في غمرة استعداد اغلب العائلات التونسية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف كما دأبت عليه العادة برزت بعض الدعوات لمقاطعة كل اشكال الاحتفال بهذا الموعد الديني واعتباره من البدع المحدثة في الدين لان الرسول لم يحتفل بمولده ولا خلفاءه الراشدين ولا غيرهم من الصحابة ولا التابعين كما اكدت على ذلك بعض التيارات السلفية. وفي الوقت الذي كثر فيه الكلام بين مؤيد للاحتفال ومعارض له حاولت «الصباح الأسبوعي» الحديث مع عديد الاطراف لتتباين وجهات النظر وتتناقض المواقف باختلاف الحجج والتبريرات. فرض كفاية وفي حديثه ل"الصباح الأسبوعي" اعتبر الشيخ حسين العبيدي امام جامع الزيتونة ان اجتماع الامة الاسلامية واجب وكل شيء يجمعها فهو واجب ومادام المولد النبوي قد جمع الأمة فيصبح واجبا وفرضا وهي مناسبة لجمع الناس، وجمع الناس واجب وما يتمّ بواجب فهو واجب. واضاف انه «بناء على هذه القاعدة فان الاحتفال بالمولد النبوي واجب وفرض كفاية والنبي صلى الله عليه وسلم احتفل بمولده ولما سئل: يارسول الله ما سبب صيامك يوم الاثنين؟ قال: ذلك يوم ولدت فيه فأشكر الله فيه». وحول دعوة بعض الجهات الى مقاطعة الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف شدد حسين العبيدي على ان ما يتمّ ترويجه لا اساس له من الصحة باعتباره مستندا الى احاديث ضعيفة وغير صحيحة من الأنترنات والفضائيات. وتابع «أريد أن أسأل: بماذا تضرّ الاحتفالات بالمولد ليصبح محرما؟ على العكس فانه نافذة للتوادد والتراحم وهذا مطلوب في الامة بل انه من المهم تنشئة الاطفال على الاسلام». توفر النية ومن جهته اعتبر عادل العلمي رئيس جمعية الوسطية للتوعية والاصلاح ان الاحتفال بالمولد النبوي من حيث المبدأ مشروع باعتبار ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتفل بعيد ميلاده على طريقته ولما سئل: لماذا يصوم الاثنين والخميس؟ قال: «الخميس ترفع فيه الأعمال والاثنين ذلك يوم ولدت فيه». واستطرد قائلا «نحن من المسلمين، نحتفل بأيام الله التي شهدت أحداثا عظاما حيث نحتفل بمعركة بدر وفتح مكة وغيرها، ومن الايام الفاصلة مولده صلى الله عليه وسلم وهذا الحدث أرضي سماوي، أرضي لانه تصدعت فيه شرفات المدائن لكسرى وانطفأت نار كسرى، وسماوي لان الشياطين لم تتمكن من السمع الى جانب عديد الاحداث التي حصلت في مولده وكيف أشرق نوره على المشرق والمغرب». واشترط عادل العلمي توفر النية في الولائم التي يعدّها البعض احتفالا بالمولد النبوي مضيفا انه ليس له أي تحفظ أو احتراز على «عصيدة الزقوقو» وغيرها اذا كان الإنسان قادرا ولا يرهق نفسه ماديّا. وحول اعتبار بعض الجهات ان الاحتفال بدعة قال العلمي «نعم البدعة والمهمّ ان لا تخالف شرع الله ولو اننا نرفض بعض العادات السيئة التي ترافق هذا الاحتفال من اختلاط وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها الدروشة التي تصل حدّ تأليه النبي صلى الله عليه وسلم ونحن ضدّ ذلك لأنه عبد الله ورسوله». .. تشبّه بأعياد الكفار وقال علي مجاهد ل»الصباح الأسبوعي» انه لم يثبت عن النبي ولا عن الصحابة انهم احتفلوا بالمولد الذي كان من تقاليد مجتمع المغرب العربي لكن منذ حوالي 4 عقود اصبحنا نعلم ان الاحتفال بالمولد النبوي بدعة على حدّ تعبيره. مضيفا «في السعودية يقولون للمسلمين عيدان عيد الاضحى وعيد الفطر وانا معهم لكني عندما اراهم يحتفلون بالعيد الوطني السعودي اضع اكثر من نقطة استفهام امامي واقول لا يجب ان تمرّ ذكرى ميلاد الرسول هكذا كسائر الايام لذلك أسعى إلى الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيتي مع أفراد أسرتي ومن خلال محاضرة في المسجد لكني لا احتفل به على الطريقة الغربية من خلال موائد خاصة والزقوقو ومن الاحتفال به على الطريقة الغربية هو تشبه بأعياد الكفار». ولئن شدّد علي مجاهد على أنه لا يكفر الذين يحتفلون بالمولد لكنه دعاهم الى تصحيح مسار السنة وهو جعل هذا الموعد مناسبة لالقاء المحاضرات وتبيان رسالة الرسول وشرح الاسلام حتى لا تمرّ ذكرى مولده كأيّها الايام. شهوة النفس واعتبر الأستاذ الشيخ محمد خليفة بو ناصري ان المولد النبوي الشريف من الناحية الشرعية ليس بعيدٍ وذلك بإجماع علماء الإسلام بل هو بدعة، وليس لنا من الأعياد الشرعية إلا عيد الأضحى وعيد الفطر، ولو كان عيدا لاحتفل به الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، واحتفل به الصحابة رضوان الله عليهم بعد مماته، ولسبقونا إليه، ولحدث ذلك في القرون الثلاثة المزكاة على حدّ تعبيره. واستطرد قائلا «قد أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم باتباعه فقال: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفرلكم ذنوبكم» (آل عمران الآية 31) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/ 126 والإمام الترمذي في سننه الجامع 2676 وإليك بعض أقوال علمائنا المالكية، قال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني 734 في رسالته المسماة (المورد في عمل المولد) ص20 -21: «لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثارالمتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون..». بدعة منكرة وبين الشيخ بو ناصري انه من الناحية الأخلاقية الاجتماعية، فإن اليوم والشهر الذي ولد فيهما، توفي فيهما، ففقداننا بوفاته أعظم على نفوسنا من يوم ميلاده صلى الله غليه وسلم كما حصل ذلك من صحابته الكرام يوم وفاته، ولكن الحب الصحيح هو في اتباع ما جاء به، يقول العلامة محمد البشير الإبراهيمي: «الحب الصحيح لمحمد صلى الله عليه وسلم هوالذي يدع صاحبه البدع ويحمله على الاقتداء الصحيح به كما كان السلف يحبونه فيحبون سنته ويذودون عن شريعته ودينه من غير أن يقيموا له المولد وينفقوا من أجل ذلك الأموال الطائلة التي تفتقر المصالح العامة إلى القليل منها فلا تجده» وعلى كل حال علينا أن نعلم الناس السنة ونحببهم في الدين برفق ولين، وقد تركت أدلة من الكتاب والسنة وكلام علماء الأمة من السلف والخلف الكثير خشية الإطالة، وإن الذي يتجرّد من الهوى وينصف القول يتأكد لديه أن الاحتفال بدعة منكرة عند المحققين من العلماء المالكية، وأن من يستحسن ذلك إنما يفعله اتباعا لشهوات النفس وإرضاء لعامة الناس على حساب الدين والسلام.