- قياسا على ما وقَع بُعيْد الانتخابات لمّا تباطأ أصحاب الأغلبيّة في تشكيل الحكومة حتّى أصبح الانتظارُمضجِرا، وحتّى ملأ الدّخانُ المشهدَ السّياسيّ مؤكّدا أنّ نارالمحاصصة حينها كانت تتّقِد بشراسة وبشَرَهٍ.. قياسا على ذلك نتابِع منذ مدّة أخباركواليس التّحويرالوزاريّ الّذي تمّ تأكيدُه من أكثر من طرَفٍ حكوميّ، ولكن بالتّوازي مع هذا التّأكيد لم يكشف أيُّ طرفٍ ممّن يحِيكون الأمرَ في الخفاء عمّا يقَع، بما فتَح باب التّأويل واسعا. فمرّة نسمع أنّ التّغيير سيطال هذه الوزارة أو تلك من وزارة التّشغيل والتّكوين المهني إلى وزارة الثّقافة إلى وزارة التّربية إلى وزارة شؤون المرأة إلخ..ومرّة يتعلّق الحديث عن هذا الوزيرأو ذاك من نورالدّين البحيري إلى عبد الوهاب المعطرإلى رفيق عبد السّلام إلى سهام بادي إلخ..وبنسقٍ مقابل تمّ الترويج لأسماء جديدة على أساس أنّه يمكن أن تدخل في التركيبة المقبلة للحكومة مثل أحمد نجيب الشّابي وعبد الرّؤوف العيّادي ومحمّد الحامدي ولبنى الجريبي إلخ..أمّا في ما يخصّ شكل التّحويرفراجت أكثرُ من صيغة منها فكرة الحكومة المصغّرة الّتي اقترحها رئيس الجمهوريّة بشكلٍ استفزَّ رأسَ التّحالف الثّلاثي حينها واستحسنته المعارضةُ، بل ودافعت عنه خاصّة من جهة ضرورة التزام التكنوقراط في تركيبته والحياد بالنّسبة إلى وزارات السّيادة. ومن الصّيغ الأخرى للتّحويرالمنتظَرما تُروِّج له الحكومةُ من أنّه سيكون بهدفِ إنعاش الفريق بآليتيّن: الآليّة الأولى تقوم على خلط أوراق الفريق الحالي بتغييرالوزراء للحقائب مع التّركيزعلى الوزارات التّقنية بما يعطي دفعا لمشروع التّنميّة، والآليّة الثّانية تقوم على إمكان ضَخِّ دماءٍ جديدة للفريق من خارج الترويكا. ويستبعِد التّصورُالحكوميّ للتّحويرفرضيّةَ اختزال الحكومة الّتي دعا لها رئيس الجمهوريّة وطالبت بها المعارضة عَدَا إمكانيّة دمج بعض الوزارات المتقاربةِ المجالات.. إنّ هذا الغموض وهذه الفوضى التّي نُقدِّرأنّها مقصودة تستهدِف في ما نتصوّرُ كسبَ الوقت من فريق السّيد حمّادي الجبالي. ويؤكّد هذا التّضاربُ في تحديد موعد التّحوير، فبعد الإشارة إلى تاريخ 14 جانفي 2013 كموعد رمزي استدركت النّهضة في بيان صدرالسبت 12 جانفي 2013 مشيرة إلى 20 جانفي 2013 كموعد لهذا التّحوير، وقد يتمّ استدراك على الاستدراك إلخ.. ومن الواضح أنّ محاولات كسب الوقت بمختلف الطّرق يسعى من ورائها رئيس الحكومة إلى أن يرتّب بيتَه الدّاخليّ ثمّ يقوم بتغيير شكليّ..تغييرٍ لا يُربِك "الترويكا" ولا يغضِب المعارضة. ذلك أنّ القيام بالتّحويرفي الرّاهن المُلتهِب اجتماعيّا وسياسيّا والمضطرب اقتصاديّا يفترِض عمليّةً تثويريّةً للحكومة لن يتحمّلها الائتلافُ الحاكم، ولن ترضى عنها بالضّرورة صقورُ النّهضة. ومن جهة أخرى قد يفيد كسب الوقت السّيد حمّادي الجبالي، إن مكّنته المُماطلة، من فسخِ مُسبِّبات التّحوير بشكلٍ يصبِح معه التّغييرُ بلا جدوى..نعم فاستعادة الهدوء كما تُقدِّرالحكومةُ قد يُشرِّع لها تجاوز تحويرٍ سيضرّها مهما كان حجمه وصورته، ولن يفيد إلاّ الأطرافَ المنافسة لها. ومن التّصورات الّتي قد تنسِف بمشروع التّحويرهو الوصولُ إلى توافقٍ بين مختلف الفُرقاء على خارطة طريق في ما يخصّ كتابة الدّستور وإجراء الانتخابات.. إنّ الاستنتاج الطّبيعيّ للحراك النّهضويّ الأخيرالدّاعي إلى التّوافق والحوارهو السَّعيُ إلى إبطال مُسوِّغات التّحويرالوزاريّ الّذي ما قبلته النّهضةُ إلاّ على مَضَضٍ وتحت الضّغط. وطبعا سيمثّل التّوافق على خارطة طريق حجّةً يحتجّ بها الفريق الحاكم للتنصّل من التّحوير، وقد تُجاريه المعارضة في ذلك خاصّةً إن تمّ التّوافق على مواعيد قريبة بالنّسبة إلى الدّستور والانتخابات..غير أنّ العقدة الّتي من الصّعب أن يجِد لها الفريق الحاكم حلاّ تتمثّل في وزارات السّيادة خاصّة تلك الّتي لها علاقة بالانتخابات نعني الدّاخليّة والعدل.إذن من الواضح أنّ خارطة الطّريق لن تقطَع الطّريق على التّحوير،إذ أنّ أوّل خطوة لرسم مثل تلك الخارطة هو الفصل في أمر وزارات السّيادة.إنّها مفارقة لا نعتقِد أنّ النّار الهادئة جدااااا الّتي يطبخ عليها السّيد الجبالي التّحويرالمنتظر ستنجَح في فكِّ شفرتها. يعمل الفريق الحكوميّ بخطّة صاحب المطعم الّذي كان يتحايل على زبائنه..إذْ كان يضع لافتةً على باب محلّه كُتِب عليه "غدا الأكل مجّانا" ويُبقيها هناك دائما. وكلّما قرأها زبونٌ عاد في الغدِ، فكان صاحب المحلّ يشيرإليها ويقول له ضاحكا الغد هو الغد وليس اليوم..ولا يأتي الغدُ أبدًا. غيرأنّ مطبخ السّياسة في تونس الرّاهن لا يحتمل في تقديرنا مثل هذه الحيلة..فالحذرَ الحذرَ من أن يحترِق الأكلُ. إعلامي