يبدو أن مسألة مراجعة تاريخ تونس المعاصر وكشف حقائق وخلفيات بعض الأحداث والوقائع السياسية والاجتماعية والتاريخية التي ميزت مراحل من تاريخ بلادنا المعاصر وجدت الصدى والتجاوب السريع من قبل عديد الجهات والأفراد لاسيما من قبل المشككين في مدى مصداقية تاريخ تونس خاصة في المرحلتين البورقيبية والتي تلتها على اعتبار أن تاريخ هذه المراحل كُتب من جهة واحدة. مما يعني هذا التاريخ قد غيّب جزءا من الحقيقة وزيّف جزء آخر منها من أجل خدمة مصالح هذه الجهات وبقائها في الحكم لا غير. ولعل الملتقى الجديد لذي تم بعثه بقابس، والمتمثل في"ملتقى حسن مرزوق للتاريخ المعاصر"، من المبادرات التي تخدم هذا المنحى وتستجيب في جانب كبير منها لدعاة المطالبين بمراجعة تاريخ تونس. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الملتقى تنظمه جمعية ثقافة –حرية – تسامح بالتعاون مع المندوبية للثقافة بقابس وهو يحمل إسم الراحل حسن مرزوق بصفته أحد رموز النضال والفكر والأدب في تونس، يتناول في أول دورة له "قراءات في الخلاف البورقيبي اليوسفي". ويشارك في مفتتح لقاءاته الذي سيكون يوم الجمعة القادم ويتواصل على امتداد يومين بأحد النزل بقابس ثلة من المفكرين والباحثين في تاريخ تونس إضافة إلى تقديم شهادات من عايشوا المرحلة اليوسفية أو كانوا طرفا فيها على غرار عبدالله الزرلي ودبية دبية ويحاضر بالمناسبة كل من محمد الباردي وخالد عبيد ونورالدين بالطيب وعروسية التركي وغيرهم. ويتطرق عبد الجليل بوقرة إلى"كيف كتب السياسيون الصراع بين بورقيبة وبن يوسف"إضافة إلى الكاتب المصري جمال الغيطاني وغيرهم. وسينتظم على هامش هذا الملتقى حفلا موسيقيا تحييه مجموعة البحث الموسيقي بقابس فضلا عن تقديم قراءات شعرية للشاعر عبد المجدي البرغوثي. الموضوعية المطلوبة ولئن عبر أحد المشاركين في تأسيس هذا الملتقى عن ابتهاجه بهذا المولود الذي اعتبره مكسبا للجهة ولتونسالجديدة في هذه المرحلة الهامة من تاريخها بعد الثورة من ناحية وبأنه يتنزّل في إطار لامركزية مثل هذه التظاهرات والبحث في الشأن التونسي سواء تعلق اللأمر بما هو سياسي أو ثقافي أو اجتماعي من ناحية أخرى، فإن السؤال المطروح هو مدى استجابة مثل هذه اللقاءات والقراءات إلى الموضوعية المطلوبة في تصحيح المسار التاريخي من خلال تناول وطرح القضايا والمسائل المفصلية في تاريخ بلادنا خاصة منها ما تعلق بفترات شائكة وأحداث لا تزال إلى يومنا هذا يكتنفها الغموض. خاصة أن تجربة "ملتقى مؤسسة التميمي" في هذا المجال قد لاقت استحسان عديد الجهات نظرا لما تميزت به من حيادية إلى حد المصداقية في طرح المسائل التاريخية المتعلقة بتاريخ بعض المناضلين أو الأحداث والوقائع التي عرفتها بلادنا منذ الاستقلال وصولا إلى العقود الأخيرة. فهل يكون بذلك ملتقى"حسن مرزوق للتاريخ المعاصر"منطلقا لمراجعة تاريخ بلادنا على نحو تكون قراءاته الجديدة في كنف الحيادية والموضوعية دون السقوط في خدمة أي جهة أو طرف وذلك بأن ينأى عن الوقوع في أخطاء "صناع" التاريخ القدامى بتعمد تغييب جزء من حقائق هذا التاريخ وتوظيف هذا العامل من أجل خدمة أي أجندا أو جهة؟