتبليغ صوت كل المهمشين في المجتمع ومقاومة المظاهر التي تزيد من تهميش عدد كبير من الفئات الإجتماعية مثل الإقتصاد الموازي وغياب العدالة في الجهات والتفقير والفساد المالي والإداري وغلاء الأسعار الذي يهدد الحياة اليومية لمختلف فئات المجتمع" وأكد بالتالي أن "كل الأطراف الإجتماعية مطالبة اليوم بأن تضع السياسات الإقتصادية والإجتماعية والتنموية في أعلى سلم أولوياتها وأن يقع الكف عن التجاذبات والمناورة وإثارة النعرات والعنف الذي قد يهدد مجتمعنا" في هذا الإطار تطرح مسألة جوهرية حول كيفية تشريك المهمشين باعتبارهم أصحاب حق في السياسات والقرارات؟. تهميش ممنهج بين الأستاذ عماد الزواري خبير استشاري لدى مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث أن "عملية التهميش عملية ممنهجة سواء كانت بشكل واع أو غير واع باعتبار أنها تجد أصولها في سياسات الدولة أو لدى أي أطراف متدخلة في هذه العملية" ولاحظ أن "هذه العملية تمر عبر عدة مراحل أولها التجاهل أي أن هذه الفئة لا يتم النظر إلى خصوصياتها اجتماعيا، اقتصاديا، وثقافيا وبالتالي لا تلبي هذه السياسات والبرامج حقوق هذه الفئات ولا تستجيب لحاجياتهم، هذه المرحلة الأولى توصلنا إلى مرحلة ثانية وهي أن أصحاب هذه الحقوق يفقدون بالضرورة الثقة بالنفس وبقدراتهم الشخصية فيشعرون بالتالي بأن المجتمع بدوره وضعهم في سلة واحدة وعلى هامش التنمية" الإيمان بالحقوق هتان المرحلتان بدورهما تجرنا إلى مرحلة ثالثة وهي صعوبة تشريكهم كما أكد الزواري حيث وجدت الحكومة وبعض مؤسسات الدولة صعوبات للتحاور وبسط الإشكاليات وهو أمر بديهي ذلك أن تلك صعوبات مرتبطة بإشكاليتين أساسيتين حيث تساءل الأستاذ عماد الزواري "هل أن الفاعل التنموي مؤمن حقيقة بمقاربة حقوقية مفادها أن لكل شخص حق أصيل بالتمتع بكل الحقوق الأساسية دون تمييز وبالتالي هل أن الآليات المعتمدة للتنمية مبنية على هذه المبادئ" أما الإشكالية الثانية المطروحة "فيما تتمثل أدوات تشريك هذه الفئات؟" فقد أكد الزواري أن هذه "الأدوات يجب أن تكون مبنية على أرضية ثقة فلا تكون معزولة، فالمفروض إذن أن تبنى عملية المشاركة بشكل طوعي فتصل إلى مستوى وعيهم بمشاكلهم وبحقوقهم ومن ثمة الثقة في آليات المشاركة التي ستؤدي إلى نتائج" مضيفا أن "آليات المشاركة تبنى بشكل تدريجي بالإستماع إلى المشاكل وصياغتها ثم بناء القدرات على التعبير العقلاني عن المشاغل ثم اختيار من يمثلهم لأن مشكلة المهمشين في تعدد أصواتهم وهنا يأتي دور المجتمع المدني الذي عليه أن يساهم في تقوية أصوات من لا صوت لهم بالتوعية والتأطير والتثقيف وبناء القدرات وبالتالي يصبح دوره داعما لها غير أنه يجب على مختلف مكونات المجتمع المدني أن لا تحل محل المهمشين بل يجب أن تعمل على دفعهم على المطالبة بحقوقهم بأنفسهم والتفطن إلى أن مسألة التهميش متكونة من طبقات الواحدة فوق الأخرى من الضروري تفكيك منظومتها بالأخذ بعين الإعتبار النوع الإجتماعي والحالة الإجتماعية والصحية والإقتصادية حتى تتمكن من حل عدة اشكاليات هي بدروها تدور في حلقة معقدة ومركبة".