كرة اليد: المركز الثالث للترجي في بطولة افريقيا    عاجل/ الترجي الرياضي التونسي يعلن عن خبر هام..    قمة فرنسية طارئة في الإليزيه لمعالجة ''الجمود الدبلوماسي'' مع الجزائر    وزارة الأسرة تنظم دورة تكوينية حول تشريعات حماية حقوق الطفل لفائدة 40 مندوبا مساعدا لحماية الطفولة    منوبة: تقديرات أولية بإنتاج حوالي 850 ألف قنطار من الحبوب وتضاعف الكمية مقارنة بالموسم المنقضي    نصف نهائي كأس تونس: اختبار صعب لحامل اللقب في المنستير ومواجهة محفوفة بالمخاطر للترجي في بن قردان    عاجل : فيفا يحذر الأندية واللاعبين ...و إجراءات صارمة    بشرى سارة للأساتذة المتزوجين: فتح باب ''لمّ شمل'' عبر حركة النقل الداخلية !    صفاقس: يقتل صهره بطعنة سكين ويلوذ بالفرار    تظاهرة ثقافية غدا السبت حول الفن والهوية بدار الشباب سيدي داود بالمرسى    اليوم الدولي للقضاء على ناسور الولادة، منظمة الصحة العالمية تؤكد امكانية الوقاية والعلاج من هذه الإصابة    عاجل/بعد استقالة الهيئة التسييرية للافريقي: سمير الوافي يفجرها ويكشف..    السجن لنقابي أمني سابق من أجل هذه التهمة..    حافظ العموري يشرح التغييرات الجوهرية في قانون الشغل    دليلك الكامل لتنسيق ألوان ربيع وصيف 2025: ألوان جريئة وعصرية ''تخليك تتألق''!    آخر الأرقام بخصوص موسم الحجّ    الشرطة الأمريكية تكشف عن بيان ناري عن وحشية العالم وحرب غزة نشره منفذ هجوم سفارة إسرائيل في واشنطن    ترامب ينشر رسما ساخرا يلمح لترؤسه الولايات المتحدة إلى الأبد    عاجل/ تحسّبا للتقلبات الجوية..مرصد سلامة المرور يحذر ويقدم جملة من التوصيات..    عاجل: ''إكستازي''بلعبة أطفال.. الديوانة تُحبط تهريب 5 آلاف حبة مخدرة بحلق الوادي!    قفصة: أسعار أضاحي العيد تتراوح بين 750 دينارًا و2000 دينار    مراكز نقل الدّم في إضراب بيوم ...تفاصيل    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    القصرين: مركز "آمان" لإيواء النساء المعنّفات... من فضاء للاغاثة إلى أبواب مغلقة وديون متراكمة    علاج طبيعي للاكتئاب دون أدوية...تعرف عليه    ''ضحكة كبيرة ونتيجة خطيرة'': لعبة التخويف تهدّد صحة طفلك!    بمشاركة 28 فلاحًا وفلاحة: انطلاق سوق الفلاح التونسي لدعم المنتوج المحلي    زلزال قوي يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    رئيس الجمهورية : إلغاء المناولة بداية لحلول جذرية تقطع مع "الماضي البغيض"    الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يعتذر بعد نفاذ الميداليات خلال حفل التتويج في الدوري الأوروبي    دعاء يوم الجمعة 23 ماي 2025    قفصة: مطار قفصة القصر الدولي يؤمن ثاني رحلة لحجيج ولاية قفصة على متنها 256 حاجا وحاجة    متابعة للوضع الجوي لبقية هذا اليوم وهكذا سيكون الطقس غدا..    عامر بحبّة: تقلبات جوية تضرب تونس والجزائر...و طقس ''الويكاند'' ممطر    تفاصيل جديدة عن عملية احباط 2.5 كغ من مادة الماريخوانا بمطار تونس قرطاج..#خبر_عاجل    كاتب الدولة للخارجية يستقبل مسؤولا بمنظمة التحرير الفلسطينية ويؤكد دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم    الاستيقاظ قبل رنين المنبه خطر.. دراسة تحذر وتكشف..    16 شهيدا في غارات إسرائيلية على غزة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تخصيص جوائز مالية قياسية لكأس العرب 2025 بقطر    العميد شكري الجبري: إحباط إدخال كميات هامة من المخدرات عبرمطار تونس قرطاج ومعبر رأس جدير    هام/ "الستاغ" تشرع في جدولة ديون هؤولاء..    برشلونة يمدد عقد جناحه رافينيا حتى 2028    بعد إعصار مدمر.. صرخات رضيع تنقذه من الموت تحت الأنقاض    ملف الأسبوع...وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا .. الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ    منبر الجمعة: لبيك اللهم لبيك (2) من معاني الحج    خطبة الجمعة...غلاء الأسعار وأضراره الاقتصادية والاجتماعية    نابل تحتضن الدورة الثانية من «الملتقى العربي للنص المعاصر» تحت شعار .. «المجاز الأخير... الشعر تمرين على الوجود»    تعود إلى السينما المصرية بعد غياب: سناء يوسف تعوّض هند صبري في «الجزيرة 2»؟    مسرح الجم يحتضن الورشة الإقليمية لتوثيق التراث الرقمي بإشراف اليونسكو    مؤشر الإنتاج الصناعي يتراجع ب3،6 بالمائة موفى ديسمبر 2024    حفل إسناد جائزة ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية يوم 27 ماي 2025 بالقصر السعيد    فايسبوك يلتهم وقت التونسيين: 61 ساعة شهريًا مقابل 5 فقط للقراءة!    ارتفاع نسبة امتلاء السدود إلى 40،7%    القيروان : اليوم إفتتاح الدورة 19 للملتقى الوطني للإبداع الأدبي والفني.    القيروان: انطلاق بيع الأضاحي بالميزان في سوق الجملة بداية من 26 ماي    شرب الماء على ثلاث دفعات: سُنّة نبوية وفوائد صحية مؤكدة    بلاغ وزارة التجارة حول توفير لحوم ضأن وبقري مسعرة    









العلاقة بين الدين والسياسة في تونس
نشر في الصباح يوم 24 - 01 - 2013

- يمثل الإسلام السني المالكي دين أغلبية التونسيين وهو جزء أساسيّ من هويتهم ولا ينفصل عن عروبتهم في الغالب الأعم وكان هذا التجانس عنصر وحدة وقوة ومناعة للشعب والوطن...
ولم يكن الإسلام في تونس بهذه المواصفات بعيدا عن السياسة بل نستطيع القول بأنه كان ملازما لها في أحيان كثيرة كما الحال في اغلب الدول العربية والإسلامية التي برزت فيها أفكار تدعو للإصلاح على أن تجربة تونس في هذا المجال ومقاربة علمائها وسياسيها تبدو متميزة نسبيا من عدة نواح:
اذ تميّزت المقاربة التونسية التي صاغها خير الدين التونسي(1821-1890) في كتابه «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» قد تميزت بنوع من «الفرادة» وذلك من خلال دعوته للاستفادة من منجزات أوروبا والاقتباس منها دون تقليد وفي حدود ما تسمح به الشريعة مؤكدا ان تحديث المجتمع الإسلامي لا يتعارض والشريعة الإسلامية. وكان يقصد بالتحديث الإصلاح وإقامة المؤسسات(التنظيمات) وتطوير التعليم وفهم العقيدة الدينية بما يخدم مستقبل الإنسان. وما ميّز خير الدين أيضا عن غيره من المصلحين، في عهده، هو تجربته السياسية في الحكم(1873 – 1877) ومحاولة تجسيد بعض من أفكاره على الواقع من ذلك انه قام بتنظيم الإدارة اعتمادا على نخبة من المصلحين ممن تخرجوا من المدرسة الحربية بباردو(1840) وأجرى إصلاحات واسعة على القضاء وتحديث التعليم وتأسيس المدرسة الصادقية(1875) التي اعتمدت مناهج حديثة (اللغات الأجنبية والعلوم العقلية...)... ورغم عدم قدرة خير الدين على مواصلة تنفيذ برنامجه،لأسباب يطول شرحها،إلا أن أفكاره ومبادئه وانجازاته شكلت أرضية استندت إليها وعليها النخب التونسية اللاحقة...
وفي مرحلة الاستعمار لم يكن الدين بعيدا عن السياسة أيضا فمن ناحية اعتبرته الحركة الوطنية(بمعناها الواسع)احد أهم الأسس التي تتشكل منها الهوية الحضارية للشعب التونسي(العروبة والإسلام) فدافعت عنه ب»بشراسة»أمام كل عمليات التشويه والتبخيس في الوقت الذي وظفته،بتفاوت،وبمرونة ودون تعصّب في خطابها السياسي وفي تعبئة الجماهير من اجل القضية الوطنية بأبعادها المختلفة فكان أول احتجاج سلمي منظم في تونس سنة 1885 على خلفية دينية دفاعا عن بعض العادات والقيم الإسلامية المتوارثة، بالإضافة إلى بعض المطالب ذات الطابع المادي والاقتصادي، التي حاول الاستعمار ترسيخها دون اعتبار لخصوصيات الشعب التونسي، وكانت تلك المطالب تتماشى ومستوى فهم النخبة الدينية آنذاك لطبيعة التحولات الذي بدا الاستعمار بانجازها..
كما دافعت حركة الشباب التونسي على الهوية العربية الإسلامية وتصدت،عبر كتابة المقالات الصحفية، لكل محاولات التشويه التي تعرضت لها بالإضافة لمساهمتها في بعض التحركات ومنها مساندتها لإضراب طلبة الزيتونة سنة 1910 والتصدي لتجنيس التونسيين(1909-1910)... ورغم أن اغلب مؤسسي الحزب الحر الدستوري التونسي هم من الزيتونيين غير ان برنامج هذا الحزب لم يكن ذا طابع ديني اذ كان الانضمام إليه يهم كل التونسيين مسلمين ويهودا بل خصص المؤسسون مناصب قيادية ليتولاها من يمثل الأقلية اليهودية التونسية(أمين المال...) وكان الزيتونيون بمرجعيتهم الإسلامية ومنهم الشيخ عبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد وغيرهما من بين ابرز العناصر التي أسست هذا الحزب «الحديث» بفكره وسلوكه السياسي ومن أكثر العناصر انفتاحا وتحررا وتقدما على المستوى الفكري والسياسي فساهموا مع غيرهم في إنشاء الجمعيات الثقافية والاقتصادية والرياضية والموسيقية والمسرحية والصحف والمجلات والنقابات العمالية والحرفية...
وكان الحبيب بورقيبة الذي يُعدّ من أكثر القيادات الدستورية»الجديدة»، تشبعا بالثقافة الغربية الليبرالية الديمقراطية، على وعي بدور الدين في المجتمع وبخصوصية المجتمع التونسي الخاضع كليا للاستعمار الفرنسي الذي يتميز ببعده الثقافي والحضاري، على خلاف الاستعمار الانجليزي مثلا لذلك كان من أكثر القيادات دفاعا عن الهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي ومن أكثر الزعماء توظيفا للدين الإسلامي في خطابه السياسي ونضاله الوطني ولكن دون تعصّب فكان أول مقال صحفي كتبه هو دفاعا عن حجاب المرأة التونسية أما أول ممارسة سياسية لبورقيبة فكانت المشاركة في مظاهرة ضد دفن احد المتجنّسين في إحدى مقابر المنستير. كما قام الحزب الدستوري بفضح شيوخ الدين والايمة وقضاة المجلس الشرعي الذين أباحوا التجنيس وتواطأوا مع السياسية الاستعمارية. وشاركت الصحف(التي كان يكتب فيها بورقيبة وجماعته كصوت التونسي والعمل التونسي) في التصدي لانعقاد المؤتمر الافخارستي(تظاهرة مسيحية نظمتها الكنيسة بتونس سنة 1930) كما لم يتردد بورقيبة (بغض النظر عن الدوافع الحقيقيّة لذلك) في افتتاح خطبه بالبسملة وإيراد بعض الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية الشريفة والاستشهاد بالتاريخ الإسلامي لحث السكان على المقاومة( انظر كمثال كتاب رسائل سجين جالطة قسم الفهارس)..
وعلى خلفية الاعتزاز بدينهم الإسلامي وظف الوطنيون التونسيون الرموز الدينية في نضالهم الوطني من ذلك أنهم عقدوا مؤتمر الاستقلال سنة 1946 في ليلة القدر وترأس الشيخ الفاضل بن عاشور المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل... على ان توظيف الحركة الوطنية للجوامع والمساجد كان محدودا جدا سواء في الجهات او العاصمة باستثناء جامع الزيتونة وذلك في مناسبتين هامتين الأولى في الأربعينيات في إطار التضامن مع القضية الفلسطينية والثانية في الخمسينيات في اطار الصراع بين بورقيبة وصالح بن يوسف...
وعلى عكس بعض الدول العربية لم تمارس الطرق الصوفية دورا سياسيا وطنيا ايجابيا كالحركة السنوسية في ليبيا أو المهدية في السودان... كما لم تجد الدعوة الوهابية القبول عند علماء الزيتونة.. ورغم بروز الأحزاب الدينية بالصيغة الاخوانية منذ سنة 1927 في مصر وفي بعض الدول العربية(سوريا 1936 - 1937 والعراق سنة 1949 وليبيا ...) فان تونس لم تعرف حزبا اخوانيا أو حزبا ذا مرجعية دينية-إسلامية طوال مرحلة التحرر الوطني..
ولم يبرز الخلاف بين النخبة السياسيّة حول قضايا ذات طابع ديني طوال فترة الاستعمار إلا سنة 1948 (على خلفية الصراع في فلسطين) وبعلاقة بمسألة توظيف الأقلية اليهودية التونسية في الوظيفة العمومية كما برز هذا الاختلاف أيضا في النظر لطبيعة الحركة الصهيونية بين شق يعتبر ان الصراع في فلسطين هو ذو طبيعة دينية وشق آخر يعتبره ذا طبيعة استعمارية عنصرية ولم يكن الانتماء الحزبي أو النقابي محددا في هذا التباين في وجهتي النظر،حول تلك المسائل، فكثير من الزيتونيين انحازوا لموقف بورقيبة وصالح بن يوسف وفرحات حشاد كما أن كثيرا من النقابيين والدستوريين الجدد قد انحازوا للفهم الديني للمسالة(بن عاشور والنيفر وابن القاضي..).
بعد حصول تونس على الاستقلال بدأت مواقف القيادات الوطنية الماسكة للسلطة تتغيّر من الدين الإسلامي ومن علمائه:أعاد بورقيبة تنظيم المؤسسة الدينية وأخضعها للمراقبة وهمّش قطاعا واسعا من «رجال»الدين وافقد امتيازات الكثير منهم وتمكن في المقابل ب»استيعاب»عدد كبير ومؤثر من علماء الجامع الأعظم بل استند على بعضهم لتقديم رؤية اجتهادية للإسلام تختلف عما كان سائدا....
واتخذ جملة من الإجراءات على علاقة بالإسلام: حلّ الأوقاف(1956-1957) وإصدار مجلة الأحوال الشخصية(1956) وإلغاء التعليم الزيتوني(قانون 1958)، واعتماد الحساب الفلكي في تحديد تواريخ المناسبات الدينية بدل الرؤية بالعين المجردة كما جرت العادة ، والتنظير للأمة التونسية والوحدة القومية (بالمفهوم اليعقوبي)... واستفزّ كل ذلك قطاعا واسعا من المتدينين الذين اعتبروا تلك الإجراءات وبعض الممارسات منافية للدين ومسّا بالمقدّسات(الصوم)... معتبرين ان إجراءات الإدارة الاستعمارية الفرنسية لم تجرؤ على اتخاذها فكيف يفعل بورقيبة ذلك،وتونس دولة مستقلة؟ ...ورغم كل ذلك لم تبرز في البلاد معارضة سياسية ذات مرجعية دينية لنظام بورقيبة الا في حدود ضيقة جدا(مظاهرة القيروان 1961)
ومع بداية التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفتها البلاد أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وهي التي عرفتها الكثير من البلدان العربية وخاصة مصر (بعد نكسة حزيران )1967 بعد تولي محمد أنور السادات للسلطة، عاد السؤال من جديد بصيغة أخرى وهو كيف ولماذا هزم العرب؟ وفي ظل مناخ الهزيمة ذاك بدا التيار الإسلامي الاخواني، في العالم العربي،مطعّما ببعض أفكار الدعاة من غير العرب يكتسح الساحة العربية طارحا «بدائل» سياسية دينية انطلاقا من مصر بعد سماح السادات بإنشاء المنابر وبعودة القيادات الاخوانية المهجرة في بلاد الخليج العربي تزامنا مع الطفرة النفطية وحرب أكتوبر...
لقد تفاعلت الساحة التونسية مع كل تلك التحولات وتمكنت مجموعة من الأفراد من تجارب وأصول جغرافية وثقافية مختلفة ومتباينة من تأسيس ما أطلق عليه ب»الجماعة الإسلامية» سنة 1972 التي انتهت بعقد المؤتمر التأسيسي الأول في صائفة 1979 ... وبفعل التطورات التي عرفتها الجماعة من ناحية والتطورات التي عرفتها البلاد عامة(انشقاقات داخل حزب الدستور والصراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل والنظام 1978 وعملية قفصة العسكرية 1980...)برز تنظيم الاتجاه الإسلامي سنة 1981 الذي يعتبر أول تنظيم سياسي تونسي يستند إلى مرجعية دينية.
لقد كانت المرجعية الفكرية لهذه الجماعة «سلفية» في الأصل ولم تكن ابنة بيئتها ولم تنهل من رصيد الفكر الإصلاحي التونسي(الموقف من خير الدين) بل عادته وطعّمت سلفيتها في ما بعد بمنتوج الفكر الاخواني ثم بما أنتجته تجربة الثورة الإيرانية... وتحت ضغط الواقع السياسي والاجتماعي الوطني حاول الاتجاه الإسلامي التكيف مع بعض الأطروحات الديمقراطية في البلاد بالتخلي، على مستوى الخطاب، عن بعض الأفكار والأطروحات جزئيا(حول المرأة والتعددية.. ثم تغيير اسم الحركة...) لكن دون التخلي عن الأرضية الأيديولوجية المتمثلة في «الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي» التي ظلت معتمدة من قبل، الحركة- الحزب حتى انعقاد مؤتمرها العلني الأول بعد الثورة...
تعددت ،بعد الثورة،الأحزاب والتيارات الدينية ورغم ذلك ظلت النهضة من أبرزها وتقدمت للانتخابات ببرنامج ثنائي(مزدوج)كان الأول مدوّنا، يظهر انه موجه لقطاعات معيّنة في الداخل والخارج يدعو إلى الدولة المدنية والثاني شفوي ذو طبيعة دينية موجه إلى القواعد وعامة الشعب والأطراف ذات المرجعية الدينية دون جماعة النهضة... لقد اختار جزء كبير من الشعب حركة- حزب النهضة في أول انتخابات شفافة ونزيهة تجرى في البلاد،والكثير من الناس انتخبوا هذا الفصيل السياسي لاعتبارات دينية أخلاقية-قيمية(نظافة اليد والصدق..)ونضالية(ضحايا النظام السابق).
وتصدرت النهضة المشهد السياسي وأثرت في مساراته في كثير من الأحيان وعملت في المجلس التأسيسي بكل الطرق من اجل تثبيت أفكارها ومبادئها الدينية (حول الفصل الأول من الدستور والمساواة بين المرأة والرجل..كونية وشمولية حقوق الإنسان) ووظّفت (تحت الستار)في معاركها الفكرية والسياسية أحزاب وتيارات وجمعيات دينية متشدّدة دون مراعاة لبعض الثوابت والمكتسبات،الديمقراطية، التي أقرت بوجودها ووعدت بالدفاع عنها في مناسبات كثيرة...
وبغض النظر عن كل ذلك تمكن أول حزب ذو مرجعية دينية اخوانية في تونس،من تحقيق الأغلبية الانتخابية وهو ما سمح له بإدارة شؤون البلاد،وان بتحالف مع أطراف ذات مرجعية غير دينية رأى البعض في ذلك تجربة فريدة في العالم العربي في حين أزعج ذلك جزءا هاما من النخبة السياسية ليس بسبب عدم قدرة الحكومة تحقيق مبادئ الثورة وشعاراتها، فهو أمر يمكن تفهّمه بل وحتى تجاوزه، بل بسبب عدم قدرة هذا الحزب لإيجاد توافق واسع بينه وبين الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع بالإضافة إلى تكرّس شعور عدم الثقة،عند قطاع هام من النخبة ومن عامة الناس، في خطاب قيادات حزب النهضة وسلوكها السياسي الذي تميز بالعنجهية أحيانا وبعدم المصداقية وبالازدواجية،في أحيان كثيرة تأكدت، خلال هذه الفترة الوجيزة من حكم البلاد من قبل هذا الحزب ذي المرجعية الدينية..الأمر الذي يطرح من جديد مسالة جدوى وجود حزب ذي مرجعية إسلامية في السلطة في بداية القرن الواحد والعشرين خاصة بعد انجاز «ثورة» ذات خلفيات وشعارات وأبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية واضحة..
أستاذ التاريخ المعاصر والآنيّ، كلية الآداب والفنون والإنسانيات منوبة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.