لقد سبق لنا أن دعونا في افتتاحيات جريدة»الصباح» ومنذ انتخابات 23 اكتوبر 2011 وتكوين الحكومة الحالية إلى ضرورة بروز نوع من العقد الاجتماعي في بلادنا لأن الفترة التي تلت الثورة واي ثورة تتطلب الوعي بالمخاطر التي تنجرّ لا محالة عن تحطيم نظام شمولي كياني وبروز نظام جديد على انقاضه يسعى الى البناء على أسس صلبة مغايرة لسابقه وتتطلب ايضا تضحيات تقبل بها كل شرائح المجتمع حتى تلك المحرومة لفترة زمنية يتم تحديدها من اجل تجاوز ارث الوضع السابق الثقيل. فعملية الهدم تبقى سهلة اما عملية البناء فهي دائما أصعب وأطول نفسا وان التوقيع يوم أمس على «عقد اجتماعي» بين الحكومة ومنظمة الاعراف والمنظمة الشغيلة الأكبر تمثيلا في البلاد ولئن جاء متأخرا بعض الشيء فانه يمثل رغم ذلك خطوة هامة في الاتجاه الصحيح للخروج بالبلاد من وضع الاحتقان الحالي على الاقل في أحد أبعاده، أي البعد الاجتماعي الا انه لا يجب ان يبقى مجرد «اعلان نوايا حسنة» من الاطراف الثلاثة بل عليه أن يمثل نوعا من خريطة الطريق الملزمة لجميع الأطراف والواضحة المعالم والتمشي.. فبلادنا تمتلك دون شك ومنذ عقود مؤهلات جمة تمكنها من تحقيق اقلاعها الاقتصادي وهو الشرط الاساسي لتعميم الرخاء والقضاء تدريجيا على الفقر والتهميش والحد من البطالة الا انها افتقدت طويلا الى الحوكمة الرشيدة ودولة القانون والمؤسسات مما قضى على حظوظها في الانتعاش الاقتصادي الحقيقي الذي يعود بالرخاء على كافة شرائح المجتمع ويضمن تحقيق تنمية بشرية حقيقية بكل أبعادها الثقافية والإجتماعية والحضارية. وقد توفرت لنا اليوم فرصة تاريخية قد لا تتكرر بأن نتجاوز الارث الثقيل للماضي الا ان ذلك لا يمكن ان يتحقق دون توافق وطني ودون سلم اجتماعية يقبل فيها الجميع بالتضحيات وتسود فيها ثقافة «الواجب» جنبا إلى جنب مع ثقافة المطالبة بالحقوق. وهذا «العقد الاجتماعي» رغم انه ليس في حد ذاته «حلا سحريا» اذا لم تتوفر النوايا الصادقة لتفعيله وانجاحه فعسى ان يمثل مقدمة لعقد سياسي اخلاقي من نوع آخر قد لا تكون هناك أي ضرورة لصياغته والتوقيع عليه يتمثل في قبول جميع أطراف اللعبة السياسية في البلاد ضمنيا بخريطة طريق لتجاوز صعوبات المرحلة الحالية واحتقاناتها السياسية تقوم أساسا على الارتقاء فوق الحسابات الحزبية الضيقة والتخلي عن القوالب الإيديولوجية الجاهزة للنظر إلى مصلحة الوطن في عمومها التي تقتضي التوافق على كل الأصعدة وفي كل المجالات من اجل انجاح التمشي الديمقراطي وإبعاد شبح العودة الى الوراء نهائيا.